ريانة النهام
طرح الناشر والناقد الكويتي فهد الهندال سؤالاً مهماً فحواه "هل الأدب في خطر في ظل عصر المعلومات؟".
وأمام جمع من الكتاب والمثقفين البحرينيين، حاول الهندال أن يقدم إجابة غير مباشرة عن السؤال عبر توصيف للعلاقة الملتبسة بين الأدب من ناحية، ووسائل التواصل الاجتماعي من ناحية أخرى.
وكانت أسرة الأدباء والكتاب نظمت فعالية بعنوان "ليلة ثقافية كويتية" على مدى يومين، تناولت علاقة الأدب بوسائل التواصل الاجتماعي، وأندية القراء والمختبرات السردية. في مركز عبدالرحمن كانو.
وناقشت الليلة الكويتية الثقافية الأولى أندية القراءة ومختبرات السرد في الكويت، واستعرضت مريم علي أمام حضور من الأدباء والكتاب البحرينيين دور أندية القراءة في الكويت، وعملها كمسؤولة عن نادي القراءة بالكويت في تعزيز قيمة الكتاب.
فيما أوضحت الروائية هديل الحساوي أهمية مختبرات السرد بالكويت ودورها في تشجيع جيل الشباب على القراءة، من حيث إقامة فعاليات مختبر السرد باختيار كتاب كل شهر ومناقشته ونقده من قبل الناقد والقارئ وبحضور الكاتب نفسه.
الأدب ليس بعيداً عن مواقع التواصل
وناقشت الليلة الثانية الأدب ووسائل التواصل الاجتماعي، وقدمها الناشر والناقد الكويتي فهد الهندال، بإدارة الشاعر البحريني كريم رضي.
وقال الهندال إن "العالم اليوم بات أصغر من كف اليد. في الماضي كان يقال إن العالم غرفة كونية واليوم أصبح العالم كفاً كونية، من خلال الجهاز المحمول الذي جعل الأفراد يصلون لأصغر بقعة في الأرض، وساعدهم في الوصول لأي نشاط ثقافي في العالم، كما ساهم في التعرف عن كثب على حياة الكتاب واهتماماتهم وتفكيرهم السياسي".
وأكد الهندال أن الأدب ليس بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلاً عما إذا كان الأدب في ظل عصر المعلومات في خطر. وأوضح "ربما يرى البعض أن السؤال فيه مبالغة، وآخرون ربما يعتقدون أنني أحاول أن أصل بطريقة مثالية بين الأدب ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن يوجد كتاب صدر للكاتب والناقد الفرنسي تزفيتان تودوروف بعنوان "الأدب في خطر"، حذر فيه من تخلي الأدب عن وظائفه الإبداعية المحركة للتفكير، ليصبح مجرد أداة للعبث بفعل التسطيح المتعمد لأهميته، والتخلي عن دوره المفترض في توعية المجتمع والثورة على الجمود العقلي في حين من المفترض أن يساعدنا الأدب على العيش، وبعيداً عن أن يكون الأدب متعة بسيطة وتسلية للأفراد المتعلمين فإنه يسمح لكل فرد أن يعيش بشكل أفضل بوصفه كائناً إنسانياً".
وقال الهندال "كم هائل من الكتابات اجتاحت سوق النشر، ونرى اهتمام الناشرين في أن يكون لهم حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغبة كثير من الكتاب في أن يكونوا في ذهنية المتلقي في أسرع صورة ممكنة. في السابق كان الكتاب يصل إلى مناطق الدولة الواحدة بعد وقت طويل جداً، فما بال المناطق البعيدة أو الدول الكبرى، لم يكن لدى الناشرين وسيلة سوى معارض الكتاب، وأنا عاصرت وشهدت أهميتها واختلاف مستواها على فترات زمنية، فهل معارض الكتب اليوم هي ذاتها معارض الكتاب السابقة؟".
وأضاف "منذ أيام عدت من معرض الكتاب في الشارقة، ووجدت أن المعارض لم تعد تكسب التأثير السابق على المتلقي، فالناس صارت تتعامل مع معرض الكتاب مثل تعاملها المجمعات التجارية يرتادونه ليتجولوا بين أروقته، وقلة من يأتون من أجل كاتب أو كتاب معين. بعض الناشرين كانوا يتساءلون ما إذا كانت معارض الكتاب تضع اشتراطات محددة أدت إلى سوء الإنتاجية، أم أن الأمر يتعلق بظروف المواطن أو المقيم وأولوية الحاجة المادية الاستهلاكية على الأمور الأخرى مثل شراء الكتاب".
وذكر الهندال أن "القارئ في المغرب لم يعد ينتظر معرض الكتاب في الرباط ليقتني الكتاب الذي يريده، لأنه فعلياً عندما يصدر الكتاب سيكون متاحاً لديه في بضعة أيام وبالتالي لن ينتظر عاماً كاملاً ليقتني الكتاب. كذلك القارئ في الخليج العربي لن ينتظر كتاباً صدر في بيروت أو مصر ليقتنيه في معرض الكتاب إنما سيحصل عليه في الوقت ذاته".
ولفت الهندال إلى أن "الأمر يعود لقدرة الناشر على التسويق للكتاب والجانب الآخر يتعلق بالكاتب. بعضهم يرون أن الكاتب ليس من مهامه أن يتواصل مع العالم عبر حساباته الشخصية، أو أن يكون فعالاً وحاضراً في مواقع التواصل الاجتماعي، فهو أنجز الكتاب وأرسله إلى المطبعة، لكن نحن الآن في عصر السرعة، بمعنى أدق اليوم بات لدينا مزاجية قارئ وليس ذائقة قارئ، سابقاً كنا نعتمد على الذائقة التي تميز العمل الجيد من العمل الأقل جودة والذي يكون بحاجة إلى مران أكثر بصورة مكثفة ليطور من أدائه، اليوم أصبح علينا أن نواكب ما يرغب به القارئ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".
وقال الهندال "اليوم عندما نذهب إلى معارض الكتاب نجد طوابير طويلة تتجمع أمام الكاتب الشاب وتكاد تكون قليلة أو معدودة أمام الكاتب المعروف الذي يمتلك إصدارات وإبداعات كثيرة وثقافة وتاريخ مهم لمسيرته الأدبية، ربما البعض منا يلقي باللائمة على ذائقة المتلقي، لكن الواقع يقول إن الشريحة الأكبر والمحركة لهذه الذائقة اليوم هم الشباب فهم أكثر فعالية وحضوراً في مواقع تواصل الاجتماعي. لكن هل ستدخلنا الثورة المعلوماتية في نفق لا نعرف مستقبل الأدب فيه، أم إنها ستظهر لنا طريقاً جديدة للاستفادة من التكنولوجيا لتسويق الأدب الرفيع من خلاله".
واستشهد الهندال بما قاله د.علي الوردي في كتابه "أسطورة الأدب الرفيع" حيث يرى أن الأدباء في السابق كانوا يهتمون بنخبة معينة من الأدباء، وذكر في إهداء كتابه: "إلى أولئك الأدباء الذين يخاطبون بأدبهم أهل العصور الذهبية الماضية، عسى أن يحفزهم الكتاب على أن يهتموا قليلًا بأهل هذا العصر الذي يعيشون فيه ويخاطبوهم بما يفهمون، فلقد ذهب عهد الذهب واستعاض عنه الناس بالحديد".
وأوضح الهندال "عندما نجد الإقبال كبيراً على الكتاب الشباب ليس فقط في المعارض إنما على مدى العام وفي مختلف المناسبات والأماكن فهذا بفضل استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مادفع كثيراً من الشباب والأدباء الكبار إلى أن يكون لهم حضور مميز وفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال الروائي العالمي باولو كويلو لديه حساب على "تويتر" باللغة العربية، ويدار من قبل المقربين منه لينشر من خلاله آرائه في مختلف الأمور".
وشدد الهندال على أهمية الحضور الفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الاستمرار في التقليل من أهمية هذا الجانب. وأضاف "الآن تغير الحال، صحيح أن البعض يرى أن الأمر حديث ومبتكر، لكن اليوم يجب على الكاتب ألا يضع الكتاب في عدد من المكاتب والمعارض ويكتفي بحفل توقيع، فالناس إذا ملكوا ذاكرة فهم أيضاً سريعو النسيان، فكيف يستطيع الأدب الجيد أن يطغى على الأقل جودة؟ سينجح في ذلك من خلال الحضور الفعال عبر المنصات السائدة في الزمن الحالي، كيف نستطيع أن نزيد الوعي ونحن نبتعد عن الشارع ولا نتشارك معه حتى في الحوار؟!".
ولفت الهندال إلى استغلال البعض وسائل التواصل الاجتماعي بشكل سيئ من خلال إثارة الكراهية والعداوة ومحاولة خلق نزاعات عميقة بين أبناء المجتمع الواحد، لكنه أضاف "يجب أن ننظر إلى الجانب الآخر أو الممتلئ من الكأس، هناك من استفاد من هذه الحسابات وهذه المواقع لتقديم فكر راق يحاور فيه الجيل المستخدم لهذه الوسائل".
وأشار الهندال إلى أهمية إلمام الكاتب بكيفية إدارة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تكليف من يلم بذلك لإدارتها، معبراً عن إعجابه بمن ينشر ما خطه في كتبه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهي وسيلة جميلة ليقرأ الجميع للكاتب من مختلف الفئات العمرية.
وتساءل الهندال "لماذا ننتقد بعض روايات الكتاب الشباب بشكل قاس، لماذا لا نسأل عن سبب احتشاد عدد كبير من الشباب في كل مرة لدى هؤلاء الكتاب. على سبيل المثال، حقق علي نجم حضوراً إعلامياً من خلال وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي، واستطاع استغلال المنصات الاجتماعية من أجل أن يكون لديه جمهور، لكن البعض يرى أن هذا ليس مقياساً".
وبين الهندال أن "العلاقة ليست مرتبطة بثلاثة أطراف فقط هم الكتاب والمتلقي والناشر، إنما دخلت أطراف أخرى تفرض معادلة مختلفة للعامل المشترك وهو التطور المذهل للثورة المعلوماتية التي أنجبت بشكل شرعي وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبحنا المرسلين والمستقبلين في آن واحد، وجزء من مجال هذه الثورة التداول الذي يعد لغة العصر الجديدة كونه يعني الفكاك من المنزع النرجسي".
وأضاف "من خبرتي في عالم النشر الذي خضت فيه بدايتي ككاتب، وجدت أن المتتاليات الجديدة متغيرة وتطوف على الساحة الفنية، فاليوم أصبحنا لا نقرأ الصحافة الورقية إنما نعتمد على الصحافة الإلكترونية وتطبيقات الصحف".
وتساءل الهندال عما إذا كانت هناك نجاة للأدب الرفيع في هذا الطوفان.
وقال الهندال وفقاً لخبرته في مجال النشر أكثر من 10 سنوات إنه يجد شراكة بين الكاتب والمتلقي "حيث يشكلون أضلاعاً متساوية لمثلث الإبداع والتواصل فإذا اختل أحد الأطراف فلا يمكن أن نلقي بالمسؤولية على طرف دون آخر لأننا بذلك لا نخدع إلا أنفسنا".