حسن الستري
لم يكن الطلب الحكومي بالاحتكام لهيئة التشريع والرأي القانوني لعرض الاختلاف في وجهات النظر حول القواعد الحاكمة للمدد القصوى للجان التحقيق البرلمانية أمراً مستغرباً، اذ سبق للحكومة على لسان وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب غانم البوعينين أن طعنت على التمديد للجان التحقيق لأكثر من 4 أشهر، مؤكدة أنه يخالف المادة 69 من الدستور التي تنص على أنه "يحق لمجلس النواب في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضواً أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاصات المجلس المبينة في الدستور، على أن تقدم اللجنة أو العضو نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدء التحقيق، ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم".
اللافت في الأمر، أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب تفتح المجال لمدد تصل إلى 8 أشهر، ويكتنفها غموض يحتج به النواب لتمديد عمل اللجان لأكثر من 8 أشهر، اذ تنص اللائحة على "يجب أن تقدم نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدئه. وإذا تعذر تـقديم التقرير إلى المجلس فى الميعاد المقرر، وجب إعداد تقرير للمجلس يتضمن العقبات والأسباب التى أدت إلى هذا التأخير، وللمجلس أن يمد هذه المهلة لمدة أو لمدد أخرى لا تتجاوز جميعها أربعة أشهر أو يتخذ ما يراه مناسباً فى هذه الحالة"، وهو ما يعني أن الحكومة مطالبة باللجوء للمحكمة الدستورية لإبطال هذه المادة لكي تلزم النواب بإنهاء التحقيق خلال 4 أشهر، وهو ما أشار له النائب محمد عيسى في جلسة مجلس النواب.
الطلب الحكومي تلقاه النواب بالاستهجان والرفض، ورأوا أن الحكومة تسعى إلى تقليص صلاحية المجلس عبر تحديد مدد لجان التحقيق بأربعة أشهر، لأن السبب في رأيهم في تمديد عمل لجان التحقيق هو "عدم تعاون الجهات الحكومية مع لجان التحقيق".
غير أن الطلب الحكومي لم يأت بناء على قناعات حكومية صرفة، بل سبقه اقتراح نيابي في الفصل الماضي بحصر عمل لجان التحقيق في أربعة أشهر وحذف حق المجلس في التمديد، وحصر عضوية لجان التحقيق في سبعة أعضاء شريطة وجود مقدمي المقترح في اللجنة، كما حدد الاقتراح أسبوعاً لتقديم اللجنة مبررات تجاوز المدة المحددة للتحقيق.
وأعطت التعديلات المقترحة الحق لثلاثة نواب في تقديم طلب التحقيق بدلاً من 5 المعمول به حالياً، وأوجبت على الجهات المختصة التعاون وتقديم البيانات أو الوثائق أو المستندات.
التعديلات التي أقرتها اللجنة التشريعية ورفضها المجلس النيابي وقتئذ، نصت على أنه يجب أن تقدم نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدئه. وإذا تعذر تقديم التقرير إلى المجلس في الميعاد المقرر، وجب إعداد تقرير للمجلس خلال أسبوع يتضمن العقبات والأسباب التي أدت إلى هذا التأخير، والنتائج الأولية إن وجدت.
يومها وقف وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب غانم البوعينين ليؤكد أن "مجلس النواب يخالف الدستور منذ 15 عاماً بتمديد لجان التحقيق. وقد استغرقت إحدى لجان التحقيق 28 شهراً بدل الأشهر الأربعة المنصوص عليها، ما فوت الهدف من التحقيق"، وقال للنواب "أقسمتم على احترام الدستور وتريدون مخالفته!"، وهو ما أكده مستشار مجلس النواب د.صالح الغثيث بقوله "إن المطبق حالياً يخالف النص الدستوري".
وكان البوعينين يشير إلى لجنة التحقيق في أملاك الدولة التي تجاوز عملها 28 شهراً، إذ شكلت في نوفمبر 2007، وقدمت تقريرها في مارس 2010.
3 لجان فقط أنجزت عملها في 4 أشهر
وأظهر رصد أجرته "الوطن" أن غالبية لجان التحقيق التي شكلت خلال الفصلين الماضيين تجاوزت مدة الأشهر الأربعة، باستثاء 3 لجان، هي لجنة تحقيق في بعض المشاريع الخدمية التي التزمت الحكومة بإنشائها في برنامج عملها للسنوات 2015 - 2018. وأنشئت اللجنة في يناير 2018، وقدمت تقريرها في مايو 2018، ولجنة التحقيق في طلبات الإسكان المتأخرة التي شكلت في فبراير 2014 وقدمت تقريرها في يونيو 2014، إضافة إلى لجنة تحقيق في الخلل والمخالفات الحاصلة في شركة نفط البحرين (بابكو) التي شكلت في مارس 2011 وقدمت تقريرها في أبريل 2011.
أما لجنة التحقيق في صناديق التقاعد التي تدار من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، فأنشئت في يناير 2017 وقدمت تقريرها في مارس 2018، ولجنة التحقيق في الخدمات الطبية بالمستشفيات والمراكز الطبية الحكومية أنشئت في يناير 2017، وقدمت تقريرها في يناير 2018.
وشكل المجلس لجنة تحقيق في مخالفات الإعلانات التجارية في ديسمبر 2015، في حين قدمت تقريرها في مايو 2017. كما شكل لجنة تحقيق في تدهور الأوضاع المالية والإدارية لشركة ممتلكات البحرين القابضة والشركات التابعة لها في أبريل 2015 وقدمت اللجنة تقريرها في مايو 2016. وكذلك لجنة التحقيق في واقعة تلحين القرآن الكريم بإحدى المدارس الخاصة أنشئت في مارس 2015، وقدمت تقريرها في فبراير 2016.
وفي الفصل التشريعي الماضي، شكل المجلس لجنة تحقيق في ظاهرة العمالة السائبة (الفري فيزا) في مارس 2015، وقدمت اللجنة تقريرها في فبراير 2018. كما شكل لجنة تحقيق في قضية اللحوم الفاسدة في فبراير 2015، وقدمت اللجنة تقريرها في فبراير 2016.
وفي الفصل التشريعي الثالث، شكل المجلس لجنة تحقيق في الرقابة على دور الحضانة في ديسمبر 2013 وقدمت اللجنة تقريرها في مايو 2014. كما شكل لجنة تحقيق في نظام تصريف الأمطار في ديسمبر 2013، وقدمت اللجنة تقريرها في مايو 2014. وكذلك لجنة التحقيق في قضية اللحوم والمواشي والحظائر، إذ أنشئت في أبريل 2013 وقدمت تقريرها في يناير 2014.