قال الباحث التاريخي د.جمال آل خرفوش إن نتائج المؤتمر الصحفي الذي عقدته هيئة البحرين للثقافة والآثار الأحد، في تلة مسجد الشيخ مالك الأثرية، جاءت "متسقة تماماً" مع ما قرره في "أطروحة الدكتوراه" التي أنجزها العام 2018 بعنوان "المسيحية النسطورية في البحرين قبل الإسلام- قرية سماهيج". وأضاف أن الاكتشاف أكد عملياً ما ذهب إليه الباحث نظرياً من ضرورة وجود أدلة أركيولوجية (l'archéologie) لآثار مسيحية تحت الأرض السماهيجية.
وقال آل خرفوش، في بيان الخميس، إن "نتائج عملية التنقيب في مقبرة سماهيج كانت متوقعة جداً وإلا لما كنا أول من نادى وتحرك لأجل حسم موضوع مسجد الشيخ مالك الأثري سواء لصالح إدارة الأوقاف الجعفرية أو هيئة االبحرين للثقافة والآثار العام 2014، وهو مما لا يخفى على الأهالي ولا الجهتين الرسميتين المذكورتين ولا على فريق العمل المختص الذي كنا نتابعة خطوة بخطوة".
وأضاف آل خرفوش "في الأطروحة أكدت استنكار استثناء جزيرة المحرق من التنقيب بصورة عامة، وقرية سماهيج بصورة خاصة، وذكرت أن بعض محاولات فرق التنقيب الأجنبية لم تتمكن من استكمال التنقيبات ضمن طبقات أعمق مما تم التنقيب فيه، وهو عيناً ما تطرق له الباحثان "روبن" و"بوكامب" في بحثهما القيم الموثق مترجماً من الفرنسية عبر د.ميثم الخور في كتاب "سماهيج في التاريخ"، ونصه التالي "ونعيد إلى الأذهان ما قاله المبشرون الأمريكيون عن سماهيج عندما سألهم عنها شاشو العام 1914 فأجابوا "توجد أساساً تقديمة تحت الأرض في بعض المواضع فقط، لكن المدينة الحالية تقع فوق، وهكذا لم يبق على سطح الأرض أي طلل من أي صنف كان، ويبدو أن العرب لا يعرفون شيئاً عن هذا الموضوع، سوى أن عبدة الأوثان قد عاشوا في هذه البقعة منذ زمن بعيد موغل في القدم إلى درجة أنه لم يسمع به أحد منهم سوى أولئك الذين يقرؤون صحف زماننا، ولم يحدث أن كتب شيء من هذا القبيل في كتبهم لكي يتعلمه أهل البلاد الحاليون"".
وأشار إلى أن "الأطروحة ركزت على ما يلاحظ من أن سماهيج الجزيرة وكذلك المدينة تخلوان تماماً من الكنائس، وهو أمر واضح فلم تدل أي عملية تنقيب على وجود أثر لكنيسة في هذه الجزيرة، وإنما كانت أديرة صغيرة كما كان في قلالي وبعض الصوامع المنعزلة كالتي في الدير، ومن الجلي أن الكنائس الحديثة في أرخبيل البحرين حالياً تتمثل في الجزيرة الأم وبالخصوص منطقة المنامة. وبينت ما تشير له المصادر من وجود دير بسماهيج يقع في حي "العالي" أقدم أحياء سماهيج سكناً على ارتفاع يتراوح بين 8-9 أمتار، وهو السقف الأعلى للارتفاع في قرية سماهيج، وقد عوينت أطلاله من قبل أهالي سماهيج وفيه صلبان محفورة في الصخر واستخدمت منذ حوالي العام 1900 كمحاجر".
ولفت آل خرفوش إلى أن "مسجد الشيخ مالك الأثري نال حصة جيدة من الأطروحة إذ ذكرت أنه يعتقد بناؤه على كنيسة أو دير وهو من المساجد الصغيرة في قرية سماهيج يتمثل في أكمة تعد الأكثر ارتفاعاً في مقبرة سماهيج التاريخية، على ارتفاع 9 أمتار. كما لم تغفل الأطروحة "دير الراهب" المشهور".
وأضاف "جاء الإنجاز الأركيولوجي اليوم ليثبت النقش على العرش ويثبت وجود بناء تحت المسجد أوسع منه مقسم على شكل غرف ومرافق أشبه ما يكون بالكنيسة أو الدير، فيما عثر على كسر فخارية تحوي على شعار الصليب الذي هو رمز للمسيحة أكثر منه مادة معبودة، فلا يعني وجود الصليب لدى المسيحي أنه يعبده، وقد عرف عن النساطرة نزوحهم للعقائد الحقة وانحرافهم عن العقائد الباطلة حتى خلعت عليهم تهمة "الهرطقة"".
وأوضح "مجرد اكتشاف مبنى أسفل المسجد كاشف عن وجود أثر مسيحي لأسباب عدة: أهمها ما ثبت في التاريخ من أن المسلمين عموماً وأهل البحرين خصوصاً لما عادت بعثتهم التي التقت النبي (ص) في عام الوفود حولوا كل كنائسهم إلى مساجد، أي كانوا يهدمون الكنسية ويبنون على أساساتها مسجداً أو يحولون استخدام الكنيسة إلى استخدام مسجد مع تغيير ما يلزم، يضاف لذلك استحالة بناء مسجد على غير كنيسة، فليس من المعقول أن يبنى المسجد على بناء سابق إلا إذا كان بغرض تحويل الكنيسة لمسجد، يسند ذلك ما وجد من شعار الصليب في كسرة فخارية مزججة (بلورية) فضلاً عن بعض الكتابات المنقوشة على الجدران، ومن غير المعقول أن يكون المبنى السفلي مسجداً لأنه من غرف عدة ومرافق كتفصيل بناء الكنيسة أو القلاية، ومن غير المنطقي بناء مسجد على مسجد، ثم إن البناء تحت الأرض هو من آثار المسيحية الواضحة".
وأشار آل خرفوش إلى مسألة مهمة تتعلق بحقبة الأثر المكتشف التي تعود بحسب المختص إلى القرن السابع الميلادي أي بدايات ظهور الإسلام واشتداد عوده، "فإن صحت النسبة فإن عام الوفود يصادف حوالي عام 630م أي الثلث الأول من القرن السابع الميلادي، وعليه يكون المسجد قد أسس على أنقاض كنسية أو دير أو قلاية بعد إعلان الإسلام مباشرة، وإن كان لا يمنع من تأسيس المسجد في وقت لاحق متأخر بعد هجران المبنى واهترائه كونه في منطقة مرتفعة ونائية نسبياً ولا يقصده بطبيعة الحال المصلون إلا نادراً، وهو ما عرفه أهالي سماهيج عن مسجد الشيخ مالك الذي لم يكن من المساجد المعتمدة للصلاة".
وقال آل خرفوش "نوجه عناية كل مختص أو مسؤول بأنه بغض الطرف عن نتائج التنقيب الحالية والمستقبلية التي نفخر بها وتضيف رصيداً لتاريخ المنطقة، فإن ذلك لا علاقة له بما ثبت من مسجدية المكان المخصص المعروف بمسجد الشيخ مالك المسجل في إدارة الأوقاف الجعفرية، فلا مساس بمسجديته وما يترتب عليها من أحكام وقفية إسلامية معلومة، فليبق المسجد مسجداً ولا ما نع من بقاء ما سواه أثراً تاريخياً يكون شاهداً على حقبة تاريخية مهمة".
وأضاف "نشد على يد العاملين والمتابعين والمسؤولين في هذا المشروع الجبار المهم،.كنا ولا نزال سنداً وظهراً لتوثيق تاريخنا المشرف، ونعد أهالي البحرين عموماً وسماهيج خصوصاً بأن موعد طباعة الأطروحة بات قريباً حيث استصدرنا ترخيصاً للطبع وحقوق النشر والتأليف، وهو أمر لازم لمثل هذه الأعمال النوعية، وإن غداً لقريب".