ريانة النهام
نظمت أسرة الآدباء والكتاب، الثلاثاء، ندوة بعنوان نقد العقل العربي وهو مشروع د. محمد الجابري، قدمها غسان علي من السودان في مقر جمعية الاجتماعين.
ويعد الجابري أحد فلاسفة المغرب حيث يملك ٣٠ مؤلفا في قضايا الفكر المعاصر أبرزها نقد العقل العربي.
وبدأ الجابري كناشط سياسي إلى أن اكتشف أن انشغاله في سياسة لن يحدث تغيرًا في الواقع العربي لينتقل للأدب والنقد، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في عام 1967 ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط.
وأشار غسان علي في بداية الندوة إلى أن التعبير بكلمة "العربي" يمكن أن يفهم من قبل البعض بالعرق العربي، لكن ما يقصد هنا التقاليد أي حين تحمل ذاكرة عربية تعكس طبيعة ماتحمله الأمور، وطبيعة التقدير والفاعلية والتعبير العربي.
فالمشروع الرئيس للجابري هو محاولة إعادة قرأت التراث العربي، وهذه محاولة قديمة ليست حديث لكن الجديد في المحاولة أن الجابري أيضًا هو المدرس الذي يقول "ليس مهمًا ماعرف إنما ماهذا الذي اعرفه"، فحين يتحدث الجابري عن كيف يمكن أن نعيد بناء علاقتنا بالتراث يدخل مقولة مهم جدًا أن هذا تراث يعيش فينا ونعيش فيه، وهذا رد على بعض الدعوات التي تشير إلى أن علينا خلط التراث.
وتطرق غسان علي إلى دور الجابري في تخليص ابن خلدون من صور التخطيطات النمطية والبصرية، وكيف تمكن من جعل ابن خلدون مؤسس لعلم الاجتماع، حيث بدأ بالكتاب حول الصراعات القبلية في الثقافة العربية، بالإضافة إلى طه حسين و علي الوردي والبصري.
وأشارت الندوة إلى دور الجابري في أول أشغاله إلى إعادة بناء ابن خلدون باعتباره مفكرًا سياسيًا، فقرر أن المدخل الرئيسي لتقنين من نظرية ابن خلدون هو الوقوف عند العصبية كمحرك رئيسي وظاهرة السياسة العربية، فكانت تلك أولى خطوات الجابري في قضية نقد الفكر العربي، مؤكدا على أن مشروع الجابري مشروع نهضة وتراث بدأ منذ زمن طويل، وحين يطرح التساؤل في الثقافة العربية فنسأل "لما تأخرنا"، وما الذي أنجزناه في صدد هذا السؤال، ماهي المشاريع التي تسهم في الإجابة على هذا السؤال، لذلك يعد سؤال النهضة سؤالًا قديمًا، ونقد الجابري يختلف مع الكثير من مشاريع نقد الفكر العربي.
وتساءل غسان علي ما المقصود من كلمة "النقد" و"الفكر" و"العربي"، وقال:"بطبيعة الحال من الناحية اللغوي المقصود بالنقد أن ينقد الناس أو يحاولوا اكتشاف العيوب أو الأخطاء، لكن الجابري اختار في تفسير النقد أن يعود لتعريف أن المطلوب من النقد كشف العيوب والنواقص لكن الوظيفة التي عمل عليها الجابري كان إثبات تهكن المقولات".
وأضاف أن "النقد بقرض كشف العيوب عملية سهلة ليست عملية تعقيدية لكن النقد بغرض إثبات تهكن بعض المقولات تعني أن نبدع في المقولات وأن نستخدم معلومات ونبين إلى أي مدى ما أنتجته هذه المقولات صحيح ويمكن تتبعه والنظر فيه، لذلك النقد الذي رغب الجابري في تقديمه ليس نقد يهدف لتقديم لائحة بالنواقص ولكن أراد أن يعيد إخضاع ما يسميه الجابري التراث العربي الإسلامي للفحص الجديد والدراسة والتتبع".
وأشار علي إلى رأي بعض المفكرين في استخدام تعبير العقل، حيث يرؤن أن ذلك لم يكن موفقًا فكان يعرض عليه استخدام تعبير الفكر العربي بدل عن العقل.
لكن حينما طرح السؤال على الجابري قال إن استخدام تعبير العقل يعود لاعتماده القاموس الفرنسي ومن يقرأ المعنى في القاموس يدرك أنه على عكس ما يوجد لدى الثقافة العربية، أي أن العقل فاعلية ذهنية وهي بطبيعتها تستند على البيئة الثقافية، كما ينصح بأن توصف هذه العملية بالفاعلية العربية أو الذهنية.
ويواصل:" إن أول ما بدأ الجابري من خلاله المشروع أرد أن يفحص التيارات السياسية والاجتماعية التي شتمل على ذلك، حيث قسم التيارات إلى سلفي وليبرالي وماركسي، فالتيار السلفي تطرق له حينما أراد أن يبني علاقته مع التراث وبات لا يستطيع الفكاك من مقولات التراث وفضاء الزمان التي نشأت فيه هذه المقولات وبتالي ظل يردد مقولات التراث دون جوانب نقدية، أما التيار الليبرالي كانت منطلقه يقوم على الموقع الذين انطلق منه بالنظر إلى التراث من فضاء معرفي آخر وبذلك يحصل على المعرفة، أما التيار الماركسي أراد أن ينشأ علاقة هديولوجية مع التراث أي أن يوظف التراث، مثل اختيار بعض اللحظات".
ويتابع:"لذلك حكم الجابري أن هذه التيارات فشلت في إنجاز علاقة صحيحة حقيقة مع التراث العربية، فكان أول كتاب للجابري في هذا المشروع " نحن والتراث"، فكان الموضوع مدروس ومطروح، و من المهم أن نشير الى ان الجابري لم يكن يعمل في التراث بدون المعرف".
وأشارت الندوة إلى أن الجابري اختار مداخل رئيسية لفهم العلاقة مع التراث، حيث أن المشروع قائم على إعادة بناء وتركيب هذا المقروء عبر تقسيمه إلى أجهزة وأنظمة، فمشروع الجابري الغرض منه إثبات تنهك الكثير ليكون مصدرًا للجابري مواقف واضحة.
ويرى غسان علي أن مشروع الجابري تتخلله بعض المشكلات منها الحياد، ومشكلات أخرى متعلقه باستخدام أكثر من منهج والأمر واضح في كتاب العقل، لكن بطبيعة الحال جميع المشاريع الكبرى ومشروع الجابري أيضًا من المشاريع الفكري التي تعمل على بناء قواعد وأسس ندخل بها لبناء علاقتنا بالتراث العربي.