سماهر سيف اليزل

يعاني بعض أفراد المجتمع من أمراض قد تحد من قدراتهم الحركية والعقلية، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على حياتهم وحياة ذويهم، جسدياً ونفسياً، وهذه الفئات تحتاج لعناية خاصة جداً تتناسب ومتطلبات كل فئة، يطلق على هذه الفئات مسمى "ذوي الاحتياجات الخاصة" وهنا في البحرين يعرفون باسم "ذوي الهمم"، تختلف كل فئة باختلاف مشاكلها واحتياجاتها، وهناك عدد من العوامل تؤثر الحاجات الخاصة تتمثل أهمها في إدراك الأفراد الأسوياء على فهم معاناتهم ومعرفة كيفية التعامل معهم بالطريقة التي تتلاءم مع كل فئة من هذه الفئات، فهل المجتمع البحريني على الدراية والوعي والثقافة الكافية للتعامل..؟ وهل تؤدي الجهات المختصة بدورها على أكمل وجه؟ وما هي المشاكل التي يعاني منها ذوو هذه الفئات وأبناؤهم...؟

يقول الدكتور محمد الزبيدي مدير عام مركز إنماء للتربية الخاصة والحاصل على الدكتوراه في التربية الخاصة: "كفلت مملكة البحرين لذوي الإعاقة كل الحقوق، من خلال القوانين والتشريعيات، بما فيها توقيعها للاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، ونصت الكثير من مواد الاتفاقية على علاج كل القضايا لدمج ذوي الإعاقة وضمنت لهم حقوقهم في الحصول على الخدمات التعليمية والصحية وغيرها، بالإضافة إلى دمجهم في المجتمع والمطالبة بالمساواة والتكافؤ بينهم وبين جميع الأفراد بشكل عام "

وأضاف: "لكل فئة من هذه الفئات التي تختلف بين "المعاقين حركياً، والمعاقين بصرياً، وسمعياً، أو من يعانون من الاضطرابات النمائية الشاملة، واضطراب طيف التوحد"، برامج متخصصة لتنمية قدراتهم ومهاراتهم، ولمساعدتهم على التكيف مع من يعانون من من إعاقة ويستطيعون الإندماج في المجتمع بكافة نواحي الحياة، وتبدأ كيفيه التعامل معهم من الأسرة، حيث يجب على أسر هؤلاء الأفراد أن يتحلوا بالإيمان والقناعة والصبر، كما يجب أن تكون توجهاتهم إيجابية تجاه أبنائهم، وأن يكونوا على وعي ودراية كافية بأن هذا الطفل بحاجة لبرامج وأساليب معينة، أولها الاعتناء بالجانب الصحي للطفل من خلال القيام بكل الفحوصات اللازمة والتي من شأنها تخفيف الإعاقة للطفل، كما يتوجب على الأسر السعي لإجراء التشخيص والتقييم النمائي للطفل والتعرف على جوانب القوة والضعف ومن ثم الانطلاق بعملية التأهيل والتدريب حسب احتياجاته، وكل هذه الأمور حق يجب أن يحصل عليه كل طفل، وعدم حصوله عليها قد يكون له انعكاسات سلبية للطفل وللأسرة وللمجتمع كذلك".

ويكمل: "هناك الكثير من الأسر تحتاج للتوجيه والتوعية للقيام بدورها نحو الطفل ذي الإعاقة، وهناك الكثير أيضاً من الأسر التي تجهل من أين تبدأ وكيف تواجه هذا الأمر، لذلك فإن المجتمع البحرين بحاجة للاهتمام بهذا الجانب، وعلى المؤسسات المعنية بهذا المجال الاهتمام بعقد برامج توعوية تكثيفية، واستخدام كل الوسائل الممكنة لإيصال هذه التوعية لأكبر شريحة ممكنة في المجتمع، وإيضاح المؤسسات التي يمكن للأهل أو للمهتمين التوجه لها كالمؤسسات الأهلية والتطوعية وجمعيات المساعدة، وتقديم الإرشاد اللازم للأسر حول كيفية التعامل مع الأطفال من ذوي الإعاقة، وتوعية فئات المجتمع أيضاً بهذا الشأن كون جميع الأسر معرضة لأن يكون بها طفل من هؤلاء الأطفال".

ويقول د.محمد الزبيدي: "الأطفال ذوو الإعاقة معرضون لوقوع الإساءة والإعتداء، بغض النظر عن وجودهم في مؤسسات تعليمية أو مؤسسات تربية خاصة أو في كافة الجهات الخدماتية، وللإساءة أشكال متعددة منها التمييز والتهميش لهذه الفئة، وعدم التعامل معهم بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، لذلك يجب التركيز على بنود الاتفاقية الدولية التي تحدثت في كثير من موادها على الوسائل والتشريعات التي تنهي قضايا الإساءة والعنف التي تقع على هذه الفئة"، مؤكداً أن "الجانب التوعوي ضعيف جداً، والثقافة غير منتشرة بالشكل المطلوب لتغيير الاتجاهات السلبية في المجتمع للأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي يصعب عليهم وعلى ذويهم الاندماج وعيش الحياة الطبيعية، كما أن الكوادر العاملة في كافة القطاعات ليسوا بالكفاءات المطلوبة، ويجب تخصيص أشخاص قادرين على التعامل مهم، ومساعدتهم في كافة الخدمات التي توصلهم بالعالم الخارجي".

التوعية والعلاج

من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة "إنماء" للتربية الخاصة عبدالرحمن الغانم عن نظرته لواقع ذوي الاحتياجات الخاصة: "فيما يتعلق بمعاملة الأشخاص ذوي الإعاقة، أود أن أبين أن موضوع معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة مازال يحتاج إلى المزيد من الجهود إلي يجب إن تبذل من كافة المؤسسات المعنية بهم سواء الحكومية أو غير الحكومية، ويعود السبب في ذلك إن الاتجاهات السلبية مازالت موجودة، خصوصاً أن الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي صادقت عليها مملكة البحرين قد نصت في العديد من بنودها على منع الإساءة والاستغلال والعنف الذي قد يقع على الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث إن المطلوب توعية المجتمع بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة ورفع مستوى الإيمان بحقوقهم وتقبلهم كأشخاص لهم الحق بالمساواة وتكافؤ الفرص في كافة مناحي الحياة في المجتمع ككل".

وقال إنه "تتلخص المحاور المطلوبة للحد من هذه الظواهر في محورين: الأول: أنه يجب العمل على دراسة واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع البحريني بشكل شمولي، والاطلاع على مدى وعي المجتمع بقضايا هؤلاء الأشخاص، ومن ثم تحديد الجوانب التي تتطلب اتخاذ إجراءات تهدف إلى تغيير النظرة الشذوذية نحو الأشخاص ذوي الإعاقة، كتنفيذ الورش والمحاضرات التوعوية والتثقيفية، والتي تتضمن رفع مستوى الوعي بحقوق هذه الفئة من المجتمع، وهذا الأمر يتطلب تعاوناً مشتركاً بين الوزارات المعنية كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ومؤسسات التربية الخاصة والجمعيات الخيرية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والطفل".

وعن المحور الثاني، قال إنه لا بد من تفعيل القوانين والتشريعات التي تهدف إلي حماية الأشخاص ذوي الإعاقة وتطبيقها بشكل جدي ودون تهاون كما يجب الاستناد في صياغة أو مراجعة تلك التشريعات على بنود ومواد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا بد من توعية أسر الأشخاص ذوي الإعاقة بكافة الوسائل والطرق التي تحقق ذلك، ولا بد أن تشتمل التوعية على تعريفهم بحقوق أبنائهم والتي كفلها لهم القانون والأنظمة النافذة، وكذلك تعريفهم بالإجراءات التي يجب إتباعها غي حال الإساءة لأبنائهم أو الاعتداء عليهم و فيما يتعلق بالدور الرقابي والقانوني في حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من كافة أشكال الإساءة والاستغلال والعنف، فلا بد من وضع آليات واضحة ومحددة بحيث تكون موحدة في كافة المؤسسات الخدماتية سواء الحكومية آو غير الحكومية بحيث تتضمن تلك الآليات على إجراءات ووسائل رقابية محددة يتم من خلالها مراقبة كافة أشكال التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وذلك لضمان معرفة أشكال وأنواع الإساءة التي قد تحدث للأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديد الأشخاص الذين قاموا بارتكاب مثل هذه الإساءات وإحالتهم للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفيما يختص بالدور القانوني فلابد من مراجعة التشريعات والأنظمة المتعلقة بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة و إجراء التعديلات اللازمة إن دعت الحاجة لذالك ، والتأكيد على ضرورة تطبيقها دون تهاون للحد من انتشار ظاهرة الاعتداء آو الإساءة آو التمييز الذي قد يقع عليهم.

أولياء أمور

وتقول تهاني توفيق أم شاب من ذوي الإعاقة 21 سنة: "كأولياء أمور نحن نمر بمواقف عديدة من الإساءة والتهميش والاستنكار، وذلك بسبب أن الوعي لم يصل للدرة التي تسمح لهذه الفئة من المجتمع بالحصول على التعامل بالطريقة التي تستحقها، حيث إن أغلب الناس تتعامل مع هذه الفئة بدرجة أقل، نحن كأولياء أمور عانينا لسنين طويلة ونرى بعض التحسن لكنه مازال لا يرقى بالطموح والواقع المفروض، وقد يتعرض أبناؤنا للإساءة والعنف ونحن معهم، وحين محاولتنا للتوضيح والشرح بأن هذا الشخص ذو إعاقة يشفع هذا لهم ولا يتقبل الطرف الآخر هذا العذر لتقبل السلوك، ونحن نتمنى تسليط الإعلام بشكل أكبر للخصائص النفسية، ولحقوق هذه الفئة".

وتضيف: "تقع المسؤولية على أولياء الأمور الذين يبذلون من الجهد والقدرة ما يضنيهم، فيقومون بإطلاق العنان لهذه الفئة وعدم تأديبهم بالشكل الكافي، وهناك مسؤولية تقع على أجهزة الإعلام المختلفة، ويجب توضيح الخصائص النفسية للناس، بتمييز طبيعة الشخص الذي أمامه وكيفية التعامل معه، وتوضيح طبيعة الانفعالات والسلوك، ومدى مهاراته الاجتماعية وعدم المعاملة بعنف أو ازدراء أو شفقة، فالشفقة تجرح أولياء الأمور كما الازدراء، ولا نتقبل هذه النظرة المجتمعية، ونحن نطالب بالحق الطبيعي فدستور البحرين يضمن لهؤلاء الأشخاص حقوقهم، ويجب زيادة الرقابة على العاملين واختيارهم بعناية تتناسب وطبيعة الفئات التي سيقومون برعايتها وخدمتها لتجنب المشاكل التي تؤذي الأطفال وذويهم، مؤكدة على وجوب التقدم بالشكاوى وعدم التكتم على أي حالة عنف أو إساءة".

ويقول سعد مسعود البخاري ولي أمر الطفلة مها التي تعاني من إعاقة ذهنية: "نحن نناشد المسؤولين بأن يلطفوا بحالة أولياء الأمور الذين لديهم أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء جهات العمل وغيرها، فإذا كان المسؤول لا يراعي ظروف هذا الوالد فهنا تكون الكارثة، فأنا عانيت الأمرين من نظرة المجتمع ورفضة وعدم تقبله لابنتي، ونحن نرى الفرق بين المعاملة في الدول الأخرى لهذه الفئة التي لها خصائص وامتيازات عديدة لا تتوفر في البحرين، كما أن المجتمع يفتقر للوعي الكافي، وهناك عدد من الأوامر الملكية صدرت لكن لم يتم تفعيل هذه الأمور من قبل الجهات المعنية، وأبسط مثال في بطاقة التخفيض التي لم تفعل حتى اليوم، والمواقف المخصصة لذوي الإعاقة في المجمعات ومختلف الأماكن والتي لا يتم معاقبة منتهكي هذه المخالفة. نحن نطالب بالاهتمام بحقوق هذه الفئة ومعاقبة كل المعتدين عليهم، وهناك تقصير كبير من الجهات المعنية، والمجتمع البحريني بحاجة لتنوير بحقوق هذه الفئة وكيفية التعامل معهم، كما نطالب بإنشاء مركز حكومي يؤوي هذه الفئات، لأن تكاليف المراكز الخاصة تهلك عدداً كبيراً من الأسر، ونطالب وزارة التربية والتعليم على تكثيف الرقابة على مراكز التربية الخاصة لمنع عمليات العنف والإساءة"، مطالباً "بتخصيص دعم مالي لذوي الاحتياجات الخاصة للتخفيف من الأعباء المالية على أسرهم".

من جانبة يقول د.عبدالرحمن السيد نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية البحرينية لأولياء أمور المعاقين وأصدقائهم: "نحن كجمعية معنية بالإعاقة بشكل عام نعلم أن هناك بعض الأشخاص يسيئون تقدير الحالات ويتعاملون معها بعنف، ونحن نرفض هذا العنف بكل أشكاله، وهذا الأمر يدل على جهل العديد من الأشخاص لكيفية التعامل مع هذه الفئات، ونطاب بمحاسبة أي شخص يتعمد الإساءة لذوي الإعاقة واتخاذ الإجراءات الرادعة، ونحن مطالبون بترك بصمات جميلة في حياة هذه الفئات، ومراعاة كل الظروف التي يمرون بها واحتياجاتهم الخاصة والتعامل معاهم بالشكل الصحيح"، مطالباً "بتكثيف التوعية بمختلف أشكالها للارتقاء بالمجتمع البحريني".