علي سيار.. أحد آباء القصة القصيرة في البحرين
جعفر الديري
صباح الثلاثاء 8 أكتوبر الماضي، ودعت الأوساط الثقافية والصحافية في البحرين، عميد الصحفيين الكاتب علي سيار، بعد مسيرة حافلة، قضاها صحفياً وكاتباً في عدد من الصحف والمجلات المحلية والخليجية.
عرف علي سيار كأحد رواد الصحافة في البحرين والخليج، أسس وترأس تحرير عدة صحف بحرينية، هي "القافلة"، "الوطن"، "صدى الأسبوع"، و"الجلف ميرور" الأسبوعية. وقد حظي بتكريم مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية في الإمارات، في يونيو 2005، بصفته رائداً من رواد الصحافة في منطقة الخليج العربي، تقترن سيرته الشخصية بمسيرة العمل الوطني والصحافي في البحرين طوال نصف قرن، بالإضافة لتكريمه في العام نفسه من قبل محافظة المحرق ومسرح الجزيرة، واللجنة الأهلية بصفته أحد رواد الفكر والإبداع بمملكة البحرين.
عمر من الكتابة
جاء في كتاب "علي سيار.. عمر من الكتابة" للكاتب الراحل خالد البسام: "اقتسم علي سيار أيام عمره الحلوة والمرة مع حرفة الصحافة، فقد أخذت الصحافة، لكونها مهنة كتابة واحتراف عمل شاق وتأسيس وتحرير الصحف والمجلات، من الرجل كل وقته وأهم ساعات حياته وكل شعره الأبيض وأقلامه من الحبر والرصاص والجاف. ففي الصحافة خاض "سيار" كل معاركه السياسية والإصلاحية والثقافية والاجتماعية والصحفية منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي حتى اليوم. وكان شاهداً على عصور متعددة وعلى روزنامات محلية وعربية وعالمية حافلة بالأحداث والتحولات والانقلابات، وعامرة بالثورات والانكسارات والهزائم والمتغيرات التي تعجز أجيال متعددة عن استيعابها. ومن المؤكد أن تجربة علي سيار الصحفية تستحق كثيراً من الدراسات والكتابات حتى التاريخ، لثراء وتنوع وشجاعة تلك التجربة وطولها الزمني الذي بدأته منذ مطلع الخمسينيات حتى اليوم".
مجموعة "السيد"
أما الجانب الآخر من شخصية علي سيار، فكان الأديب والقاص. لقد كان أحد آباء القصة القصيرة في البحرين، جمع قصصه القصيرة في مجموعة أصدرها في عام 1973 تحت اسم "السيد". يقول عنها الناقد والروائي الراحل عبدالله خليفة في كتابه "تحولات القصة القصيرة البحرينية": "يركز علي سيار على حادثة مركزية صغيرة ويقوم بتطويرها وهذا ما يدل على تطور تحقق في فترة وجيزة. في مجموعتهِ القصصية الوحيدة "السيد" التي كـتبت بين سنتي (1964 – 1966) وتشمل المجموعة ثمان قصص، ثم طبعت في سنة 1975، وهو أمر يشير إلى التأرجح التاريخي مما يدل على تقطع التجربة، لكننا نجد الاقتراب من روح القصة القصيرة فيها، حيث التكثيف الفني، ووجود شخصيات محدودة، وتتركز البؤرة القصصية على حدث هام ذي دلالات مهمة.
قصة (حكاية عشرة دنانير) ضد الرشوة في الأجهزة الحكومية، قصة (سأطردك يا عبد السلام) عن موظف خدم وزارته عشرات السنين ثم يجد نفسه مع المطرودين؛ (السلالم) بحث شاب جامعي عن العمل، (في يدي جماجم) عن شاب دكتور لا يستطيع معالجة والدته فيجن، (السيد) قصة شاب فقير عاطل يقع في شبكة عصابة تهريب".
اللقطة الحياتية
"في الحبكات المليودرامية للقصص نجد التضخم والإثارة والأحداث الرهيبة، وهي سمة سائدة في المحاولات القصصية وقتذاك، وهذا العنصر مضعف لبنية القصة حسب مستوى الوعي الفني وقتذاك، أي أن الأحداث الكبيرة و(الرهيبة) يمكن معالجتها ولكن ليس بتلك الطريقة الفاقعة، ولكن علي سيار توجه في تجارب أخرى للقصة ذات اللقطة الحياتية التي تخلو من تلك السمات، كقصة (سأطردك يا عبدالسلام) حيث نرى معلمين يقطعان الدرب إلى المدرسة معا سنين عديدة، (لا شيء ينبئ بتحول وتغير في حياتهما، بل أن بطل القصة يريد أن يتزوج ابنة عبدالسلام مما سيوطد العلاقة بينهما توطيداً حاسماً. لكن تأتي المصادفة لتغير الموقف كليا فعبد السلام يوضح لصديقه إنه أمام مستقبل رائع فلا يجب أن يستمر في هذه المهنة التعسة، فالوزير قريبه فلم لا يستخدم هذه الصلة الهامة، وبالفعل يستغل الراوي، بطل القصة، هذه القرابة التي نبتت فجأة ويوظفها لصالحه تماما فما هي إلا لفتة عين وانتباهتها حتى يغدو وكيلاً للوزارة، ولا بأس أن يتعطف في أثناء صعوده على صديقه القديم بترقية بسيطة تنقله من المدرسة إلى كهف من كهوف وزراته، ولكن الوزارة بعد مسافة زمنية أخرى تكون قد اكتظت بالموظفين ولا بد من التخلص من بعض النفايات القديمة. وهنا يوقع وكيل الوزارة "قرار فصل الأستاذ عبد السلام".