سلسبيل وليد

يعرف الجميع أنه لم يقترف ذنباً ويصرحون بذلك في كل مناسبة، ومع ذلك ينبذه كثيرون.
مجهول الأبوين، يفتح عينيه على قضية كبيرة هي قضية حياته، يكبر وتكبر معه قضيته، يواجه المجتمع عارياً من كل شيء، إلا من أشخاص طيبين قد يضعهم القدر في طريقه.

مجهولو نسب يروون لـ"الوطن" مكابدتهم لهذه الحياة، وكيف تجاوزوا فيها نبذاً اجتماعياً لم يكن سهلاً.

قانونياً، يقول
مصدر حقوقي لـ"الوطن" إن البحرين من الدول التي تمنح جنسيتها للطفل مجهول الأبوين، وذلك يحسب لها عند الامم المتحدة. وتنص المادة الخامسة من قانون الجنسية لسنة ١٩٦٣ على "يعتبر الشخص بحرينياً إذا ولد في البحرين لأبوين مجهولين. ويعتبر اللقيط مولوداً فيها ما لم يثبت العكس".

أما اجتماعياً، فالرأي متنازع، والنظرة متفاوتة. استطلاع أعدته "الوطن" وسألت فيه 270 من الذكور والإناث. ٦٦.٣٪ من العينة رأوا أن مجهول الأبوين منبوذ في المجتمع، في حين رأى ٣٣.٣٪ عكس ذلك. ٤٢.٦٪ من العينة رفضوا تبني طفل مجهول الأبوين. و٤١.٩٪ من العينة رفضوا تماماً الزواج من شخص مجهول الأبوين. ٣٠.٧٪ قالوا إنهم لا يقبلون تزويج أبنائهم لمجهول الأبوين حتى لو نشأ وتربى في عائلة اعتيادية. فيما رفض ١٠٪ من العينة حتى صداقة مجهول الأبوين.

رسمياً، أولت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية اهتماماً كبيراً بفئة مجهولي الأبوين، حيث سمحت بالتبني وفق شروط تنص على أن يكون الزوجين صالحين أو امرأة غير متزوجة أو مطلقة أو أرملة أوغاب عنها زوجها غيبة متقطعة، إضافة إلى الصحة النفسية والبدنية والعقلية، والنضوج الأخلاقي والاجتماعي، وحسن السيرة والسلوك.

ووضعت الوزارة حقوقاً لهذه الفئة تضمنت تسجيل الطفل عند الولادة بأوراق رسمية في المستشفى، ومنح الطفل اسماً رباعياً كغيره من أفراد المجتمع، واستخراج شهادة ميلاد للطفل، وجواز سفر وبطاقة هوية وفق للأنظمة والقوانين في المملكة. وتؤكد الوزارة أنها تشرف على المحتضنين وتتابعهم للتأكد من توفير البيئة الصالحة وحسن رعاية الطفل.

ما تبقى من كرامتي

"ما أصعب أن تعيش كامل حياتك تحمل ذنب غيرك، وأن ينظر لك المجتمع على أنك إنسان مذنب لذنب ارتكبه آخرون فأنهى حياتك بمجرد ولادتك ثم لاذ بالفرار ليعيش حياته وتصبح أنت من الماضي، لكنك بشكل أو بآخر تحاسب على أخطائه فتصبح مجبراً لا مخيراً على تقبل النظرات وأصابع الاتهام في مجتمع يحملك أخطاء غيرك لمجرد أنك مجهول الأبوين".. الشابة "س.م" تسرد قصتها لـ"الوطن" بدموع سبقت كلماتها.

تقول "نشأت لدى أم وأب كبيرين في السن فأصبحت أوليهم الرعاية التامة وأحببتهم كما لو أنهما والداي الحقيقيان، وشاءت الأقدار أن أقع بحب شخص لكن بمجرد أن عرف قصتي فر هارباً. لم يتركني الله وحيدة فقد تعرفت على شخص آخر وتقدم لخطبتي ووعدني بتعويضي عن الأيام التي عشتها. ورغم معارضة أهله للزواج أصر على ذلك ووضع عائلته تحت الأمر الواقع، وواجهنا صعوبة في وجود شيخ يقبل أن يعقد القران فكثير منهم يخافون أن نكون أخوة، وبعد معاناة طويلة عقدنا القران وعشت معه أجمل أيام حياتي إلى أن رزقني الله بطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة فتغير وأصبح شخصاً غير مسؤول لا يوليني أنا أو الطفلة أي اهتمام، كما ضربني عدة مرات وأصبح يذكرني بالماضي وينعتني بكلمات وألفاظ بذيئة. في النهاية طلبت الطلاق منه وعدت وابنتي إلى منزل عائلتي التي احتضنتي أول مرة لأكمل فيه ما تبقى من كرامتي وعمري".



ابنتي وليست من لحمي ودمي

"منذ كانت بأحضاني وسمعت بكاءها ولمست أطرافها الصغيرة دخلت قلبي بسرعة كسرعة دخولي بيت بتلكو".. بهذه الكلمات بدأت والدة فرح تحكي قصة تبنيها "فرح". تقول "لم يرزقني الله بطفلة من لحمي ودمي لكن رزقني بأفضل من ذلك ابنتي فرح التي خلقت لتصنع فرحي أنا ووالدها رحمه الله، وقفنا أنا وزوجي بوجه كل من عارضنا، وشاءت الأقدار أن يتوفى زوجي وهي في عمر الـ٦ سنوات، فتكفلت بها دون مساعدة أحد. تحديت العالم لأجلها ووقفت بوجه الجميع، واهتممت بها بنفسي دون مساعدة أحد، لم تعرف فرح إلا مؤخراً بأنها مجهولة الأبوين وأشعر أننا أصبحنا الآن صديقتين لا أماً وابنتها".

وتضيف "فرح كما أسمتها الجهة التي احتضنتها أول مرة جاءت كاسمها لتفرح قلبي. كنت وما زلت بحاجتها أكثر من كونها بحاجتي. كانت وستبقى لي سنداً. لم أشأ أن أصارحها بحقيقة الأمر لكن كان لا بد أن تعرف عاجلاً أم آجلاً. إخبارها كان صعباً علي جداً لذا أخذتها إلى الاختصاصية النفسية لتخبرها هي. لم يكن الأمر سهلاً على فرح، لكنها بقيت صامتة إلى اليوم منذ سنتين لم تسألني عن الموضوع أو تصارحني به أو تفضفض لي بشيء".

وعن قرار التبني، تقول أم فرح "بعد معاناة طويلة لإنجاب طفل قررت وزوجي تبني طفلة تشاركنا حياتنا وتعوضنا النقص فسارعت إلى التنمية الاجتماعية لتقديم الأوراق وتبني طفلة، وبعد نحو شهرين جاءني الرد بوجود طفلة للتبني فذهبت لرؤيتها ومنذ ذلك الوقت وقلبي معلق بها. واجهت متاعب كثيرة من الأهل خصوصاً بعد وفاة زوجي لكني تمسكت بفرح وأصررت على تربيتها وأدخلتها مدرسة خاصة واهتممت بهواياتها كالسباحة وركوب الخيل والرسم".

تدعو أم فرح غيرها إلى التبني "فهو يجعلك تشعر بأنك حققت شيئاً لطفل وكونت له عائلة، خصوصاً أن له أجراً كبيراً"، موضحة أن المجتمع يظلم الأطفال الذي لا ذنب لهم.


القانون يكفل حقوقهم

تعلق النائب فاطمة القطري على قضية مجهولي الأبوين بالقول "أولت البحرين عناية خاصة بمجهول الأبوين، حيث سنت لهم التشريعات الراعية لحقوق هذه الفئة من المجتمع بما يضمن لهم الحياة الكريمة التي تحفظ حقهم الإنساني والديني والدستوري".

وتلفت إلى أن القانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٠ بشأن الحضانة الأسرية ولائحته التنفيذية جاء ليؤسس إطاراً قانونياً حديثاً يضمن لهذه الفئة الحصول على الرعاية الملائمة في بيئة أسرية صحية دون أي تمييز بينهم وبين بقية أفراد المجتمع"، موضحة أن "القانون من أجل ضمان حصول هذه الفئة على كافة حقوقها وعدم تعرضها لأي نوع من أنواع الاستغلال حظر على الأفراد والمؤسسات والهيئات الأهلية القيام بأي عمل يتعلق بالحضانة الأسرية وحضانة طفل مجهول الأبوين دون اتباع القواعد والإجراءات المنصوص عليها في القانون".

وتضيف أن البحرين بذلت وما زالت جهوداً كبيرة في سبيل رعاية حقوق الطفولة والأمومة ومنها افتتاحها دار رعاية الطفولة منذ العام ١٩٨٤ وإعادة افتتاحه العام ٢٠١٠ تحت مسمى "بيت بتلكو لرعاية الطفولة"، وهي مؤسسة تعنى برعاية الأطفال مجهولي الأبوين والأيتام وضحايا العنف الأسري حتى سن الـ١٥.

وتدعو القطري إلى تكثيف الجهود نحو تطوير التشريعات والإجراءات الراعية لحقوق الطفولة ومنها على سبيل المثال بما يتعلق بفئة مجهولي الأبوين من خلال زيادة فترة الاحتفاظ بالأطفال في بيت بتلكو حتى سن الـ١٨ بما يتلاءم مع التشريعات الوطنية التي حددت سن الطفولة بهذا السن، مؤكدة أهمية دور المؤسسات الرسمية في توعية المجتمع من خلال المناهج الدراسية ووسائل الإعلام المختلفة حول نتائج الممارسات الخارجة عن إطار العلاقات الشرعية وفي المقابل إشاعة ثقافة التبني والاحتضان لدى المجتمع البحريني بما يسهم في دعم جهود الدولة لرعاية هذه الفئة وغيرها من الايتام وأطفال الأسر المتصدعة.



واجب ديني

عند طرح مسألة التبني، عادة ما يثير المجتمع المسألة الفقهية في ذلك، فماذا يقول علماء الدين؟

الشيخ د.فريد التوني يرى أن "الإسلام حرم التبني بالاسم كتسمية المتبنى باسم العائلة لكنه حلل ما دون ذلك بكفله وتربيته في المنزل وغيره، وذلك لما فيه أجر عظيم للكافل حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى".

ويشير د.فريد إلى أن "مجهول الأبوين لا يتحمل ذنب خطأ أهله حيث قال تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، لافتاً إلى أن الدين حثنا على كفالة ورعاية هؤلاء فهم لا ذنب لهم، ويجب احتواؤهم ورعايتهم حتى يخرج منهم الصالحون، فالنظر لهم بطريقة مختلفة قد يحملهم شعوراً سيئاً مما ينتج عنه جيل فاسد قد يفسد المجتمع".

ينقصنا الوعي

كيف ينظر المجتمع إلى فئة مجهولي الأبوين؟ هذه عينة آراء:

المذيع صالح يوسف يقول "للأسف مجهول الأبوين منبوذ في مجتمعنا ولم يستطع المجتمع تقبله مع أنه غير مذنب".

ويضيف "رغم احتضان البحرين لهذه الفئة ومنحهم الرعاية التامة فإن المجتمع ينقصه الوعي بتقبلهم، خصوصاً إذا عرف حقيقتهم فينظر لهم بشكل مختلف. قد يكون مجهول الأبوين أعف الناس وأنظفهم ومن الممكن أن يخدم الوطن، فوجب أن نغير نظرة المجتمع عن طريق الوعي من خلال المفكرين وقادة الرأي ووسائل الإعلام والسوشيال ميديا والمسلسلات التي تصنع الوعي وتغير السلوك إلى حد ما".

فيما تقول مرام ياسين "فكرة تبني أطفال مجهولي الأبوين تستحق النظر فيها، خصوصاً أننا في مجتمع غير واع بما يكفي ليتقبل وجودهم بيننا فهم يتحملون ذنب والديهم. علينا أن ندرك تماما أن وجودهم أمر محتوم وأنهم غير مذنبين وأن نكف عن النظر إليهم نظرة دونية أو شفقة أو حزن فهم بشر مثلنا".

ويرى أحمد بوجيري أن "مجهول الأبوين قد لا يكون نتيجة رذيلة أو خطأ فقد يكون نتيجة تخلخل بالنسيج العائلي أو عدم تحمل المسؤولية والهروب منها".

مجتمع البحرين مثقف وواعي

قالت اختصاصي ارشاد نفسي لمرحلة الطفولة أمينة ال بن علي إن مجتمع البحرين مثقف وواعي لدرجة جيدة بخصوص موضوع مجهولي الابوين فيما يخص موضوع التبني والرغبة بانضمام احد مجهولي الابوين للاسرة ، خاصة الاسر التي لم ترزق بأطفال فهي نسبيا تعتبر أكثر اسرة رغبة في موضوع التبني والاحتضان، موضحة أن النظرة العامة للمجتمع تتفاوت نسبيا، فالبعض ينظرلهم بنظرة تعاطف وأسى، والبعض نظرة اللوم والاتهام، أما البعض الاخر فينظر له بأنه طفل له كيانه المستقل ولاذنب له بحالته الاجتماعية.

وتابعت ال بن علي إن طريقة تبليغ الطفل بموضوع التبني موضوع شائك وليس كثير من الاسر لديهم خبرة او وعي تام بطريقة ابلاغه، خصوصا وأن كثير من الحالات التي رأيناها يبلغ الطفل متأخر مما يؤثر سلباً عليه ويواجه مشاكل نفسية واجتماعية لذا من الضروري أن يكون لدى الزوجين مهارة بإبلاغ الطفل من عمر السنتين.

ولفتت إلى أن مرحلة السنتين إلى ٤ سنوات يتم محاولة التوضيح للطفل بالصور والحواس البصرية ويجعلونه يتقبل الاختلاف مثل أسرة تتكون من بجعتين وارنب، وعندما يكبر يتم قراءة القصص والمجلات وذلك بتكوين جمل صغيرة وقصص قصيرة، فيجب أن يتقبل الاختلاف قبل دخولهم الروضة، حتى سن ٧ سنوات يتم إخباره بالتدريج لن يكون واعي ولكن سيكون متقبل إلى حد ما الاختلاف، موضحة إلى أن في سن الـ٨ سنوات سيكون الوعي أكبر وسيلاحظ الاختلاف في الاسماء، غالبا في هذه المرحلة سيصبح متمرد إلى حد ما ولكن مع المتابعة والاهتمام به سيتجاوز هذه المرحلة، منوهة إلى أن القانون يجبر الأهل على تبليغ الطفل من عمر ٥ سنوات كحد أقصى.



وقالت الاخصائية النفسية إن أغلب المجتمع يناقض بين كلامه والواقع فهو يتعاطف مع فئة مجهول الابوين قولا ولكن بالواقع نفاجئ بعكس ذلك، كمنع أبنائهم باللعب معهم أو رفض تزويجهم أبنائهم أو بناتهم فلا يوجد وعي كافي من المجتمع لهذه القضية المجتمع غير واعي بأن الطفل لا ذنب له وأن ذلك قضاء وقد لذلك فإن طرح مثل هذه المواضيع في الاعلام والمراكز وإثارته من قبل الاخصائيين الاجتماعين ضروري لتوعية المجتمع بالتعامل مع مجهول الابوين.

وأوضحت أمينة ال بن علي إن كثير من الحالات التي تتابعها يعاني الأشخاص من نظرة المجتمع، فيأكدون بأن المجتمع ينزر لهم بنظرة خطيئة والديهم اللذان، فهم يشعرون بها مؤكدين بأنهم كيان خاص وشخصية مستقلة سواء بمرحلة الطفولة أو مابعد الزواج، مؤكدة أن هذا اختبار وامتحان لمجهول الابوين في صبره ودورنا كمجتمع عربي اسلامي أن نساعده ونساند هذه النوعية من الاطفال خصوصا انهم سيصبحون أشخاص منتجين في المجتمع، داعية إلى تغيير اسم مجهول الابوين إلى اسم اكثر ايجابية ليدعمهم نفسيا.