أكد المحامي عبد الرحمن محمد غنيم أن أكثر القضايا انتشاراً في مملكة البحرين هي قضايا الأسرة ، وقال إن قضايا الطلاق والحضانة والنفقة هي التي تحتاج إلى تدخل من كل جهات الدولة ذات الصلة للحد من المشكلات التي تصل بالزوجين إلى الانفصال، مشددا على أن التشريعات الوطنية تجسد الواقع المجتمعي الذي يعيشه الوطن على مدار 17 سنة منذ 2002 إلى 2019 ، ومعتبرا أن البحرين تحولت إلى دولة تضاهي الدول المتقدمة في تشريعاتها القانونية، لذا نقف على أرضية متينة من التشريعات القانونية التي تواكب تطور الدول في الوقت الحاضر.
ولفت المحامي غنيم إلى ضرورة مراجعة قانون المحاماة الذي صدر عام 1980، مبينا أن مهنة المحاماة تعتبر مرآة المنظومة القضائية لأي بلد، موضحا أن الصحافة البحرينية قد لعبت دوراً بارزاً في السنوات العشر الأخيرة لرفع مستوى الثقافة القانونية بين الناس ، ونوه إلى أن ملف المحامين يعتبر ملفا شائكا و شديد الخطورة بالنسبة للمحامين الجدد إذا ما ترك دون حلول و تدخلات فورية من قبل وزارة العدل بالتعاون مع جمعية المحامين البحرينية.
"الوطن" حاورت المحامي عبدالرحمن غنيم عن واقع المحاماة والمشاكل القانونية الأكثر انتشارا، ومستقبل المهنة بين الطموح والواقع والتحديات.
ويقول المحامي عبد الرحمن محمد غنيم في واقع الأمر أن التشريعات الوطنية في مملكة البحرين مرت بمراحل تاريخية عديدة حالها حال أي تطور تاريخي في أي مجتمع على اعتبار أن التشريعات تجسيد للواقع المجتمعي الذي يعيشه الوطن. وهنا نفرق بين مرحلتين المرحة الأولى هي مرحلة ما قبل تولي جلالة الملك المفدى تقاليد الحكم في المملكة بعد وفاة المغفور له بإذن الله الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة. وفي هذه المرحلة وما سبقها كانت التشريعات الوطنية محدودة وتغطي شؤون للمواطنين والمقيمين. فكان هناك قانون أصول المحاكمات الجزائية الصادر عام 1966 الذي ينظم إجراءات الدعوى الجنائية، وقانون العقوبات الصادر عام 1976 الذي ينظم الأفعال التي تشكل جرائم جنائية والعقوبات المقررة لها وما زال هذا القانون موجوداً ومر بمراح تعديلات كثيرة. وقانون العقود لسنة 1969 الذي ينظم المعاملات المدنية بين الأفراد، وقانون المخالفات المدنية لسنة 1970 الذي ينظم حق التعويض المدني، وقانون المرافعات المدنية لعام 1971، وقانون الشركات التجارية، وقانون التجارة، هذه هي أبرز القوانين خلال تلك المرحلة
وتابع: أما في المرحلة الثانية والتي نطلق عليها مرحلة عصر التشريعات القانونية للنهضة الدولة الحديثة في مملكة البحرين، والتي بدأ بعد تولي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان مقاليد الحكم في مارس لعام 1999 أميراً للبلاد، وملكاً لها في 14 فبراير 2002 بعد التصديق على تعديل أحكام دستور مملكة البحرين الذي كان انطلاقة لدولة المؤسسات والقانون والنهضة التشريعية والاقتصادية والسياسية والعمرانية لمملكة البحرين، ومنذ إشراقة 14 فبراير 2002 إلى يومنا هذا في عام 2019 أي على مدار 17 سنة تحولت مملكة البحرين إلى دولة تضاهي الدول المتقدمة في تشريعاتها القانونية لتواكبها، ومن هذه التشريعات قوانين تحارب الجريمة الحديثة. كما قانون غسل الأموال، وقانون مكافحة الإرهاب وقانون الإيجار بالبشر وقانون الجرائم الإلكترونية وغيرها من القوانين فضلاً عن تحديث التشريعات القديمة بتعديلها بما يتناسب مع هذه التطور السريع في المجتمع، الآن أقولها لك وبصدق نعم نقف على أرضية متينة من التشريعات القانونية التي تواكب تطور الدول المتقدمة في الوقت الحاضر.
وعن التشريعات التي يجب النظر فيها وتطويرها، قال أبدأ بعملي كمحامٍ أبدأ بقانون المحاماة الذي صدر في عام 1980 أي مر عليه أكثر من 29 عاماً ولم يطرأ عليه سوى تعديلات طفيفة لا تمس جوهر المهنة وهمومها ومشاكلها وزيادة عدد المحامين وتنظيم المهنة بما يؤدي إلى تطويرها وتحسين الأداء فيها كما فعلت دول الجوار بالنسبة لقانون المحاماة؛ لأن هذه المهنة هي مرآة المنظومة القضائية في البحرين إن تأثرت بالسلب تأثرت المنظومة القضائية و بالرغم من كل محاولات تطوير المهنة التي تقدمها الدولة من خلال المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل والجهات القضائية الأخرى بالتعاون مع جمعية المحامين البحرينية لمحاولة حل مشكلات المهنة المتزايدة إلا أنه وبدون صدور قانون جديد ينظم مهنة المحاماة سوف تظل المهنة في تدهور كبير، لذا نطالب بسرعة إصدار هذا القانون في القريب العاجل.
وأوضح بأن هناك قوانين أخرى تحتاج إلى تطوير رغم التعديلات المتكررة مثل قانون المرافعات المدنية والتجارية والتي تسعى الحكومة متمثلة في وزارة العدل بتطوير آلية إجراءات الدعوى المدنية لتصبح كل المعاملات إلكترونية بدلاً من الإجراءات الروتينية اليومية، حيث يحق لكل متقاض أو محامي إدارة دعواه من أي جهاز كمبيوتر ومن أي مكان بالعالم، وهي محاولات تسعى الوزارة لتحقيقها في القريب العاجل.
أما عن تقييمه لثقافة التقاضي في المجتمع البحريني، يرى أن الصحافة البحرينية لعبت دوراً بارزاً في السنوات العشر الأخيرة إلى رفع مستوى الثقافة القانونية للناس من خلال نشر الصفحات القانونية في أكثر من صحيفة بشكل يومي عن أهم ما يدور من قضايا جنائية ومدنية و إدارية في المحاكم، وهو ما ينعكس على الوعي القانوني للناس المتابعين لهذه الأخبار، فضلاً عن أن وسائل الإعلام الإلكترونية باتت أسرع في نقل المعلومات والأخبار القانونية وهو ما يولد عندهم ثقافة قانونية.
وأشار غنيم إلى أن قضايا الأسرة الأكثر انتشاراً في مملكة البحرين، فمن خلال الاحتكاك اليومي بالمحاكم، يمكن القول إن قضايا الأسرة هي أكثر القضايا في وجهة نظري انتشاراً في المجتمع البحريني. فقضايا الطلاق والحضانة والنفقة هي التي تحتاج إلى تدخل من كل جهات الدولة ذات الصلة للحد من المشكلات التي تصل بالزوجين إلى الانفصال دون الأخذ في الاعتبار لمستقبل أبنائهم الذين يجنون مصائب سلوك والديهم في عدم الحفاظ على استمرار روابط الأسرة، وبالرغم مما قدمته الدولة من مساعدات في هذا الجانب، وما قدمته سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حرم جلالة الملك، بشأن إنشاء محاكم شرعية منفصلة لشؤون الأسرة، إلا أن المشكلة ما زالت تتفاقم كمشكلة اجتماعية قبل أن تكون مشكلة قضائية، الأمر الذي يحتاج إلى تضافر جهود الكثير من الجهات للحد من هذه المشكلة.
وعن ملف المحامين، قال آه ومن القلب أقولها؛ نعم كما عبرتي أنه ملف شائك وشديد الخطورة بالنسبة للمحامين الجدد إذا ما ترك دون حلول وتدخلات فورية من قبل وزارة العدل بالتعاون مع جمعية المحامين البحرينية.
والسؤال يكمن أين أصل المشكلة وأسباب تفاقمها، كما تعلمين أنه وقبل عام 2003 لم يكن في مملكة البحرين جامعة وطنية أو خاصة تدرس منهج القانون، وكان خريجو الحقوق يحصلون على شهادتهم من جامعات عربية وأجنبية خارج مملكة البحرين، وكان عدد الحاصلين على هذه الشهادات عدد قليل يغطي حاجات السوق البحريني في مجال مهنة المحاماة وغيرها من المجالات القانونية الأخرى في جهاز الدولة أو في القطاع البنكي والخاص. وبعد عام 2003 فتحت جامعة البحرين أبوابها لأبناء الوطن لدراسة القانون و بدأت من العام 2004 تخريج أولى الدفعات وتوالت بعدها دفعات أخرى سنوية ولم تراع وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي بالدولة النظر إلى عدد الخريجين وحاجة السوق الوطني لخريجي القانون مما ترتب عليه بعد مرور 6 سنوات ظهور مشكلة تجاوز عدد خريجي القانون لسوق العمل البحريني في هذا المجال، فبات عدد خريجي جامعة البحرين الخاصة سنوياً يتجاوز 500 خريج مضروباً في عشر سنوات على الأقل فإننا نتحدث عن خمسة آلاف خريج قانون كل عشر سنوات فما هو السوق الذي يمكن أن يستوعب 500 خريج كل عام في دولة لم يتجاوز عدد سكان ما عليها مليون شخص موزعين على الحكومة والقطاع الخاص في حدود 100 خريج ويتبقى400 خريج سنوياً يقيدون أنفسهم في مهنة المحاماة. وبالتالي أصبح الملاذ الأخير لمن لا يجد عمل من خريجي القانون أن يحصل على رخصة المحاماة دون أن يجتاز أي اختبار في شؤون المهنة يكفيه سداد رسم القيد لوزارة العدل. كما أن عدم وجود قانون متطور لمهنة المحاماة يقيد لينظم هذه المهنة لخريجي القانون فاقم زيادة عدد المحامين الجدد وعدم قدرة مكاتب المحاماة التي يمكن أن تستوعبهم، ومع غياب الرقابة وعدم وجود القيود القانونية لتنظيم المهنة بدأ مستوى التدريب للمحامين متدني رغم ما يقدمه معهد الدراسات القضائية بقيادة مجلس أمانة المشكل من نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ووزير العدل، والنائب العام ووكيل وزير العدل ورئيس جمعية المحامين من جهود كبيرة وحثيثة لرفع مستوى تدريب المحامين، إلا أن ذلك لا يكفي لأن عدد المتدربين يكون في حدود الستين محاميا تقريباً من أصل 400 محام سنوياً. أضف إلى ما تقدم أن مستوى التدريب داخل مكاتب المحاماة ضعيف وأكثر المشاكل عدم منح هذه المكاتب الراتب المجزي للمحامي المتدرب بما يتناسب و حياته الاجتماعية كخريج قانون، أسباب كثيرة وهموم كثيرة للمحامين ليتم مناقشتها من خلال وزارة العدل و جمعية المحامين و كبار مكاتب المحاماة المهتمة بشؤون المهنة.
ومن هنا أدق ناقوص الخطر إلى أننا نسير على درب تدني المهنة إلى مستوى كبير ما لم يصدر قانون جديد ينظم هذه المهنة بما يحفظ للمحامي المتدرب كرامته وما يرفع من شأنه ويخدم مصلحته المحامين كباراً وصغاراً ويكون هناك انضمام إجباري للمحامين بعد تخرجهم لجمعية المحامين وإعطاء هذه الجمعية جزء من صلاحيات وزارة العدل في شؤون المهنة والتأديب فيها خاصة أن دور جمعية المحامين دور محدود في حل مشاكل المحامين الجدد رغم أن مجالس الإدارات المتعاقبة لعبت دور الشريك مع كل وزراء العدل السابقين والوزير الحالي في محاولات لتطوير المهنة والارتقاء بمستوى المحامي البحريني.
أما عن دور المحامي في خدمة مجتمعه، قال غنيم: أعتقد أن تاريخ مهنة المحاماة دور والمحامين البحرينيين من الرعيل الأول والحالي، وما قدموه من خلال مسيرتهم المهنية تزخر به مواقفهم المشرفة في المجال السياسي والتشريعي والقضائي. فكانوا أصحاب المشاورة في الكثير من التشريعات الوطنية، وكانوا أعضاء في الهيئة التأسيسية لإعداد ميثاق العمل الوطني والدستور عام 2001. وكانوا منارة في نشر الوعي القانوني لأبناء الوطن وسلاح الكلمة للدفاع وللرد على كل من تعرض للمملكة في الداخل والخارج بما يسيء إليها، كنا وما زلنا مخلصين للوطن في كل المحافل الدولية القانونية في اتحاد المحامين العرب واتحاد الحقوقيين العرب، فدور المحامي في خدمة وطنه في المجتمع باقي لا يموت في ظل تكاتفهم مع قيادتهم.
واختتم حواره بكلمة للمحامين الشباب الجدد، ينصحهم بأن مهنتكم هي مهنة الصبر، لا ينجح فيها متسلق أو جاهل أو ساعي للمال دون عمل، من يرد أن يكون محامياً حقاً عليه بالصبر أولاً والاجتهاد في التعليم والتحلي بأدب وأخلاقيات المهنة، والسمعة الطيبة والتواضع لكل إنسان فالسمعة في هذه المهنة لا تشتري بالمال بالأمانة المهنية هي رأس المال الحقيقي لمحامي، من يفتقد هذه الصفات فلا يصلح أن يكون محامياً، ومنذ أن أصبح لي مكتب محاماة رسالتي هي تخريج أكبر عدد من المحامين آداب مهنتهم على أكتافهم متسلحين بإحقاق الحق ونصرة المظلوم وأن سمعة المحامي قبل الدينار الذي يعمل به.
.