انطلقت أعمال مؤتمر "الدبلوماسية والثقافة"، الأحد، في مسرح البحرين الوطني بحضور وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، ورئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والمدير التنفيذي لأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة، إضافة إلى عدد من الخبراء في المجال الثقافي والدبلوماسي من البحرين ودول مجلس التعاون والطلبة من الأكاديمية والإعلاميين.
وقالت مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة في كلمة الافتتاح إن المؤتمر يشكل فرصة لجمع الشباب وتعريفهم بالثقافة كداعم للعمل الدبلوماسي ووسيلة للتواصل مع العالم، مشيرة إلى أن البحرين تمتلك من التاريخ الحضاري والمواقع التاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو والحراك الفني والموسيقي ما يساعدها في فتح قنوات الحوار والتعاون مع الحضارات والشعوب الأخرى.
وأوضحت أن مؤتمر الدبلوماسية والثقافة يعطي الشباب فرصة للاستماع إلى شخصيات مؤثرة وفاعلة في مجالي الثقافة والدبلوماسية، مؤكدة أن هيئة الثقافة تستثمر هذا اللقاء من أجل تعريف جيل الشباب بقصص النجاح الكثيرة في هذين المجالين المهمين، مضيفة أن المؤتمر سيصدر عنه لاحقاً كتاب يحمل تفاصيل الجلسات ويوثق ما دار فيها من نقاشات غنية وأفكار إبداعية حول الثقافة والدبلوماسية.
ويستمر المؤتمر الذي يقام بالتعاون بين وزارة الخارجية وهيئة البحرين للثقافة والآثار وأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية، يومين، حيث يختتم أعماله الاثنين.
ويطرح المؤتمر عدداً من القضايا المتعلقة بالدبلوماسية والثقافة عبر جلسات تشارك فيها شخصيات مؤثرة من المملكة والمنطقة.
الثقافة في العلاقات الدولية
وفي أولى جلساته بعنوان "الثقافة في العلاقات الدولية"، شارك في الحديث كل من الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، والشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ومستشار التراث العالمي في هيئة الثقافة د.منير بوشناقي. وأدارت الجلسة الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة.
وفي افتتاحية الجلسة، قالت الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة إن الثقافة والدبلوماسية وجهان لعملة واحدة، مؤكدة أنه من خلال الدبلوماسية يمكن تعزيز مكانة الهوية الوطنية وصناعة علاقات استراتيجية مع الدول الأخرى اعتماداً على جاذبية الثقافة والمخزون الحضاري.
وفي بداية مداخلته، توجه الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة بالشكر إلى الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على تعاونها وحرصها على إقامة مؤتمر الدبلوماسية والثقافة، مؤكداً دور معاليها في تعزيز مكانة البحرين على المستوى الدولي وعملها في الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري البحريني بشكل خاص والعربي بشكل عام. وأوضح أن الدبلوماسية حرفة متعددة الأوجه، وتشكل القوة الناعمة والثقافة جانباً مهماً منها، مشيراً إلى أن الشخصية الدبلوماسية تتطلب معرفة عميقة بالثقافة الوطنية، ومن خلالها يمكن تمثيل الوطن بأفضل طريقة ممكنة.
وأضاف أن الإرث الحضاري والتاريخي، وما فيه من قطع أثرية أصيلة، يمكنه العمل كعنصر فاعل في العمل الدبلوماسي وبناء العلاقات ما بين الشعوب والتعريف بما تمتلكه من منجزات إنسانية، مستشهداً بأمثلة كالمسلات الفرعونية، وحجر رشيد وغيرها من القطع التي تتواجد في مدن رئيسة حول العالم، وتعرف بحضارات بلدانها على الدوام. ونوه الشيخ خالد بن أحمد بما تقدمه البحرين من حراك ثقافي ساهم في الترويج للوجه الحضاري للمملكة، سواء على مستوى العمل الأهلي أم الرسمي.
فيما شكرت الشيخة مي بنت محمد الشيخ خالد بن أحمد على دعمه الدائم للثقافة وتشجيعه المستمر للعمل الثقافي في البحرين، مشيرة إلى أن الثقافة عززت مكانة المملكة على مستوى العالم، فالبحرين استطاعت بفضل دبلوماسيتها الثقافية أن تفوز برئاسة لجنة التراث العالمي مرتين على التوالي وأن تستضيف لجنة التراث العالمي العام 2018 على أرض المنامة، وأن تحظى باعترافات عالمية وأن تفوز مدنها بألقاب عواصم الثقافة والسياحة من منظمات دولية على مدى السنوات الماضية. وأضافت أن الجهود تتكاتف من كافة الأطراف في المملكة من أجل الترويج للموروث الحضاري البحريني، مؤكدة أن أجمل ما يمكن أن يروى عن الأوطان حضارتها وثقافتها العريقة.
وعن قوة الفعل الثقافي في تعزيز العلاقات بين البحرين ودول العالم، قالت الشيخة مي إن البحرين تمتلك علاقات قوية مع كثير من بلدان العالم، مشيرة إلى أن المملكة تحتفل بمرور ثلاثين عاماً على العلاقات البحرينية الصينية، وتفتتح في موقع ثقافي مهم في الصين مركزاً ثقافياً بحرينياً بالتعاون مع وزارة الخارجية.
في حين قال د.منير بوشناقي إن البحرين تمكنت عبر أدواتها الثقافية أن تحظى باعتراف دولي في شتى المجالات، فالبحرين تستضيف منذ العام 2012 المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بإشراف من منظمة اليونيسكو.
وأضاف د.بوشناقي أن الثقافة يمكنها أن تكون سبيلاً من أجل تقريب وجهات النظر وتقوية العلاقات ما بين البلدان رغم اختلافاتها، مؤكداً أن المملكة وخلال استضافتها للجنة التراث العالمي تمكنت من تقريب وجهات النظر بين العديد من الدول والتركيز على الجوانب الثقافية والإنسانية عوضاً عن القضايا الشائكة محل الخلافات، وهو ما يعد في صلب العمل الدبلوماسي. وأشار إلى أن الثقافة والدبلوماسية تعدان من المواضيع التي تركز عليها منظمة الأمم المتحدة التي أسست معهد الدبلوماسية الثقافية مؤخراً. كما أكد أن الشباب العاملين في المجال الدبلوماسي عليهم التعرف على الإطار القانوني لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو، والذي يتمثل في كثير من الاتفاقات التي تعالج قضايا ثقافية، كاتفاقية التراث العالمي، واتفاقية الحفاظ على التراث أثناء النزاعات المسلحة، واتفاقية حماية التراث المغمور في المياه، واتفاقية محاربة تهريب القطع الإثرية واتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي.
التواصل الفعال في الشأن الثقافي
وفي ثاني جلساته، ألقى المؤتمر الضوء على سبل التواصل وأهمية انتقاء الكلمة للتواصل الفعال في الشأن الثقافي من خلال الدبلوماسية، حيث استضافت الجلسة كلاً من الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة، ومدير الاتصال الاستراتيجي بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة السفيرة هند مانع العتيبة، والمدير العام لمركز الاتصال والإعلام الجديد بوزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية أحمد بن محمد الطويان. فيما أدار الجلسة مدير إدارة المتاحف بهيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة.
وفي مداخلتها، أكدت الشيخة هلا بنت محمد أن الثقافة جزء من المجتمع وأداة قوية في التواصل مع العالم، منوهة بأن "المثقف والفنان يجب عليه الاطلاع على الخبرات العالمية في مجاله، حيث أصبح العالم اليوم قرية صغيرة يمكن بسهولة إيجاد سبل التواصل والتعرف على الآخر". وقالت إن هيئة البحرين للثقافة والآثار تعمل حالياً على إنجاز مشروع ثقافي مهم، هو مشروع نقل المعارف، الذي يقوده عالم الاجتماع العربي د.الطاهر لبيب، حيث عملت معه هيئة الثقافة لترجمة كتب من مكتبات عالمية ولكتاب ذوي إنتاج غزير في مجالات مختلفة، إلى اللغة العربية. وأضافت أن الهيئة تلقي الضوء دائماً على الكتاب كوسيلة للتواصل ما بين الشعوب وطريقة لتوثيق الإنتاج الحضاري وتعريف الآخر بالمنجزات الإنسانية، مشيرة إلى أن "الهيئة سخرت الثقافة من أجل خدمة صورة البحرين على مستوى العالم، فخلال العام 2018، حين الاحتفاء بالمحرق عاصمة للثقافة الإسلامية، طرحت البحرين مقترحاً من أجل إقرار الأمم المتحدة يوماً عالمياً للفن الإسلامي".
وتطرق الطويان إلى دور الملحقيات الثقافية في سفارات الدول العربية حول العالم، مؤكداً أنه لا توجد دبلوماسية من دون ثقافة ولا ترويج ثقافي من دون دبلوماسية. وأشار إلى أن الوطن العربي بحاجة ماسة إلى ملحقيات ثقافية فعالة تضم المختصين في مجال العمل الثقافي، لدعم العمل الدبلوماسي العربي. وأضاف أن عمل المؤسسات الدبلوماسية التابعة لوزارات الخارجية لا يقتصر على المهمات الاعتيادية، بل الدبلوماسية اليوم أضحت صناعة لا يمكن أن تتحرك من دون أن تتحدث لغة العصر، وهي لغة التكنولوجيا، فنجد الآن الدبلوماسية الرقمية والدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية التعاونية، مشيراً أن السفارة المستقبلية لن تكون سفارة اعتيادية، بل ستكون قادرة على التواصل مع الآخر وتسويق ثقافة بلادها وستحضر في المجتمع الذي تعيش فيه بصورة أكبر.
وأشارت السفيرة هند مانع العتبية إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحرص على إدماج الثقافة في كافة فعالياتها ومبادراتها العالمية، مشيرة إلى أن حدث إكسبو دبي 2020 سيكون فرصة لإلقاء الضوء على ثقافات العالم، حيث وصل عدد المشاركات فيه إلى 200 مشاركة. وأضافت أن حدث الإكسبو يشكل فرصة للدول لعرض إبداعاتها في كافة المجالات وتم تخصيص ساحة رئيسة لعرض جميع ثقافات العالم على مدى 173 يوماً، بمعدل 60 فعالية في كل يوم، مؤكدة أن الرسالة الرئيسية لإكسبو دبي 2020 تركز على تفاعل الشعوب مع بعضها في تواصل إنساني مميز، فشعار الإكسبو هو: "تواصل العقول وصنع المستقبل".
وحول الحركة المتحفية في الإمارات، قالت السفيرة العتيبة إن متحف اللوفر أبوظبي يمثل اليوم واحداً من أهم المتاحف في الإمارات والوطن العربي، حيث يضم أجنحة تعكس التعددية الثقافية العالمية، مؤكدة أن المبادرات الثقافية لا تروج لصورة الأوطان فقط، بل تعكس فكرة تقبل الآخر والاطلاع على الثقافات المختلفة.
وفي اليوم الثاني للمؤتمر، سيكون الحضور على موعد مع جلستين، تتناول الأولى الجوانب الثقافية المختلفة للقوة الناعمة والسبل التي تنتهجها الدول في نقل ثقافاتها وتعزيز نفوذها الدولي، إضافة إلى محاولة معرفة إلى أي مدى تنجح مختلف استراتيجيات القوى المرتبطة بالجوانب الثقافية. فيما تناقش الجلسة الثانية الفنون والموسيقى والروابط المتنوعة والمحتملة بينها وبين الدبلوماسية.
ويلقي المؤتمر الضوء على جوانب مهمة من الإرث الثقافي للبحرين وانعكاساتها الدولية المتمثلة بالقوى الناعمة والدبلوماسية الثقافية البحرينية. كما يؤكد أهمية تعزيز التعاون بين الأكاديمية وهيئة الثقافة. ويتناول المؤتمر على مدى يوميه عدداً من المحاور والموضوعات كالثقافة والعلاقات الدولية، الثقافة والقوة الناعمة، والفنون والموسيقى والدبلوماسية، والدبلوماسية وقوة الكلمة في التواصل.