حسن الستري

رفضت لجنة الخدمات النيابية مشروع قانون بإضافة بند جديد للفقرة (ب) من المادة (24) من القانون رقم (19) لسنة 2006، بشأن تنظيم سوق العمل، والمتضمن تقديم العامل شهادة حسن سيرة وسلوك صادرة من الجهات المختصة في بلده ومصدق عليها من سفارة مملكة البحرين تثبت عدم صدور أحكام جنائية ضده.

وبررت اللجنة بأن مشروع القانون يتعارض مع السياسة العامة للدولة ورؤيتها الاقتصادية التي تعمل على تشجيع وجذب الاستثمارات للمملكة، وتهيئة البيئة الجاذبة لها، وتبسيط إجراءات استقدام العمالة الأجنبية. ولذلك فإن الموافقة على هذا المشروع سوف تنعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني.

وذكرت اللجنة أن الغاية المرجو تحقيقها من خلال مشروع القانون متحققة بالفعل من خلال قانون الأجانب (الهجرة والإقامة) لسنة 1965 بحسب المادة (18) منه، وكذلك القرار رقم (76) لسنة 2008 بشأن تنظيم تصاريح عمل الأجانب من غير فئة خدم المنازل، والذي نص في البند (12) منه على ألا يكون قد سبق ترحيل العامل الأجنبي أو إبعاده من المملكة لأسباب جنائية بسبب مخالفته لأحكام قانون تنظيم سوق العمل أو القرارات الصادرة تنفيذًا له كأحد شروط منح صاحب العمل لتصريح العمل باستخدام عامل أجنبي، كما أن التعديل المقترح سيثير بعض الصعوبات العملية في التطبيق ويعيق أعمال المستثمرين، وذلك أن عدد سفارات مملكة البحرين في الخارج وتوزيعها الجغرافي لا يغطي الدول التي تشكل جملة العمالة الوافدة إلى المملكة، ما سيزيد من الأعباء المالية للاستقدام التي يتكبدها صاحب العمل في حالة بُعد مكان إقامة العامل عن مكان وجود سفارة مملكة البحرين أو قنصليتها في موطنه.

وأوضحت اللجنة أن مملكة البحرين لديها (22) سفارة فقط من أصل (194) دولة، وإن العديد من الدول لا توجد للمملكة سفارات فيها، كبنغلاديش والفلبين والتي تعد من أهم الدول في استقدام العمالة الأجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى استحالة حصول العامل الأجنبي على تصديق السفارة على شهادة حسن السيرة والسلوك، ومن ناحية أخرى.

وعلى فرض قيام السفارة بالتصديق على هذه الشهادة، فإن السفارة لا تتحقق من صحة مضمون الشهادة، ولا تتحمل مسؤوليتها، ذلك أن السفارة تصادق على صحة توقيع وزارة الخارجية للدولة التي صدرت عنها الشهادة، كما أن السفارات عادة ما يكون مقرها في عاصمة الدولة، وإن العمالة الأجنبية قد تكون من مدن بعيدة جدًا عن العاصمة، كما هو الحال بالنسبة للعمالة الهندية التي تعمل في البحرين فمعظمها من مدينة كيرلا التي تبعد مسافة كبيرة عن العاصمة نيودلهي.

وأشارت اللجنة إلى تعاون مشترك بين الأجهزة الأمنية في جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعميم موحّد على جميع الأسماء غير المرغوب في دخولها مملكة البحرين أو أي دولة من دول المجلس، وأن هذه الأجهزة تتولى متابعة الجنسيات التي ترتكب الجرائم، وتتخذ الإجراءات اللازمة للحد من استقدام العمالة من مواطني تلك الجنسيات، وذلك وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة.

وذكرت اللجنة أن العمالة الأجنبية في القطاعين الحكومي والخاص المقيمة بالمملكة من جنسيات مختلفة وتشغل مهناً متفاوتة من حيث المستوى العلمي والوظيفي، فمنهم المهندس والطبيب والمستشار وعامل البناء وخدم المنازل وغير ذلك من المهن، الأمر الذي يكون معه إضافة التعديل المقترح في شأن توظيفهم يثير صعوبات كثيرة تعيق استقدامهم، وخاصة في الأحوال المستعجلة.

وأشارت إلى أن "النص على التعديل المذكور في القانون يوجب على السلطات المختصة تطبيقه، ومن الصعوبة تعديله لاحقاً في حال وجود أية معوقات، وإنه من الأفضل إصداره بقرارات تنظيمية، ولنا في تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة خير مثال على ذلك، حيث أصدر مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة قراراً بوجوب إحضار العامل الأجنبي شهادة حسن السلوك من بلده، إلا أنه ألغى القرار بعد مرور ما يقارب شهرين من صدوره وذلك لصعوبة تطبيقه".

ولفتت اللجنة إلى أنه يتعذر على الجهات المختصة في مملكة البحرين التحقق من صحة شهادات حسن السيرة والسلوك التي يقدمها العاملون الأجانب، لكونها صادرة بلغات كثيرة يتعذر ترجمتها، ويتعذر التأكد من عدم تزويرها إلا بعد الرجوع إلى الجهة التي أصدرتها في بلد العامل الأجنبي، الأمر الذي يكلف مملكة البحرين أعباء مالية باهظة، وجهوداً إدارية كبيرة.

وأشارت اللجنة إلى أن هيئة تنظيم سوق العمل مطالبة بتنفيذ مشروع القانون حرفياً في حالة إقراره، وبالاطلاع على أعداد العاملين في مملكة البحرين الذين تنتهي تراخيصهم ويتطلب تجديدها، والأعداد الأخرى التي تستقدم من الخارج، فإن هيئة تنظيم سوق العمل ستكون أمام أعداد هائلة توجب تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك من بلدها الأصلي، مما سيؤدي إلى تعطيل حركة النشاط الاقتصادي، وتعطيل مصالح أرباب العمل، والشركات التجارية، والبنوك، والمستشفيات، والتعليم العام والخاص، وخدم المنازل، وكل ذلك ليس في صالح مملكة البحرين، إذ إن الهيئة تنظر في (,730515) طلب، يتضمن (,048303) طلب تجديد، و(,682212) طلب تصريح عمل جديد، ينقسم إلى (,98487) تصريح عمل جديد من خارج البحرين، و(,75189) تصريح عمل جديد من داخل البحرين، و(,94734) تصريح انتقال للعامل من داخل البحرين، وفيما يتعلق بخدم المنازل، فإن الهيئة تنظر في عدد (,27838) تصريح عمل جديد، وعدد (,90923) تصريح تجديد، بما مجموعه (,18762) طلب.

كما أن هناك بعض الدول لا تمنح أصلاً شهادة حسن السيرة والسلوك لمواطنيها كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وقد تكون البحرين بحاجة ماسة للعاملين من هذه الدول، وخاصة في مجال البنوك والنفط والغاز والطب والتعليم، وغيرها من المجالات الأخرى، الأمر الذي يؤدي في حال فرض هذه الشهادة إلى حرمان البحرين من العمالة ذات الخبرات النادرة من هذه الدول.

وأشارت اللجنة إلى أن هناك أعداداً من العاملين في مملكة البحرين استقدموا إلى البحرين من غير دولهم الأصلية، فكيف يمكن لهم تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك رغم عدم إقامتهم في بلدهم الأصلي، كما يوجد عدد كبير من العاملين في مملكة البحرين من مواطني بعض الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار واضطراب الأوضاع الأمنية فيها، مما يتعذر عليهم مراجعة بلدانهم للحصول على هذه الشهادة، كذلك الأمر بالنسبة للعمالة الأجنبية المقيمة في البحرين، عندما ترغب بتجديد تصريح العمل، فالأمر يتطلب تقديم هذه الشهادة في كل مرة يطلب أصحاب العمل تجديد التصريح، فهل تقدم هذه الشهادة من بلد العامل الأجنبي أم يحصل عليها من إدارة التحقيقات الجنائية في مملكة البحرين، حيث إن مشروع القانون لم ينظم ذلك.

ورأت اللجنة أن الموافقة على مشروع القانون يحمل الأجهزة الإدارية في مملكة البحرين أعباء فنية ومالية كبيرة لا مبرر لها، إذا تبيّن للجهات الأمنية المختصة في مملكة البحرين أية ملاحظات أو معلومات أمنية أو جنائية على استقدام بعض الأجانب للعمل في البحرين، فإن هذه الجهات تختص بمنع دخولهم استنادًا للقوانين والقرارات التنفيذية الصادرة من السلطات الأمنية.

وبيّنت اللجنة أن مشروع القانون يشمل خدم المنازل ومن في حكمهم كالسواق والزراع والطباخين، وأن فرض الحصول على هذه الشهادة كشرط لاستقدام هذه الفئات سوف يؤثر على العوائل البحرينية، ويحملها نفقات إضافية، وسيؤخر حصولها على هذه الخدمات.

كما أن فرض تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك على الأجانب العاملين في مملكة البحرين سوف يدفع الدول الأخرى باتخاذ إجراء مماثل بالنسبة للبحرينيين، وخاصة الطلبة الذين يدرسون في خارج البحرين، مما يجعل نتائج هذا المشروع سلبية على المواطن البحريني.

كما أن مشروع القانون يوجب على العامل الأجنبي تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك، ولم يعالج حالة أفراد عائلة هذا العامل (زوجته وأولاده)، إذ إن الجرائم قد لا ترتكب من العامل نفسه، بل من أحد أفراد عائلته، وأيضاً لم يعالج مشروع القانون حالات الأجانب الذي يدخلون إلى مملكة البحرين بتأشيرة زيارة لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر أو أكثر، حيث قد يرتكب أي من حاملي هذه التأشيرات لأفعال مخالفة للقانون.

وأشارت اللجنة إلى أن التشريعات السائدة منحت الجهات القضائية والسلطات الإدارية المختصة سلطة إبعاد الأجنبي الذي يرتكب أفعالاً جنائية بعد تنفيذ العقوبة الجنائية، وبالتالي ليس هناك حاجة أو ضرورة لهذا التعديل.