حلم المقهى

قصة قصيرة - ناصر سالم الجاسم

فتاة عاطفتها كالظل، ترقد على سرير منفرد، تحلم بأن يلد السرير سريراً، تخطب ود القدر، وصفح السماء، وتشكو لها آلام الأيام السبعة من كل شهر، وتترقب أوان زوالها، تبحث في صفحتها الزرقاء عن أنجم شكلت اسمين متلاحمين يكون اسمها أحدهما، تبسم لرقص المطر على زجاج سيارة أبيها، وللثمه زجاج نافذة غرفتها.

كلب يود البول في دمها، عانى آلام الحصر طويلاً، ذاق النوم غراراً، وعاش الحلم مداداً، حفظ شعر الغزل من ديوان العرب، وتعلم الرسم بالكلمات، عطل دخان الخمس سنين رئته اليسرى.

جلس هذا الكلب على حشية بالمقهى، يشرب القهوة التركية، ويدخن أفخر أنواع التبغ، ولطالما أملى عليه تفكيره: أن الشفاه الجمرية تساوي عمراً، وأن الفحم بعد مئة سنة تحت الأرض يتحول إلى ألماس!

أخذ يحدث نفسه: حكمة الكلب الكبير حبروت "كثر الدق يفك اللحام" ستتحقق، ولقب الساهد سيفارق شفاه الزمرة المأفونين، وسيحل محله نعت المكافح، لن أكون متعجلاً كبائع الطماطم، إنني أحب تاجر الأرز، وتاجر السكر، لأنهما متريثان، وهذا السهوم الذي يملأ العينين سيعاد خلقه إلى بريق، ثقب الأوزون يمنح الناس التشاؤم، ويمنحني الأمل، سيتسع هذا الثقب، وسيكثر مرض السرطان في جلود الإناث الجميلات، وسيمتن، لقد طحن حبات قلبي! الشيوخ يتعمدون الاستيقاظ من النوم مبكراً، ليشبعوا من الحياة، وصعب أن أحيا حياة الشيوخ وأنا في غضارة الشباب، الضيف يقدم له رأس الذبيحة، دائماً الرؤوس مقدرة، لكنها تجهل قيمة رأسي، حلو أن تكون أول وارد للبئر، والأحلى أن يكون ماؤها عذباً قراحاً، الجبل يلبس رداء من العشب الأخضر وبداخله نفس بركان، قد أكون جبلاً بداخله بركان خامل، ليت لي ذاكرة وردة، وليت القلب كالمعدة، يستطيع لفظ الجمال الذي يحرقه إذا شاء، جلد الأنثى سياج جميل يختبئ خلفه سائل كريه، هكذا غالبية الأشياء، ظاهرها جميل وباطنها قذر، لا شيء مستحيل، في الجنوب فرعت نخلة وسط صخرة نارية، لا وشل يغذيها ولا طير أو دابة تسمدها، ونهيان عاشق الجرابيع شق رأس الجربوع، وشرب دم رأسه، ورماه وأنا أضيء له الليل بالكشاف، كل ليلة يعمل مصيدة للجرابيع، كل يحب على شاكلته، والأهبل مضحي مدمن النارجيلة يقول وقرقرة ماء النارجيلة تقلق تفكيري: لا تعشق فتاة بوصاء، فإن نلتها ومللتها ستبحث عن فتاة رسحاء، إن طال حب التغيير قلبك فسدت حياتك، حتى الأشياء الجميلة تعذب، هذه الإن إن تغير ضبطها أصبحت داء للنحويين، ولعنة للعاشقين...

آه كم أنفقت من الوقت في هذا التفكير الأخرق، علي بالعمل، لقد حفظت مئة بيت لمطارحتها شعرياً عبر الهاتف، أبيات شعرية جلها قيلت في الغزل، غزل عمر بن أبي ربيعة لذيذ، وأطلال طرفة بن العبد محزنة، سأشرب فنجاناً من هذه القهوة السوداء لألين أوتاري، ليكلؤني ملهم الكلب حبروت بحسن تدبيره، حتما ستجرفها سيول الأوزان والقوافي، بعض الشعراء ضحكوا على الخلفاء، فوزنوا لهم قصائدهم بالذهب، صعب أن تبيت والشهوة في دمك، وتجرها معك إلى الأسواق، وتجلس بها في المجالس خمس سنين!

كم الساعة الآن؟ مضحي، أنجدني، ما هذه البقع التي ظهرت بساعدي؟ ستراها على جلدي حين أتعرى لها، ستنفر مني، محال أن أموت وآلام حصر الشهوة تؤلمني!

قالت الأم المفاخرة بالعفاف لابنتها: لا يوجد في الحياة كلب طاهر، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب نجس أو تمثال.

وظلت الفتاة تعاني آلام الأيام السبعة، تنظر للسماء، وتنتظر أنجمها تشكل اسمين متلاحمين، وتعقد بينهما عقداً، مدته أربعون يوماً في الأعلى، ثم ينزل، ويكتب ثانية بالحبر على الأرض.

روائي سعودي