للفضاءات سياق

كريم رضي

بيضة الأدب أم دجاجته

كانت فعالية ملتقى القصة بأسرة الأدباء والكتاب حول المجموعة القصصية "معرض الجثث" للكاتب العراقي المقيم في فنلندا حسن بلاسم، والتي تحدثت فيها الكاتبة شيماء الوطني بإدارة القاصة أمينة الكوهجي في مركز عبد الرحمن كانو الأحد ٢٠ أكتوبر الجاري، فرصة لإثارة السؤال حول المسافة أو على طريقة عنوان أحد دواوين قاسم حداد "علاج المسافة" بين الواقع والكتابة، بين الشفاهة والكتابة، بين الذات والكتابة.

بديهي أنني في هذا العمود الافتتاحي لا أركض وراء إجابة، لكن تستفزني استفزازاً جميلاً تلك الأسئلة المثارة في فضاء المكان بعد انتهاء المحاضرة. هنا بالضبط تبدأ الندوة الحقيقية وليس قبل ذلك.

طوفت كل من الكوهجي والوطني تطوافاً جميلاً قبل بدء ورقة المحاضرة بسيرة الكاتب الحياتية والأدبية كاتباً وسينمائياً ثم رحلته خارج بلاده واستقراره في فنلندا منذ شبابه وهو من مواليد النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، ومع كل الشهرة والجوائز الدولية التي حققها هذا الكاتب الفذ كانت "عراقيته" أو ربما بسببها هي الشفرة الوراثية "دي إن آي" لأعماله التي خلبت ألباب الأوروبيين.

ما أثار أسئلة الحضور هو الكم الكبير -في عمل بالكاد يصل إلى ٢٥٠ صفحة- من البذاءة والشتائم وأحياناً ما قد يصل إلى التجديف. وثانياً قضية ولع الأدب العراقي خاصة السرد منه قصة ورواية، بإبراز حجم ما تعرض له الإنسان العراقي المعذب في تاريخه الطويل خلال مختلف الحقب منذ فجر تكون الدولة الحديثة ولو شئت لقلت منذ عهد جلجامش، وهو ولع يصل إلى حد أنك تبصر الدم وتشم رائحته وهو ينز في كل صفحة من صفحات مجموعة "معرض الجثث".

تراوحت الآراء بين ضرورة أن يكون الأدب مرآة واقعه وابن بيئته وخارجاً منها، وبين أن يكون بالعكس خارجاً عليها؟.

ثم على فرض وفاء الأدب لبيئته، هل ترى أية بيئة عراقية تبقت أصلاً لعراقي ذهب واستقر في أوروبا منذ شبابه؟ إذن فالكتابة هنا ابنة الذاكرة لا ابنة البيئة!. ولا أقول هنا ذاكرة الكاتب وحده بل ذاكرة أجيال من شعبه، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن مجموعة "معرض الجثث" مكتوبة بطريقة فتح إضبارات الناس المنسيين وتدوينها إما من أفواههم أو من سجلات القضاء وغيرها.

أما السؤال الثاني فقد انفتح بخصوص اللغة، فقد دفع بعض الحضور بأن قلة أدب اللغة - إذا صح التعبير - وبذاءتها هو من سمات الشخصية العراقية. لكن الرد على هذه الأسئلة كما نعلم في الأدب والثقافة هو مزيد من الأسئلة وليس الإجابات الجاهزة. ففيما يخص المضمون، أتساءل هل قدر الفلسطيني مثلاً أن يكتب عن النكبة فقط؟ والعراقي فقط عن حمامات الدم؟ والألماني عن عهد النازية؟ أم أن الأدب هو تحدي الجمال في مواجهة المأساة؟ من يقود من بالضبط، الواقع كمصدر للكتابة أم الكتابة كمصعد للواقع؟ أين هي البيضة وأين هي الدجاجة في الأدب؟ وفيما يخص اللغة فهل قدر الكاتب القادم من مجتمع تنتشر فيه طريقة معينة للغة أن يكون تسجيلاً صوتياً لمفرداتها، أم أن الكتابة خلق للغة، ولغة للخلق؟

تستمر الأسئلة التي من الخير لنا ألا نجيب عليها، حيث يظل الجواب دائماً في متون الكتب وشؤون الأدب وشجون الحياة.