مُلْقَىً..
يُفتِّشُ في حقيبةِ ظِلِّهِ
عَنْ حَيِّزٍ مِلْءَ السَّماءِ لِجَهْلِهِ!
مُتَأبِّطًا نَهْرَيْنِ مِنْ نَزْفِ التَّسَاؤلِ
كَيْ يُضَمِّدَ ما يُجولُ بِعَقْلِهِ
يضعُ السُّؤالَ على السُّؤالِ
لعلَّهُ يَرْقى لينْزعَ بعضهُ عنْ كُلِّهِ
طفْلٌ يفتِّحُ للتَّفكُّرِ رأسَهُ
مذْ فضَّ بالمعنى بكارةَ قُفْلِهِ
كاللّازورْدِ يَشفُّ..
يَكْشِفُ ذَاتَهُ..
من غيْرِ أن يَنْسى قلادةَ رمْلِهِ!
شعر ينثر اللؤلؤ.. من نفس مرهفة تحولت من كتابة القصص القصيرة إلى نظم الشعر.
حسن عابد عبد الله شاعر شاب ينظم الشعر مستمتعاً بمخرجات كل المدارس يحلق في فضاء فسيح بعيداً عن نزعة الانتماء الوهمي. يكتب الشعر حلماً وهروباً من العالم، كما يقول. شعره متفرد خارج دائرة التعصب لمدرسة شعرية ما. يميل لإعدام القصائد القديمة عند وقوعها بين يديه، يرفض الانتقادات "السلبية" ويثمن "البناءة" فهي وقود رحلته.
يبلغ الشاعر حسن عابد من العمر ٢٥ عاماً، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في تقنية المعلومات من جامعة البحرين، ويعمل حالياً في أحد البنوك.
يقول عابد في حوار لـ"الوطن" إن الشعر موهبة يهبها الله من يشاء ليخفف عنه حمل الحياة الثقيل، فالشعر العمودي - حسب رأيه - لون من فنون الشعر يدل على جماليات اللغة العربية، وهذا الشعر العمودي الأصيل يتوق إليه عدد من الشعراء والهواة ويحرص على متابعته كثير من القراء والمتذوقين.
دهشة الطفل
يقول الشاعر حسن عابد إن الطفل يولد وهو يحمل في رأسه الصغير خيالاً لا يضاهى ويمارس دهشته الأولى تجاه الموجودات بعفوية، يلاحق تساؤلاته ويعبر عن مشاعره بصدق تام فيكون أقرب إلى حمل لقب "شاعر" من أي شاعر آخر.
وعن تباشير تجربته يقول "كنت في صغري أحب التلاعب بالمفردات وابتكار العبارات اللافتة ونسج الأحداث الخيالية وكانت والدتي المولعة باللغة والأدب تشجعني باستمرار حتى حصلت على اهتمام وعناية معلمي اللغة العربية. لم أطرق بوابة الشعر لدخول عالم الأدب بل كانت القصص القصيرة بوابتي الأولى ولكن مشهد الكلمات الراقصة بدا لي ألذ وأشهى".
ويضيف "بدأت التودد للقصيدة في سن مبكرة جداً لكن ملامح العلاقة الجدية اتضحت في مرحلة الدراسة الثانوية. أنا لا أجيد التعلق بالبدايات وأميل إلى إعدام القصائد القديمة عند وقوعها بين يدي وبالأخص تلك القصائد التي ولدت قبل أوانها".
وعما إذا كان الشعر موهبة وممارسة أم وراثة، يقول الشاعر "فتشت كثيراً عن مغامر آخر في عائلتي ولم أجد. الشعر موهبة يهبها الله من يشاء ليخفف عنه حمل الحياة الثقيل وهذه الموهبة كأي موهبة أخرى تحتاج لصقل وممارسة. قد يرى البعض أن دراسة علم العروض كفيلة بصنع الشاعر فيقعون دون التفات لشبهة شاعر الموهبة وشاعر التعلم والصنعة".
هروب إلى الحلم
وعن نضوج تجربته، يقول عابد "أنا شاعر كحال جميع الشعراء أملك هاجس توثيق تجربتي الشعرية بإصدار ديوان شعري وأنتظر اللحظة المناسبة لهذه الخطوة، أما في الوقت الحالي فأنا على مشارف الانتهاء من كتابة باكورة أعمالي بعيداً عن الشعر. ورد في معجم صامويل جونسون ثلاثة تعريفات للشاعر في ترتيب تنازلي حسب الأهمية: "شخص يبتكر"،"كاتب خيال"، وأخيراً "كاتب قصائد"، وأنا أميل لما ورد في معجمه. مضيفاً أن "المسابقات الشعرية هي مصيدة الشاعر وقليل من ينجو. لم أشارك في مسابقات شعرية معروفة سابقاً، لكني أصبحت أحمل رغبة المشاركة في الفترة الأخيرة".
وعن المدرسة الشعرية التي يتبعها، يقول "أنا مع تعدد المدارس الشعرية، في العصر الحديث أجد نفسي مستمتعاً بمخرجات ورواد كل مدرسة. لا أملك نزعة الانتماء الوهمي ولا أسعى للتعصب لحركة شعرية معينة، أما بالنسبة للنوع فقامة القصيدة العمودية الممشوقة تعرف الدرب الأسرع لإغوائي، بحيث تتكون القصيدة العمودية من مجموعة أبيات، كل بيت شعري يتكون من شطرين، يسمى الشطر الأول بالصدر والثاني بالعجز، للقصيدة قافية موحدة من أولها لآخرها، ولا بد أن تلتزم القصيدة بأحد بحور الخليل الفراهيدي الشعرية".
وعن الفرق بين الشعر العمودي والشعر الحر، يوضح عابد "في الشعر الحر تتحرر القصيدة من قيود ورتابة القصيدة العمودية، فهي لا تلتزم بقافية واحدة وترفض الانصياع لبحور الخليل وبنية البيت الواحد وتتكئ على تكرار تفعيلة واحدة في أسطر شعرية"، مؤكداً أن دوافعه في كتابة الشعر "ربما تكون هي الرغبة في الهروب من العالم الذي نعيش للعالم الذي نحلم، تحت غيم الاستعارات والتشبيهات وفوق عشب المجاز".
القصيدة ظلي
وعن كيفية تولد القصيدة لديه، يقول الشاعر "القصيدة ظلي مهما حاولت أن أنسلخ منه، تباغتني الرغبة في كتابة الشعر دون سابق إنذار ولا أستطيع الرفض، هي أقوى من أن تطرق الباب وأنا أضعف من صدها! الأفكار ملقاة على قارعة الطريق، المهم كيف نتناولها، بمعنى أن طريقة تناول الفكرة أو الموضوع هي التي تشكل الفارق بين الشعراء، وهذا ما يميزني".
ويرى أن الغموض في القصيدة "لا يؤدي دائماً إلى ابتعاد القراء عنها، يمكن للغموض الذكي أن يجبر القارئ على اقتحام ما وراء النص والتعمق في معانيه، كما يمكن للغموض الساذج أو الغموض من أجل الغموض أن يطرد القارئ من ساحة النص".
وبخصوص الانتقادات، يعتبر الشاعر أن "الاستمرار في عملية التطور والصعود هو الرد الأمثل على الانتقادات السلبية، وانشغال الآخرين بك يدل على أنك تسلك الدرب الصحيح، أما الانتقادات البناءة فهي وقود هذه الرحلة".
معايير باطلة
ويؤكد عابد أن "لكل شاعر طقوسه الخاصة يمارسها أثناء كتابته القصيدة. الطقوس التي أمارسها هي محاولة الوصول لمرحلة ما بين الهدوء الخارجي التام والضجيج الداخلي العارم. لا أؤمن بأن الرغبة في ممارسة الشعر وكتابته خاضعة لحدود الزمان، لكن الشاعر قد يتعلق بالليل لهدوء الليل وسكونه لا لفترته الزمنية. كما أؤمن بأن الأدب والشعر حالة إنسانية متقدمة وهذا ما يجب أن ينعكس على الرسالة التي يحملها الشاعر والأديب. كل قصيدة أكتبها هي جزء مني وتجسد أفكاري ومشاعري في لحظة كتابتها، ولم أندم على كتابة قصيدة واحدة قط وأعتقد بأنني كنت سأندم لو تخلفت عن كتابة أي منها".
ويضيف "الشاعر بشكل عام إذا أضاف إلى شاعريته وأدبه روح الفلسفة وحكمتها يكون أقرب إلى تصوير خلجات النفس البشرية والتعبير عن أحاسيسها بدقة، ولطالما كانت الفلسفة حاضرة في الشعر، وقد أطلق على شعراء المأساة اليونانية لقب "الفلاسفة الأوائل"، كما يمكننا بالتأمل في الشعر الجاهلي أن نلاحظ وجود ملامح واضحة للفلسفة الوجودية. من هنا أقول إنه لا حصر للشعراء والروائيين الذين أقرأ لهم ،و أحاول جاهداً قراءة المحتوى دون الالتفات للاسم وأفرح كثيراً بالعثور على تلك القصائد والروايات المنسية التي لم يصل ضوء الشهرة لكاتبها رغم جمالها ودهشتها".
وعن رأيه بقصيدة النثر، يقول "ثمة إقبال كبير من الشعراء على كتابة هذا النوع من الشعر لكنني سأتجاوز الجدل حول قصيدة النثر، وأستطيع تسميتها بالقصيدة مرة والمكيدة آلاف المرات؛ فأنا أرى أن صعوبتها البالغة تكمن في سهولة كتابتها، لا يوجد فن أدبي قديم أو مستحدث لم يضف شيئاً إلى الأدب، أما بالنسبة إلى سر نجاح الشاعر اليوم، فهو أمر مرتبط الشهرة الإعلامية أو بعدد الجوائز الشعرية، وهذه المعايير باطلة".
وهم الإصلاح
وعما إذا كان الشعر اليوم يحاكي الواقع ويتطرق إلى حلول له، يرى الشاعر حسن عابد أن "القصيدة ستظل تحمل ملامح بيئتها دائماً، لكنها لن تستطيع إزاحة الهموم وحل المشاكل وتغيير الواقع أبدًا! قد يحمل الشاعر هم إصلاح العالم ونشر مفاهيم الحب والسلام لكن بروح حالمة لا أكثر، والمشاعر السلبية تجاه الظروف المحيطة تحرض الشاعر على اقتراف مزيد من القصائد، والتعب هو ما يجبر الشاعر على وضع رأسه فوق كتف المجاز، وقصائد شعراء الغربة خير مثال"، مضيفاً "إذا استطاع الإنسان التخلي عن الموسيقى حينها سيستطيع التخلي عن الشعر، لن يجد الإنسان لغة أبلغ من الشعر على مر الزمان.
ويرى أن "شبكات التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت منصة مهمة للشاعر والجمهور، وكمتخصص في مجال تقنية المعلومات أعتقد بأن القراءة الرقمية ستكون المهيمنة مستقبلاً، خصوصاً مع توجه بعض الكتاب لإصدار نسخ رقمية فقط. وبشكل عام يحتاج الشباب المبدع إلى مزيد من الدعم والاهتمام".
وعن مشاريعه المستقبلية، يقول الشاعر حسن عابد "أنا على مشارف الانتهاء من كتابة باكورة أعمالي وهي مجموعة نصوص نثرية، كما أملك مشروعين آخرين، الأول مجموعة قصص قصيرة جداً، والثاني توثيق لتجربتي الشعرية".