سماهر سيف اليزل
تتسم بعض بيئات العمل بكونها بيئة حاضنة للتنمر الوظيفي حيث يشعر بعض الموظفين بمستويات عالية من الضغط النفسي وانعدام الأمان اللذين يؤديان إلى ما يسمى "الاحتراق الوظيفي" الذي ينتج عنه اضطرابات نفسية، أو اضطرابات شخصية مثل الشخصية العدوانية والحدية والاضطهادية والتجنبية والو سواسية والنرجسية وغيرها.
ولا يحقق التنمر الوظيفي التوازن في بيئات العمل ولا يعتبر ضرباً من ضروب الإدارة الحقة، فهو يتسبب بالاندفاعية العالية والهياج ونوبات الغضب وحب الانتقام والميل لتعنيف السلوك المهني والعلاقات الاجتماعية والأنظمة والقوانين. ولأن التنمر هو ممارسة سلوكيات العنف والتهديد والمضايقات بحق المرؤوسين أو الزملاء لغرض السيطرة عليهم، يتجلى التنمر بسلوكيات عدوانية مختلفة ومتكررة كالنزاعات والخصومات والقطيعة والعزلة الاجتماعية والانتقاد والسب والقذف والضرب والتهديد وغيرها، وقد تحصل وجهاً لوجه أو عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية. فالتنمر الوظيفي يؤدي إلى تدهور الإنتاجية وسمعة المؤسسة.
وفي دراسة علمية حول التنمر وجد أن نسبة انتشار الظاهرة تتراوح بين 15-19%، وكان نصيب الذكور المتنمرين 70% ، و61% منهم يشغلون مناصب إدارية، بينما تشكل نسبة الموظفات بين ضحايا التنمر 60%. وتشير الأرقام إلى ناقوس خطر ينبه لمشكلة تهدد بيئات العمل وتؤدي إلى مشكلات اجتماعية ونفسية تعيق الإنتاج.
فإلى أي مدى تعد المشكلات الوظيفية سبباً لعدد من الأمراض النفسية والجسدية؟
يجيب عن السؤال استشاري الطب النفسي في مركز سلوان للطب النفسي د.عبداللطيف الحمادة بالقول "تتسم بعض بيئات العمل بأنها حاضنة للتنمر الوظيفي كالبيئات الضاغطة التي يكون فيها الخطأ غير مقبول والتي تتطلب سرعة ودقة وزيادة في الإنتاج أو تلك البيئات التي يشعر فيها الموظفون عادة بمستويات عالية من عدم الأمان والضغط النفسي اللذين يؤديان إلى الاحتراق الوظيفي فتكون تلك البيئات عاملاً مهماً لكثير من الاضطرابات النفسية، كاضطرابات الشخصية مثل الشخصية العدوانية والحدية والاضطهادية والتجنبية والوسواسية والنرجسية وغيرها إضافة إلى اضطرابات التكيف واضطرابات الكرب ما بعد الصدمة واضطرابات السيطرة على الاندفاع والهوس والاكتئاب والفصام والإدمان على المخدرات والكحول التي تعتبر من أكثر الاضطرابات النفسية والسلوكية تسبباً في التنمر الوظيفي بسبب الاندفاعية العالية والاهتياج ونوبات الغضب وعدم الشعور بالذنب وحب الانتقام والميل لتعنيف السلوك المهني والعلاقات الاجتماعية والأنظمة والقوانين".
اضطرابات ضحايا التنمر
ويضيف د.الحمادة "المشكلات الوظيفية هي السبب الرئيس للضغط النفسي والبدني لدى الموظفين ما يؤدي بدوره إلى غياب ضحايا التنمر من الموظفين عن العمل. ويتجسد التنمر الوظيفي في أشكال عدة منها تعمد تشويه وتقويض إنجازات الآخرين، وتوجيه الانتقادات غير المبررة و المستمرة للآخرين، وإهانة وتهديد وشتم وتقليل قدر الآخرين، وإشاعة النميمة والشائعات حول شخص معين، والإهمال والتجاهل المتعمد لموظف معين، والتحريض على طرد أو نقل موظف إلى قسم مختلف في المؤسسة أو خارجها".
وتظهر على ضحايا التنمر عوارض يوضحها د.الحمادة بالقول "اضطرابات النوم، واضطرابات القلق، واضطراب التكيف، اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، وكلها تؤدي إلى انخفاض الحماسة والدافعية والشعور بالتعب، ويصبح الأشخاص الذين يعملون في بيئة مليئة بالتنمر الوظيفي كالنزاعات والإهانات والمنافسة غير الشريفة أكثر عرضة لترك المؤسسة أو التغيب عن العمل لعدم اقتناعهم بسياسات تلك المؤسسة. ويؤثر التنمر الوظيفي على الإنتاج بطرق مختلفة، فهو يتسبب بخسائر مادية تقدر بـ250 مليون دولار سنوياً على مستوى العالم بسبب انخفاض الإنتاجية وانتقال الموظفين إلى مؤسسات أخرى حيث يؤدي ذلك إلى خسارة الخبرات وزيادة تكاليف التأمين الصحي والحاجة إلى التوظيف الجديد والتدريب والتعامل مع الشكاوى وغيرها، كما يكلف التنمر الوظيفي ما قيمته 14000 دولار لكل موظف نتيجة لتدهور مستوى الأداء الوظيفي، ويهدر 18 مليون يوم عمل تقريباً على مستوى العالم سنوياً".
ويقترح د.الحمادة بعض الحلول لمحاربة مشكلة التنمر باعتبارها "مشكلة قابلة للعلاج من خلال تركيز التوعية حول الاعتراف بحقيقة مفادها أن التنمر الوظيفي هو مشكلة حقيقية قائمة ويشكل تحدياً كبيراً ولا بد من معالجته بشكل جذري لأن مجرد رفض التنمر سيضخم المشكلة، إذ يجب ألا نعتبر السلوك العدواني طبيعياً أو حالة صحية أو نوعاً من المنافسة بين الموظفين حتى إن كان بمستويات بسيطة، وإذا كانت رؤية المؤسسة هي البقاء للأقوى فقد حان الوقت لتغيير تلك الرؤية بالكامل، مع ضرورة وضع معايير سليمة تكفل التواصل الفعال بين الموظفين. تتضمن أساليب الاستجابة للتنمر الوظيفي تثبيت حالات التنمر رسمياً عند وقوعها، مع ضرورة تضمن المعايير لسياسة التحمل الصفري من قبل الموظفين لأي سلوكيات عدوانية، وتزويد الموظفين والمؤسسة ببرامج التدريب حول التعامل مع التصرفات العدوانية في العمل متضمناً المفردات التالية: الحفاظ على بيئة عمل متمدنة وراقية ومهنية وجاذبة إضافة الى حل النزاعات بطرق إدارية سليمة بعيداً عن الأمور الشخصية".
ويضيف د.الحمادة "من الضروري تقييم حالة المتنمر من قبل المسؤول بشكل أولي بغض النظر عن جميع الاعتبارات حفاظاً على الإنتاجية وسمعة المؤسسة، ثم تشكيل فريق إداري علمي ونزيه لدراسة ومعالجة كل حالات التنمر التي تلم بالموظفين مع مراعاة المستوى الوظيفي غير المتوازن بين الموظفين والمسؤولين ما قد يكمم أفواه بعض الموظفين لضمان العدالة. وضرورة أن يكون الفريق الداخلي مدرباً لتقييم حالات التنمر الوظيفي والتعامل معها أو يمكن الاستفادة من خبير محايد كمستشار خارجي مع أهمية إحالة المتنمر والمتنمر عليه إلى الطبيب أو المعالج النفسي لتقييم حالة المتنمر وعلاجه وتقديم الدعم النفسي للمتنمر عليه. ولا يجوز إطلاقاً فض الخلاف داخل حدود المؤسسة أو القسم الواحد لما لهذا الأسلوب من تبعات نفسية وخيمة تلقي بظلالها على طرفي النزاع مستقبلاً، إذ لا بد من تبني بيئة العمل الإيجابية والداعمة والواعية لكي يشعر الموظفون المتنمر عليهم بالأمان عند تسجيلهم حالات التنمر التي قد تحدث مع مسؤوليهم أو زملائهم أو المرؤوسين، فهنالك العديد من العاملين يشعرون بالخجل أو الخوف بسبب التنمر في العمل ويخشون حتى من تسجيل حوادث التنمر".
ويتابع "من الضروري تذكير الموظفين ببرنامج فريق التعامل مع التنمر الداخلي وتوعيتهم بكيفية الاستفادة من تلك البرامج التي تزودهم بالاستشارة، مع ضرورة وضع ضوابط إدارية تحمي الموظفين من التنمر الإلكتروني فيما بينهم عبر التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني إذ يجب تحديد عواقبه بوضوح تام، مع ضرورة معرفة الموظفين للفرق بين التنمر والتحرش والتمييز بينهما فلكل واحد عواقب قانونية مختلفة، إذ يستهدف التحرش الضحايا ضمن جماعة مصنفة مثل جنس الشخص وعرقه ودينه وعمره وإعاقته وغيرها، فالتحرش جريمة وعندما تسجل لا بد من إخبار الشرطة للوقوف على التفاصيل واتخاذ اللازم. بينما يستهدف التنمر الأشخاص دون الأخذ بنظر الاعتبار انتماءاتهم، فللأسف لا توجد قوانين في معظم الدول لإدانة التنمر. ورغم تلك الاختلافات بين التحرش والتنمر فإن المؤسسات يجب أن تتعامل مع التنمر والتحرش بالقدر نفسه من الجدية والسرعة، فالتنمر يكلف كثيراً من الجهد والوقت والمال ويمكن أن يؤدي إلى دعاوى تسيء فعلا إلى سمعة المؤسسة ويمكن أن تتسبب بآثار سلبية طويلة الأمد على حالة الموظفين النفسية وعوائلهم والمجتمع برمته. ورغم أن التنمر الوظيفي ظاهرة قابلة للعلاج فإنها ليست دائماً قابلة للمنع، لكن يستطيع النظام الإداري في المؤسسات أن يسيطر عليها وأن يحجمها بشكل ملحوظ ويحافظ على بيئة عمل صالحة، وقد يحتاج ذلك كله إلى شيء من الوطنية والإخلاص ونزر يسير من الوقت والموارد، للظفر بعوائد إيجابية كبيرة تحفظ للمؤسسة مكانتها وسمعتها لتسهم إسهاماً فاعلاً وحقيقياً في بناء المجتمع".
المرض يبدأ بمشاعر سلبية
مدربة التطوير الشخصي والقيادي همسة سعيد ترى أن التنمر "لا يقتصر على الإساءة اللفظية أو الجسدية، بل يمكن أن يأتي من خلال طرق غير مباشرة مثل تهميش الموظف، والتقليل من عمله، وتكليفه بمهام تفوق طاقته، أو عدم إعطائه مساحته الكفاية من الحرية لتقديم الأفضل، وكل ذلك يراكم الضغوطات ويولد شعوراً بعدم الراحة والانتماء لبيئة العمل فتبدأ الأفكار السلبية بالولوج لذهن الموظف ثم تتحول إلى مشاعر، ويظهر ذلك على شكل آلام وأمراض عضوية. ومن خلال عملي في تطوير الذات والمهارات القيادية شهدت حالات عدة ممن يواجهون مشاكل في العمل تتضمن التنمر الوظيفي. وأعتقد بأن ذلك يعود لعدم الوعي الكافي بمشكلة التنمر والصحة النفسية للموظف. وأرى أن الفرد لا بد أن يبدأ بنفسه من خلال إدارة ذاته ومعرفة قدراته وتطويرها حتى يتمكن من قيادة فريق أو يترأس مجموعة موظفين، ويتوجب على المديرين عدم التغافل عن سلوك الموظف، وعليهم الإنصاف بالحنكة والحكمة ومعرفة أسباب السلوكيات الغريبة لكل موظف".
وتضيف همسة "هناك شروط إدارية يجب توفرها في كل إداري ليتمكن من خلق بيئة عمل ناجحة وحاضنة، تتمثل أولاً في فهم ومعرفة إدارة الذات، إضافة إلى حسن الإصغاء والمحاورة، وضرورة إعطاء الموظف الثقة لخلق رابط بين المدير والموظف، ويجب أن يكون هناك وسطية واتزان بين كل رئيس ومرؤوس دون وجود للشخصنة. ومن المهم أن تتسم العلاقات في حدود العمل بالأريحية. كما وهناك عوامل تنذر بوجود خطأ ما وتؤكد أن هذا الإداري ليس في مكانه الصحيح ومنها أنه لا يعترض ولا يبدي الرأي في كل ما تقدمه الإدارات العليا، وكذلك عدم الصراحة مع الموظفين، إضافة إلى التنمر المباشر. كما أن المشكلة تشمل الطرفين فقد يصدر التنمر من الموظف أيضاً".
من هو الإداري الناجح؟
ترتبط ظاهرة التنمر الوظيفي ارتباطاً عضوياً بأساليب الإدارة، فمن هو الإداري الناجح الذي يستطيع تجنب حدوث حالات التنمر؟
عضو مجلس إدارة جمعية الإداريين البحرينية د.لولوة المطلق توضح سمات الإداري الناجح بالقول "يجب أن يمتاز الإداري الناجح بالإلمام المعرفي بمجال التخصص أولاً وإجراءات العمل وقوانينه ومبادئه. ومن المهم أن يكون الإداري على معرفة دائمة بما يدور في المجتمع من مستجدات تلامس الواقع الذي يعيش فيه والعمل الذي يقوم به. ويجب أن يكون لدى الإداري كفاءة في إدارة ذاته والعمل والفريق الذي يعمل معه".
وتوضح "تعتبر القدرة على إدارة الذات من أهم الكفاءات التي يجب أن يتمتع بها الإداري حيث يستطيع من خلال إدارته لذاته أن يفهم متطلباته ويدير وقته وعمله ومشاعره بإتقان وذكاء، ما يساعده على تحقيق أهدافه والمؤسسة أو المنظمة التي يعمل فيها. والإلمام بالتقنيات الحديثة وكيفية استغلالها في إدارته وإدارة عمله وفريقه من المعارف والمهارات التي يجب أن تتوفر في كل إداري، فالإداري اليوم يصادف أجيالاً مختلفة منها الجيل الجديد الواعد الذي يتسم بصفات مختلفة عن الصفات التي يتمتع بها أبناء جيله. لذا من المهم فهم هذا الجيل الجديد ومتطلباته والسعي إلى تحقيق أهدافه من خلال دمجه مع الأجيال المختلفة للتعلم والتدريب خصوصاً على أخلاقيات العمل ومبادئه وقيمه وفهم انعكاسات ذلك على العمل والمؤسسة، ولذلك أثر كبير في معالجة التحديات وتحقيق الأهداف في بيئة مثمرة ومنتجة في ظل التحديات والاختلافات الفكرية بين الأجيال".
يواجه الإداري مسؤوليات ومهام كثيرة ويجب عليه أن يوازن بين مسؤولياته تجاه فريق العمل التابع له وبين الإدارة العليا التي تتطلب منه تطبيق السياسات والنظم والإجراءات المؤسسية بشكل عادل ومنطقي. وتقول د.المطلق "تعتبر منظومة تكافؤ الفرص من المخاطر التي يواجهها الإداري إذا لم يتبع أساسياتها وحيثياتها. حيث أن على الإداري الاختيار الصحيح ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت نفسه يصنع قراراً مناسباً يصب في مصلحة المؤسسة التي يعمل فيها والبعد عن المصلحة الشخصية وإرضاء العلاقات. كما أن الإداري يواجه متطلبات التخطيط والتنفيذ بشكل يتناسب مع الموازنات المطروحة وهذا يشكل إدارة المخاطر المالية بالاستخدام الأمثل للميزانية وإدارة العمل بشكل ينتج عنه ربحية في الموارد المالية ويدفع المؤسسات للنمو والتطور والمنافسة العادلة".
وتضيف "يدق ناقوس الخطر متى ترك الإداري يعمل لإرضاء مصلحته الشخصية ومصلحة القريبين منه ومتى ترك من غير محاسبة إدارية على الأخطاء وغض النظر عنها. كما أن تعيين الإداري غير الكفء وغير المؤهل في وظيفة حساسة يشرف فيها على فريق كفء ومؤهل يؤدي بالمؤسسة إلى الهلاك. هذا الخطأ الذي يمكن أن يحدث في بعض المؤسسات عبر وضع الشخص غير المناسب في مناصب عليا تحتاج إلى مؤهلات علمية وتقنية وخبرات عملية يتسبب في خسائر فادحة منها تسرب الموارد البشرية وانخفاض مستوى الأداء والإنتاجية".
نقطة التوازن
وعن الآليات التي تحقق السلام والألفة بين المديرين والموظفين، تقول د.المطلق "من أهم الآليات التي تحقق السلام والألفة وجود هيكلية واضحة وسياسات وأنظمة وقوانين مؤسسية مدروسة ومكتوبة وتتناسب مع طبيعة المؤسسة وأعمالها. كما أن الاحترام المتبادل بين المدير والموظف يشكل جزءاً مهماً في العلاقة التبادلية بينهما. إننا في عصر توجد فيه جهات متخصصة لمساعدة الشركات والأفراد على التعرف وفهم الشخصيات المختلفة للموارد البشرية، وعليه متى عرفت أنماط الشخصيات يسهل العمل والتعامل معها بسلاسة وأريحية كبيرة".
وتضيف "أرى أن الحل الأمثل وجود نظام حكومي يقنن العلاقة بين مختلف المستويات الوظيفية وطبيعتها. إضافة إلى وجود أنظمة وقوانين صارمة وسياسات واضحة في المؤسسات والمنظمات وتطبيقها على الجميع دون استثناء مع تحديد أساليب وطرق للثواب والعقاب. ومن المهم أن يكون كل من الإداريين والموظفين على اطلاع بها لتقليل ممارسة التنمر وجعله أمراً صعباً. كما أن وجود قواعد عمل واضحة ومفصلة تقلل من التنمر الوظيفي والإداري وتجعل من مسوبي المؤسسات يراعون تصرفاتهم وسلوكياتهم بما يعزز ما هو مقبول ممارسته ونبذ ما لا يجب اتباعه".
أريد أن أنهي حياتي!
دلال علي مختصة في دراسة الموارد البشرية تقول "تعاملت بحكم دراستي للإرشاد والتوجيه الوظيفي مع بعض حالات التنمر الوظيفي في مواقع عدة أصعبها كانت حالة موظف متقدمة جداً، حيث وصلت للتدهور النفسي ورغبته في إنهاء حياته لحاجته في الابتعاد السريع عن المؤثر الخارجي المستمر في إيذاء مشاعره وتهديد احتياجاته المعيشية الأساسية كفرد في الحياة ناهيك عن تحديات الحياة خارج العمل والتزامات العائلة التي يواجهها. وهناك حالات أخرى تعرضت للتنمر الوظيفي منها العنف اللفظي أو الإهمال والتجاهل وتهميش دور الموظف المتنمر عليه وتقليص صلاحياته رغبة في سرقة مجهوده وإنجازاته ونسبها للموظف المتنمر. إلى جانب العنف البدني وهو صورة أخرى للتنمر والتعدي على الآخر. ومنها أن يتعرض الموظف المتنمر عليه لأساليب من القهر كلها تهدف إلى إحباطه والتخلص منه."
وتنبه دلال إلى دور الإدارة العليا بالمؤسسة في الاهتمام بموظفيها وخلق بيئة صحية تساعد على الإنتاج والابتكار. وتقول "تعد السلطة العليا إحدى أهم دعائم وضع القوانين الداخلية للمؤسسة التي تبين وتوضح حقوق وواجبات الموظف ومنها العقوبات الجزائية لكل من يمارس أو يساند أو يدعم التنمر الوظيفي، هذا الفعل الشائن. ويجب أن توضع هذه اللوائح بكل حيادية وشفافية وسرية تامة مع التعامل مع فريق عمل مختص في علم النفس وسيكولوجية الموظف والإدارة على أن يكون من خارج المؤسسة وأن لا يكون لديه أية علاقة أو مصالح مع موظفي المؤسسة لضمان حيادية التعامل. ويجب على الإدارات مع تكرار حالات التنمر تشجيع الموظفين على التبليغ عن أي حالة تنمر وظيفي مع ضمان سلامة الموظف."
وتمر عملية معالجة تعرض الموظف لحالة التنمر الوظيفي بثلاث مراحل توضحها دلال علي بالقول "المرحلة الأولى تكرار تعرضه للتنمر سواء باللفظ أو بالأفعال كحجب معلومات العمل المهمة عنه أو إسناد مجهوده في العمل إلى موظف آخر أو بالإهمال والتجاهل، أما المرحلة الثانية فتقدمه بالبلاغ عما يمر به للجهة المختصة في مكان العمل متبعاً اللوائح الداخلية. أما المرحلة الثالثة فهي عودته لمزاولة عمله بعد التحقيق في طلبه واتخاذ الإجراء المناسب للطرفين باعتماد الشفافية واتباع الطرق الحديثة لمعالجة الحدث".
وتختم دلال بالقول "أريد أن أنهي حياتي" كانت هذه العبارة من أقسى ما سمعت في تجارب الإرشاد الوظيفي لحالة من حالات التنمر الوظيفي نتيجة استغلال موظف لمنصبة ووضعه الاجتماعي لقمع الآخر وسلبه حقه في العمل والإنتاج. نعم، للتنمر الوظيفي تأثير سلبي بالغ على الموظف والمؤسسة على حد سواء يتأثر به الموظف في إنتاجية عملة واستمرارية الدوام أو الذهاب للعمل. كما يؤثر على عملية الابتكار والتجديد في المؤسسة."