قصة قصيرة - أمينة الكوهجي
جلست مريم ذات التسعة أعوام في "حوش" بيتهم القديم، تلهو بدميتها بينما أمها تدهن شعرها بدهن النارجيل.
تململت مريم في جلستها وقالت متذمرة:
- أمي .. لا أطيق رائحة هذا الدهن.
- تحمليه لنصف ساعة فقط، إنه ضروري لإطالة شعرك.
انصرفت أمها بعد ذلك لإعداد وجبة الغداء، بينما اتجهت هي لحوش الغنم:
- تعال .. خذ هذا العشب.
كانت تحاول جاهدة جذب صغير الماعز نحوها لكنة أبى مفارقة أمه. وبعد عدة محاولات فاشلة رمت العشب وعادت لتلهو بعروستها.
فجأة هبت ريح قوية، فنظرت مريم إلى السماء. كانت الغيوم السوداء تتجمع منذرة بهبوب عاصفة قوية. انتفضت مريم فجأة عندما دوى الرعد مصدرا صوتا مخيفا، وارتفع صوت أمها من المطبخ:
- أسرعي واجمعي الغسيل قبل أن يبتل من المطر.
صعدت مريم الدرج وهي لاتزال تحدث دميتها. وفجأة وقفت في منتصف الدرج. لقد لمحت خيالا مر سريعا على السطح متجها نحو السقيفة.
كانت السقيفة عبارة عن غرفة من الصفيح بناها والدها وجعلها مخزنا لجمع كل ما تستغني عنه العائلة، ولم تفلح كل محاولات والدتها ليتخلي عن فكرته:
- يا رجل .. كل ما تجمعه في السقيفة لا نحتاجه وسوف تتجمع القوارض والحشرات فيها.
- ما لا نحتاجه اليوم سينفعنا غدا. لا داعي لمناقشة الموضوع أكثر من ذلك.
انصرفت والدتها وهي تهز رأسها في استسلام، لقد كان زوجها عنيدا لا يغير رأيه بسهولة.
تقدمت مريم بخطوات مرتعشة وفكرت للحظات أن تعود أدراجها ثانية، لكنها سمعت همهمات غريبة. تقدمت خطوات أخرى وأصبح الصوت أشد وضوحا. كان لطفلة تنشد أغنية جميلة عن المطر.
فتحت مريم باب السقيفة ببطء ونادت بصوت مرتعش:
- هل يوجد أحد؟
لكنها لم تجد سوى صوت الريح تصفر بقوة وتهز جوانب السقيفة مصدرة أزيزا مرعبا.
جالت مريم ببصرها في جميع الأرجاء لكن المكان كان فارغا لا أحد فيه. تراجعت خطوات للوراء، محدثة نفسها لربما تخيلت ما حدث. وعادت لتجمع الغسيل وتكومه في سلة فارغة وجدتها قرب السور. حملت السلة وهي تتجه نحو الأسفل وفجاة صفق أحدهم باب السقيفة بقوة فندت عنها صرخة عنيفة.
هتفت أمها أسفل الدرج:
- ما بك مريم؟
- يوجد شخص في السقيفة.
- لا أحد سوانا في البيت يا ابنتي.
- لا يا أمي .. لقد شاهدت فتاة في مثل عمري وسمعت غناءها.
صعدت الأم الدرج وراحت تهمهم:
- فتاة. أي فتاة؟ عم تتحدثين يا ابنتي؟
فتشت الأم أرجاء السقيفة بدقة، فلم تجد أثرا لوجود أي أحد. ثم خاطبت ابنتها في حنق:
- لا أحد في السقيفة. لابد أنك تتخيلين ذلك. تعالي لأغسل شعرك.
حاولت مريم جاهدة الشرح لأمها، لكنها جرتها:
- لا وقت لدي لمثل هذا الكلام، لدي الكثير لأنجزه قبل عودة والدك للمنزل.
تكرر بعد ذلك ظهور الفتاة الغريبة لمريم كلما جلست في الحوش أو صعدت إلى السطح لجمع الملابس. لكنها لم تتجرأ على إخبار أحد بذلك، بعد اتهامها بالجنون. لقد ظلت تتبادل مع الفتاة النظرات لثواني قبل أن تختفي عن الأنظار.
عندما انتقلت أسرة مريم للبيت الجديد، شاهدت مريم الفتاة الغريبة تراقبهم وهم ينقلون متاعهم في سيارات كبيرة. وعندما تحركت السيارة للخلف، شاهدتها تلوح لها بيدها وقد رسمت على شفتيها ابتسامة.