كريم رضي
حين صدر ديوان "هنا بار بني عبس .. الدعوة عامة" في عام ١٩٨٠ كنت بدولة الإمارات العربية المتحدة عاملاً بشركة بترول ابوظبي الوطنية أدنوك. وكان عمري وقتها ٢٠ عاماً. وفي شبابي أخذت كثيرا بهذا الديوان الجميل وخاصة بأنه يمثل مرافعة إذا صح التعبير ضد القبيلة. وكنت أكرر دائماً جملته "أيا عبل لا بد من ليلة للخيانة .. والفجر ليس له موعد .. تعالي نكون .. تعالي نعيد السرير إلى مجده ونخون .. تعالي نخون .. تعالي نخون". وفيما بعد سأحرص على متابعة هذا الشاعر في إصداراته الأدبية وأيضاً في مجلته الأدببة "أوراق" ثم في كتاباته الصحافية.
رحم الله هذا الشاعر الفذ فقد كان متعدد الاشتغالات كثيراً في واحد. ومنذ تجربته الاولى مثل حبيب الصايغ هذا النسق الخليجي الصاعد الجديد ممثلاً بقاسم حداد والكوكبة التي رافقته بحرينياً وخليجياً من مواليد نهاية الأربعينيات فالنصف الأول من الخمسينيات وهي المجموعة التي حفرت طريقها بالأزاميل في ثقافة صلبة لتؤسس وعياً ليس شعرياً فقط ولكن حضاريا أيضا في وقت لم يكن فيه الأدب ذا وظيفة أدبية فقط، بل كان تعبيراً عن تخلق صوتاً جديداً منحازاً بقوة للمستقبل أدبياً وفكرياً وسياسياً.
وكنا نحن شباب فترة الثمانينيات من القرن الماضي نقرأ هذه التجارب الممتدة من البحرين إلى السعودية فالكويت فالإمارات فعمان وكأننا نقرأ جدارية شعرية ثورية واحدة. وأسارع إلى التنويه هنا، ليست ثورية بالمعنى المبتذل على رغم صخبها تلك الفترة، لكن بالمعني الرمزي للمصطلح أي ليست ثقافة الثورة بل ثورة الثقافة.
ويتميز هذا الجيل عموماً بميزات أخرى غير الإبداع الأدبي وهي انخراط هذا الجيل في تجارب ثقافية وإعلامية، فالشاعر الراحل انخرط في الصحافة وفي الأنشطة السياسية وفي الأنشطة الثقافية المختلفة محلياً وعربياً وهو ما نفتقده الآن في أجيالنا إلى حد كبير، حيث يتكرس الشاعر الآن فقط على نصه دون اشتباك كمثقف بواقعه اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
لقد كان حبيب الصايغ شاعراً ومثقفاً حقيقيا وصاحب مواقف يذكرها له الكثير من الأدباء العرب من خلال إدارته للاتحاد العام والأدباء والكتاب العرب سواء قبل أم بعد رئاسته للاتحاد كأمين عام، وحيث كان له الدور في معالجة الخلافات التي تحدث سواء على مستوى الاتحاد العام بين بلد وآخر أو حتى على مستوى المنظمات الأدبية نفسها محلياً بين أطرافها، حيث لعب حبيب الصائغ دور حكيم الحركة الأدبية العربية وغالباً لم يجد الاتحاد العام أفضل منه لهذه المهمات. لقد فقدت الساحة الأدبية في الإمارات وفي العالم العربي أديباً ومثقفاً لامعاً.