اختتم مؤتمر الثقافة والدبلوماسية، الاثنين، 21 أكتوبر، أعماله في مسرح البحرين الوطني، وذلك بعد اشتغال دام ليومين متتاليين.
وأقيم المؤتمر بتعاون بين وزارة الخارجية، هيئة البحرين للثقافة والآثار وأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية، وناقش خلال جلساته مختلف القضايا المتعلقة بالدبلوماسية والثقافة بمشاركة شخصيات مؤثرة من مملكة البحرين والمنطقة، وحضور العديد من الخبراء في المجالين الثقافي والدبلوماسي وطلبة الأكاديمية والإعلاميين.
وألقت أولى جلسات اليوم الثاني من المؤتمر الضوء على الجوانب الثقافية المختلفة للقوة الناعمة والسبل التي تنتهجها الدول في نقل ثقافاتها وتعزيز نفوذها الدولي، بالإضافة إلى مناقشة مدى نجاح مختلف استراتيجيات القوى المرتبطة بالثقافة. وشارك في هذه الجلسة كل من الشاعر البحريني عضو مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث حسن كمال، مستشار العلاقات الدولية بهيئة البحرين للثقافة والآثار السفير وليد الرفاعي، ورئيس العلاقات العامة والإعلام بأسرة الأدباء والكتاب د. صفاء العلوي، بينما أدار الجلسة أحمد الطريفي من وزارة الخارجية البحرينية.
وخلال مداخلته قال الشاعر حسن كمال إن القوة الناعمة تلعب دوراً هاماً في توجيه وضبط حركة الجماهير العريضة من خلال أفكار وقيم وتقاليد معينة، مشيراً إلى أن الدول حول العالم تسعى إلى استقطاب الجماهير استثمار قدراتهم وطاقاتهم من خلال القوى الناعمة، وخصوصاً فئة الشباب، الذين يشكلون الشريحة الأكبر من الجماهير في البلدان العربية. وأوضح أن القوى الناعمة تتمثل في الفنون والآداب والتشكيل والمسرح والسينما وغيرها، مؤكداً أن الشباب لديهم من الطاقات ما يمكّنهم من النهوض ببلدانهم ومجتمعاتهم.
وأضاف الشاعر حسن كمال أن الإعلام هو الوسيلة الأفضل لتفعيل تأثير القوى الناعمة، حيث يشكل الإعلام الأداة التي يمكن من خلالها نشر القيم والأفكار والتوجهات إلى بقية الناس وفي كل مكان والترويج لما تمتلكه الأوطان من مقومات وقدرات. ونوّه بأهمية الاهتمام باللغة العربية التي تعد من أكثر اللغات تميزاً وإبداعاً، قائلاً إن على الشباب الاهتمام اللغة العربية والحفاظ عليها.
من جانبه، قال وليد الرفاعي إن أكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية تدعم جهود مملكة البحرين في تفعيل أدوات ووسائل القوى الناعمة. وأشار إلى أن القوى الناعمة تنقسم إلى مقومّات وأساليب، موضحاً أن المقومات ترتبط بالطبيعة والجغرافيا والتراث والثقافة والشعوب، بينما ترتبط الممارسات والأساليب بالأفراد والمؤسسات، حيث يساهم المزج السليم ما بين المقومات والممارسات في إيصال الرسائل الثقافية إلى الجمهور. وأضاف أن اجتماع لجنة التراث العالمي الذي استضافت البحرين نسخته الثانية والأربعين العام الماضي شكل رسالة عالمية وعكس ما تمتلكه البحرين من مقومات ثقافية وحضارية.
وحول موقع الكاتب البحريني من خارطة التطورات التكنولوجية الراهنة، قالت د. صفاء العلوي إن الكاتب والقارئ في مملكة البحرين يواجهان تحديات بسبب التطورات التكنولوجية المتسارعة، حيث اختلفت طرق إنتاج الكتب واقتناؤها عن السنوات السابقة، وأصبح المحتوى الإلكتروني ينافس الإنتاج المطبوع. وأكدت أن كل مثقف في البحرين يسعد بالفعاليات الثقافية الأدبية ومعارض الكتب، حيث أضحت هذه المعارض مساحات للنشاط الثقافي وتعمل على إنعاش الأنشطة الثقافية عبر الأمسيات والندوات وفعاليات تدشين الكتب.
وخلال الجلسة الثانية من اليوم، ألقى المؤتمر الضوء على الفنون والموسيقى والدبلوماسية وناقشت الروابط المتنوعة والمحتملة فيما بينها. وشارك في الجلسة كل من اللواء د. مبارك نجم قائد الفرقة الموسيقية للشرطة، سفير مملكة البحرين لدى الجمهورية الإيطالية د. ناصر محمد البلوشي والفنانة التشكيلية البحرينية بلقيس فخرو، فيما أدارت الجلسة فرح محمد مطر مدير إدارة الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار.
وقال د. ناصر البلوشي إن القوى الناعمة لها تأثير كبير على حركة المجتمعات، مشيراً على أن الفنون والموسيقى تشكل جزءاً من كبيراً من هذه القوى، كونها تستطيع حمل الكثير من الأفكار ووجهات النظر في تكويناتها الإبداعية. وأشار الدكتور البلوشي إلى أن الموسيقى استخدمت على مر العصور في توجيه المجتمعات ولها دور كبير في التعبير عن سياسات الدول وطريقة نظرها إلى علاقاتها مع الدول الأخرى.
من جانبه، أكد اللواء د. مبارك نجم أن الموسيقى تمثّل سفيراً للثقافات والشعوب وعنصر مهم في تسهيل الحوار الحضاري والعلاقات الدولية، مشيراً على أنها شكل إبداعي له تأثير كبير على نفوس البشر وهي عنصر يواكب مختلف مراحل حياة الإنسان.
وأوضح نجم أن الأغنية تتكون من ثلاثة عناصر هي: الكلمة، اللحن والفنان المؤدي، موضحاً أن الأغنية تعرف بتأثيرها الواسع ولا توجد أمة حالياً وإلا لها أغنية رمزية لها نتعارف عليها من خلال النشيد الوطني. وحول اللغة والأغنية، قال إن الأغنية وسيلة هامة للحفاظ على اللغة ونقلها من جيل إلى آخر، فالكثير من الشعراء تمت معرفتهم من خلال أغاني لفنانين مشهورين. وتوجّه بالحديث إلى طلاب الأكاديمية قائلاً إن عليهم التعرف على فنون وموسيقى الشعوب الأخرى لتعزيز دورهم في تمثيل مملكة البحرين بأفضل صورة.
أما الفنانة بلقيس فخرو فتناولت تاريخ تطور الفنون منذ رسومات الإنسان في الكهوف وحتى القرن العشرين، مشيرة إلى أن الفنان بيكاسو كان من أوائل من سخّروا الفن من أجل التعبير عن القضايا الإنسانية وذلك من خلال لوحته التي رسمها عام 1937م حول مدينة غورنيكا الإسبانية التي تعرضت للتدمير أثناء الحرب. وقالت إن حركة فنية جديدة ظهرت منذ ذلك الوقت ساهمت في ظهور فنانين يعبّرون عن مختلف القضايا الإنسانية في بلدانهم وبلدان العالم، موضحة أنه لا يوجد معرض فني اليوم في العالم، إلا ويوجد فيه أعمال فنية للتعبير عن القضايا الإنسانية. ونوّهت الفنانة فخرو بضرورة تعزيز الاهتمام الرسمي بالحركة التشكيلية في مملكة البحرين عبر استضافة الفنانين من حول العالم، إرسال بعثات فنية محلية إلى الدول التي تمتلك تجارب فنية مغايرة وإقامة معارض للفنانين لعرض إنتاجاتهم الفنية.
وكان المؤتمر قد قدّم خلال يومه الأول جلستين، تناولت الأولى "الثقافة في العلاقات الدولية"، وشارك فيها كل من معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار والدكتور منير بوشناقي مستشار التراث العالمي بهيئة الثقافة، بينما أدارت الجلسة سعادة الدكتورة الشيخة منيرة بنت خليفة آل خليفة المدير التنفيذي لأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية. أما الثانية فألقت الضوء على سبل التواصل وأهمية انتقاء الكلمة للتواصل الفعال في الشأن الثقافي من خلال الدبلوماسية، واستضافت كلّاً من سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار، سعادة السفيرة هند مانع العتيبة مدير الاتصال الاستراتيجي بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة وأحمد بن محمد الطويان المدير العام لمركز الاتصال والإعلام الجديد بوزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية، فيما أدار الجلسة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة المتاحف بهيئة البحرين للثقافة والآثار.
وألقى هذا الحدث الضوء على جوانب هامة من الإرث الثقافي لمملكة البحرين وانعكاساتها الدولية المتمثلة بالقوى الناعمة والدبلوماسية الثقافية البحرينية. كما ويأتي هذا المؤتمر ليؤكد على أهمية تعزيز التعاون ما بين الأكاديمية وهيئة الثقافة. كما وسيتناول المؤتمر على مدى يوميه عدداً من المحاور والموضوعات كالثقافة والعلاقات الدولية، الثقافة والقوة الناعمة، الفنون والموسيقى والدبلوماسية، والدبلوماسية وقوة الكلمة في التواصل.
من الجدير ذكره أن الثقافة جزء لا يتجزأ من المصالح والهوية الوطنية، وهي التي غالباً ما تعبر عنها الدول من خلال الدبلوماسية، مما يجعل الثقافة والدبلوماسية موضوعين متلازمين في دراسة العلاقات الدولية وتطبيقها، وهو ما يدفع الدول لخلق علاقة وثيقة بين الثقافة والدبلوماسية. كما وشار إلى أن مملكة البحرين تمتلك من الموارد والمقومات الثقافية ما يعزز مكانتها الإقليمية والعالمية في هذا المجال.