جعفر الديري
تنظم أسرة الأدباء والكتاب، مساء اليوم الأحد، أمسية شبابية في نادي العروية، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، يشارك فيها الشعراء: علي المؤلف، وإيمان الشاخوري، وسيد أحمد العلوي، وصالح يوسف، ونوف نبيل، ومحمد رضي.
وبهذه المناسبة وحول أهمية الشعر ومدى قدرته على التغيير في عالم اليوم، كان لملحق فضاءات أدبية هذه اللقاءات مع عدد من الشعراء الشباب، نعرضها على حلقتين...
يؤمن إبراهيم حمدان بقدرة الشعر على تنمية الإحساس بالجمال اللفظي والمعنوي، مشيراً إلى أن الشاعر يعتاد على مساحة جمالية يصعب عليه التنازل عنها في لحظته، ومن أجل ذلك يقوم بالتعويض عن الكتابة الأدبية بالقراءة، وبالكتابة عن القراءة ليحافظ على الاتزان الجمالي الذي اعتاد عليه.
والشاعر في أي نص يكتبه -كما يرى حمدان- تشغله فكرة الإتيان بالجديد سواء كان ذلك في النص الحداثي أو البوح المحض، ولابد للشاعر هنا أن يقلق ليقدم أجمل ما لديه، لابد أن يتساءل كيف له أن يصوغ النص الحداثي ببراعة يتفوق بها على ذاته وكيف له أن يقويه بالدلالة والإيحاء والترميز والإسقاط، لأجل توليد أطروحة فريدة وابتكار معانٍ جديدة، وكل ذلك إحساساً من الشاعر بالمسؤولية أمام ذاته وأمام المتلقي سواء كان متذوقاً أو أديباً أو ناقداً.
ويؤمن الحمدان أيضاً أنه على الرغم من تقلص دور الشعر كثيراً في الزمن الراهن عما كان عليه في السابق، عندما كان وسيلة الإعلام الوحيدة المقروءة والمسموعة والمرئية، يجزم أن الكلمة الصادقة التي تعبر عن المعاني والأحاسيس، ويتم مشاركتها مع العامة والمثقفين، يجزم أنه بإمكانها أن تخلق شعورا ما وتنمي الإحساس والوعي للفرد، مما ينتج عنه إحداث تغييرات في الانطباع والسلوك والرأي العام.
تجاوز الاعتيادي
من جانبها تحب بتول حميد، قراءة ومضة للشاعر قاسم حداد (لا تنشغل بالكتابة عن قراءة الحياة)، لذا تقرأ دواوين الشعر مرات عديدة حد حفظ النصوص، ونادراً ما تعيد قراءة رواية أو كتاب فلسفي، فهي بحاجة دائماً لقراءة ما لا يهشم قواعد المنطق، ويعكس كجهاز "تنظيم النبض" جدلية اللغة. وهي تحتاج إلى ما لا تخدشه الموسيقى ويجنح للفوضى والجنون ويحلق بعيداً عن نص الحياة، ولهذا تقرأ الشعر.
حميد منشغلة بتجاوز الاعتيادي المكرس، يقينها بالكتابة كبير، فهي "لا يغويها المديح ولا يزعجها النقد". والشعر عندها احتدام شاهق يركن لعزف خلجاته وتفعيلها بأصابع تترفق بالمعنى في رحلته الخبيئة في الروح، حيث الأخيلة والرؤية والحدس والذاكرة.
وتعي حميد أن القصيدة لا يمكنها جمع أَشلاء طفلة في مدينة منكوبة. فالشعر بكل مفرداته الساحرة لا يستطيع للأسف أن يحطم آلات الحرب. لكنها لا تشكو عجز الشعر، وهنا تستدعي نظرية "المثقف العضوي". فربما تلح فروض مجتمعية على ارتداء الشعر لقماشه الشعبي غافلاً عن الاهتمام بمقومات القصيدة "بناء وهيكل وصورة"، ليضعف انفعاله وموسيقاه وفكرته وهو ما يناقض بديهية الشعر. وثمة شعر في غمار الحروب وشعر في إناء لورد سيدة بسيطة وفي ضحكة أرملة. وقد يميل المجتمع أحياناً إلى التجرد من عواطف محددة فيهجو نصا بتهمة "الهرب من الواقع" أو بجناية "العزلة" وينتهي لإنكار شعور الفرد العادي كموضوع للشعر؛ بينما صوت القصيدة هام لإحياء الإنسان داخل الإنسان، وتراكم البشاعة لا يلغي الجمال.
عهد الخليل
صالح يوسف صالح، يشعر أن الشعر للشاعر كالماء، وأنه من الضروري الموازنة بين "القراءة والكتابة"، فبقدر الأخذ يكون العطاء. لذا يقضي صالح أغلب أوقاته في الاستماع عبر التنقل بين المدارس المختلفة، حيث يكون الشاعر رصيداً ثقافياً وكماً لغوياً هائلاً.
ورغم أن للشعراء مذاهبهم فيما يكتبون وأصدق الشعر هو ما يجيش في الصدر، يؤمن صالح بأهمية الكتابة بما يشعر به الآخرون، ومراعاة أذواقهم والدخول أحياناً في عالم الحداثة دون مبالغة، لكن تبقى للشعر شخصية لا ينبغي الإفراط فيها، وكما علمنا المتنبي أن الشعر يكون "صنعة" أحياناً، ويجب التفنن فيها بما يؤثر في الآخرين، رجائي من الشعراء أن يحفظوا عهد "الخليل" دون أن أعيب الألوان الأخرى.
وحسب رأي صالح، تبقى للشعر منزلته، رغم تراجع الإقبال عليه، بتعدد الاهتمامات وتأثير العولمة وتداخل الثقافات. لقد كان الشعر مصدر إلهام، ووسيلة إخبار، وحمال حكايات، ومرجعاً تاريخياً ولغوياً، لكن ظهر اليوم ما ينافسه ليس في "قيمته" وإنما في بعض ما كان يتفرد به سابقاً. لكنني أؤمن بقدرته على التغيير وإن كان أمراً نسبياً، فتفاعيل الشعر متى ما وضعت في قالب من المعاني المؤثرة سيؤدي إلى التغيير سواء من خلال استخدامه في الخطب أو الأغاني. وطبيعة الإنسان تميل لقوة موسيقى الحروف، وتنجذب للكلمات الرنانة التي تصدر عن الأصوات الجميلة أو الحماسية التي لها وقعها وإيقاعها، والشعر طبعاً هو اللاعب المؤثر هنا.
حالة إنسانية
أما حسن العابد، فيرى القصيدة ظلاً للشاعر، "لا أستطيع تخيل يوم واحد يمر على الشاعر دون أن يقترف بيتاً أو يتغنى بآخر، وعجلة الكتابة والقراءة يجب أن تكون في وضع دوران مستمر عند الشاعر، تجنباً لدورانه حول نفسه وتكرار قصيدته الأخيرة حد الغثيان".
غير أن العابد لا يعلم "إن كان بالإمكان جعل القصيدة في إطار عقلي أو عاطفي محض. هنالك بعض القصائد التي يتغلب فيها العقل على العاطفة نتيجة لأزمة تفكير وتأمل يمر بها الشاعر، وغالباً ما تحمل هذه القصائد أبعاداً ثقافية وفلسفية مدججة بالتساؤلات والتأملات، وهنالك بعض القصائد التي تترجم حالات شعورية وانفعالات عاطفية يمر بها الشاعر فنجد العاطفة حاضرة بشكل مكثف وواضح".
لكن الأدب والشعر في يقين العابد، حالة إنسانية متقدمة جداً وجميع الشعراء يرغبون في إصلاح العالم ونشر الحب والسلام، لكنها شهوة شاعر حالم لا أكثر.
{{ article.visit_count }}
تنظم أسرة الأدباء والكتاب، مساء اليوم الأحد، أمسية شبابية في نادي العروية، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، يشارك فيها الشعراء: علي المؤلف، وإيمان الشاخوري، وسيد أحمد العلوي، وصالح يوسف، ونوف نبيل، ومحمد رضي.
وبهذه المناسبة وحول أهمية الشعر ومدى قدرته على التغيير في عالم اليوم، كان لملحق فضاءات أدبية هذه اللقاءات مع عدد من الشعراء الشباب، نعرضها على حلقتين...
يؤمن إبراهيم حمدان بقدرة الشعر على تنمية الإحساس بالجمال اللفظي والمعنوي، مشيراً إلى أن الشاعر يعتاد على مساحة جمالية يصعب عليه التنازل عنها في لحظته، ومن أجل ذلك يقوم بالتعويض عن الكتابة الأدبية بالقراءة، وبالكتابة عن القراءة ليحافظ على الاتزان الجمالي الذي اعتاد عليه.
والشاعر في أي نص يكتبه -كما يرى حمدان- تشغله فكرة الإتيان بالجديد سواء كان ذلك في النص الحداثي أو البوح المحض، ولابد للشاعر هنا أن يقلق ليقدم أجمل ما لديه، لابد أن يتساءل كيف له أن يصوغ النص الحداثي ببراعة يتفوق بها على ذاته وكيف له أن يقويه بالدلالة والإيحاء والترميز والإسقاط، لأجل توليد أطروحة فريدة وابتكار معانٍ جديدة، وكل ذلك إحساساً من الشاعر بالمسؤولية أمام ذاته وأمام المتلقي سواء كان متذوقاً أو أديباً أو ناقداً.
ويؤمن الحمدان أيضاً أنه على الرغم من تقلص دور الشعر كثيراً في الزمن الراهن عما كان عليه في السابق، عندما كان وسيلة الإعلام الوحيدة المقروءة والمسموعة والمرئية، يجزم أن الكلمة الصادقة التي تعبر عن المعاني والأحاسيس، ويتم مشاركتها مع العامة والمثقفين، يجزم أنه بإمكانها أن تخلق شعورا ما وتنمي الإحساس والوعي للفرد، مما ينتج عنه إحداث تغييرات في الانطباع والسلوك والرأي العام.
تجاوز الاعتيادي
من جانبها تحب بتول حميد، قراءة ومضة للشاعر قاسم حداد (لا تنشغل بالكتابة عن قراءة الحياة)، لذا تقرأ دواوين الشعر مرات عديدة حد حفظ النصوص، ونادراً ما تعيد قراءة رواية أو كتاب فلسفي، فهي بحاجة دائماً لقراءة ما لا يهشم قواعد المنطق، ويعكس كجهاز "تنظيم النبض" جدلية اللغة. وهي تحتاج إلى ما لا تخدشه الموسيقى ويجنح للفوضى والجنون ويحلق بعيداً عن نص الحياة، ولهذا تقرأ الشعر.
حميد منشغلة بتجاوز الاعتيادي المكرس، يقينها بالكتابة كبير، فهي "لا يغويها المديح ولا يزعجها النقد". والشعر عندها احتدام شاهق يركن لعزف خلجاته وتفعيلها بأصابع تترفق بالمعنى في رحلته الخبيئة في الروح، حيث الأخيلة والرؤية والحدس والذاكرة.
وتعي حميد أن القصيدة لا يمكنها جمع أَشلاء طفلة في مدينة منكوبة. فالشعر بكل مفرداته الساحرة لا يستطيع للأسف أن يحطم آلات الحرب. لكنها لا تشكو عجز الشعر، وهنا تستدعي نظرية "المثقف العضوي". فربما تلح فروض مجتمعية على ارتداء الشعر لقماشه الشعبي غافلاً عن الاهتمام بمقومات القصيدة "بناء وهيكل وصورة"، ليضعف انفعاله وموسيقاه وفكرته وهو ما يناقض بديهية الشعر. وثمة شعر في غمار الحروب وشعر في إناء لورد سيدة بسيطة وفي ضحكة أرملة. وقد يميل المجتمع أحياناً إلى التجرد من عواطف محددة فيهجو نصا بتهمة "الهرب من الواقع" أو بجناية "العزلة" وينتهي لإنكار شعور الفرد العادي كموضوع للشعر؛ بينما صوت القصيدة هام لإحياء الإنسان داخل الإنسان، وتراكم البشاعة لا يلغي الجمال.
عهد الخليل
صالح يوسف صالح، يشعر أن الشعر للشاعر كالماء، وأنه من الضروري الموازنة بين "القراءة والكتابة"، فبقدر الأخذ يكون العطاء. لذا يقضي صالح أغلب أوقاته في الاستماع عبر التنقل بين المدارس المختلفة، حيث يكون الشاعر رصيداً ثقافياً وكماً لغوياً هائلاً.
ورغم أن للشعراء مذاهبهم فيما يكتبون وأصدق الشعر هو ما يجيش في الصدر، يؤمن صالح بأهمية الكتابة بما يشعر به الآخرون، ومراعاة أذواقهم والدخول أحياناً في عالم الحداثة دون مبالغة، لكن تبقى للشعر شخصية لا ينبغي الإفراط فيها، وكما علمنا المتنبي أن الشعر يكون "صنعة" أحياناً، ويجب التفنن فيها بما يؤثر في الآخرين، رجائي من الشعراء أن يحفظوا عهد "الخليل" دون أن أعيب الألوان الأخرى.
وحسب رأي صالح، تبقى للشعر منزلته، رغم تراجع الإقبال عليه، بتعدد الاهتمامات وتأثير العولمة وتداخل الثقافات. لقد كان الشعر مصدر إلهام، ووسيلة إخبار، وحمال حكايات، ومرجعاً تاريخياً ولغوياً، لكن ظهر اليوم ما ينافسه ليس في "قيمته" وإنما في بعض ما كان يتفرد به سابقاً. لكنني أؤمن بقدرته على التغيير وإن كان أمراً نسبياً، فتفاعيل الشعر متى ما وضعت في قالب من المعاني المؤثرة سيؤدي إلى التغيير سواء من خلال استخدامه في الخطب أو الأغاني. وطبيعة الإنسان تميل لقوة موسيقى الحروف، وتنجذب للكلمات الرنانة التي تصدر عن الأصوات الجميلة أو الحماسية التي لها وقعها وإيقاعها، والشعر طبعاً هو اللاعب المؤثر هنا.
حالة إنسانية
أما حسن العابد، فيرى القصيدة ظلاً للشاعر، "لا أستطيع تخيل يوم واحد يمر على الشاعر دون أن يقترف بيتاً أو يتغنى بآخر، وعجلة الكتابة والقراءة يجب أن تكون في وضع دوران مستمر عند الشاعر، تجنباً لدورانه حول نفسه وتكرار قصيدته الأخيرة حد الغثيان".
غير أن العابد لا يعلم "إن كان بالإمكان جعل القصيدة في إطار عقلي أو عاطفي محض. هنالك بعض القصائد التي يتغلب فيها العقل على العاطفة نتيجة لأزمة تفكير وتأمل يمر بها الشاعر، وغالباً ما تحمل هذه القصائد أبعاداً ثقافية وفلسفية مدججة بالتساؤلات والتأملات، وهنالك بعض القصائد التي تترجم حالات شعورية وانفعالات عاطفية يمر بها الشاعر فنجد العاطفة حاضرة بشكل مكثف وواضح".
لكن الأدب والشعر في يقين العابد، حالة إنسانية متقدمة جداً وجميع الشعراء يرغبون في إصلاح العالم ونشر الحب والسلام، لكنها شهوة شاعر حالم لا أكثر.