للفضاءات سياق
د.عبدالقادر المرزوقي
أدب السيرة الذاتية
تموج ذاكرة وخيال المبدع بالأفكار والرؤى حاملا هموم الإنسان، ينتج أدباً وثقافة، يعـتصر وجعاً إبداعياً يصيره لغة ناطقة تحاور المتلقي في صورة تفاعلية، تتداول فيها الأفكار والأدوار حتى تصل إلى درجة التماهي بين النص والمتلقي.
فبالنظر إلى المنجز الـروائي الذي تغص به المكتبات والذي يتراوح بين القوة والضعف في سرديته، نجد أن أدب السيرة الذاتية يكاد أن يختفي أو يضمحل على خارطة الإنجاز السردي في الأدب العربي، ولعل ذلك راجع إلى أسباب شخصية قد تصدم بالواقع الراهن.
لقد رصد الأدب العربي في مجال السرد عدة أعمال تحكي سير مبدعيها بكل تجرد، لتوثق واقعاً مكتنزاً في ذاكرة الوعي الإنساني بكل تفاصيله ومفاصله، فأدب السيرة الذاتية نوع من أنواع السرد يتسم بخصوصية وحساسية مفرطة في الطرح والمعالجة الفنية التي تنم عن قدرة ابداعية تجعل لكل رواية نهج خاص في الكتابة تمثل رؤية الكاتب في تكونها الواقعي والخيالي، فأدب السيرة الذاتية أدب يبحث في مظان الذات في تشكلها عبر تكونها الفكري في بناء وعيها الذاتي كما هي عليه دون تجميل للحقائق.
ولعله من المفيد ونحن نضيء إضاءة مختصرة لأدب السيرة الذاتية أن نتستذكر بعض الروائيين العرب ممن أسهموا في كتابة هـذا النوع الأدبي، لـذا فإن الرصد المعاصر لتاريخ أدب السيرة الذاتية يحيلنا في البدء إلى رواية الأيام لطه حسين الذي حاول فيها أن يسجل يومياته التي مثلت سيرة تكونه الأدبي والفكري بالتزامن مع صراعه التنويري مع منظومة المجتمع في مواجهة التخلف آنذاك، لذلك جاءت روايته الأيام كشف عن هموم المجتمع ممثلة في شخصيته بكل أبعادها النفسية بسبب محنة العمى التي أصيب بها وانعكاسها على منجزاته الفكرية والأدبية، وبالانتقال إلى الروائي محمد شكري في روايته "الخبز الحافي" التي أثارت اشكالات عدة في طرحها الجريء، إذ أنها مثلت أدباً ورؤية صارخة وصادمة للمتلقي العربي في تناولها الواقعي لما هو مسكوت عنه في دهاليز الحقيقة وهو ما يفسر منعها من التداول في المجتمع العربي بداية صدورها آنذاك.
والحديث يطـول في استعراض أدب السيرة الذاتية مما يستعصي تتبعـه في هـذه المساحة المحددة بنظـام الملحق الأدبي، فهناك الكثير مـن اقتحم هذا النوع الأدبي من أمثال حنا مينا في روايته المستنقع ولويس عـوض في مذكـراته وغـيرهم.