سنتناول في هذا المقال التوثيقي، وعلى جزأين، التعليم العالي وعلوم المستقبل، وأهميتهما للمرأة، خاصة ونحن نعيش في مناسبات واحتفالات سعيدة كبرى، إحياء لذكرى قيام الدولة البحرينية في عهد المؤسس أحمد الفاتح كدولة عربية مسلمة عام 1783 ميلادية، وذكرى انضمامها في الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، وذكرى تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد مقاليد الحكم. لتأتي تلك المناسبات متوافقة أيضاً مع اعتماد المجلس الأعلى للمرأة خلال اجتماعه الثالث للدورة السادسة، وبرئاسة سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم، قرينة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، شعار "المرأة البحرينية في مجال التعليم العالي وعلوم المستقبل"، ليكون العنوان، احتفاءً بالمرأة البحرينية ودورها في التعليم سابقاً ولاحقاً.
في تقريرٍ لها، نشرت الأمم المتحدة عن أهدافها للتنمية المستدامة للعام ٢٠٣٠، وبالتأكيد كان لضمان جودة التعليم العالي، وتجويد مخرجاته وتطوير قدرات وطاقات مؤسساته التعليمية بشكل شامل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة لجميع الأفراد، ودعم مقومات الصناعة والابتكار والإبداع لدى منتسبي مؤسسات التعليم العالي أثر كبير في ترسيخ واستدامة تلك الأهداف التنموية وفق خطط قصيرة وبعيدة المدى.
هذا، ولتأكيد دور المرأة على اهتمامها وإدراكها لدور التعليم، بل لدور الجامعات أيضاً لا التعليم العالي فقط، فإن التاريخ يذكر أن جامعة "القرويين" التي تأسست في مدينة فاس المغربية في العام (٨٥٩م)، والتي تعد أقدم جامعة في العالم، وتخرج فيها الكثيرون من رموز الفلسفة، والدين، والعلم، والأدب العربي، وشخصيات غربية بارزة، قد تأسست على يد امرأتين عربيتين هما فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهرية القيروانية وأختها مريم الفهرية، كما وقد ساهمت الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل في تأسيس ثاني جامعة مصرية "جامعة القاهرة" في العام 1908، وهو ما يؤكد أن عراقةَ وأصالةَ الأمتين العربية والإسلامية، وما للمرأة من دور مرموق في تحقيق النهضة العلمية المبكرة فيهما، والتي سبقت جميع مثيلاتها في المجتمعات الأخرى، عكست مكانتها في تراثنا العربي، وأبرزت دورها في التوجه المعرفي والتعليمي منذ القدم.
بعدها بنحو ألف عام، ظهر أول استخدام لمصطلح "التعليم العالي"، وبالتحديد في العام ١٨٥٤، حيث شمل جميع أنواع الدراسات الإنسانية والعلمية، ومقومات التدريب، والتدريب على البحث العلمي في مرحلة التعلم ما بعد المرحلة الثانوية، والتي كانت تقدمها الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي الأخرى التي يتم اعتمادها كمؤسسات تعليم عالٍ من قبل سلطات الدول المختلفة.
ومن ثم، فإن التفكير المستقبلي لاستدامة تجويد برامج التعليم العالي، وتدشين مؤسساته ومعاهده العليا، هو في حقيقة أمره خطوة استشرافية لدول العالم لتحويل مؤسساتها التعليمية إلى مؤسسات تعلم مدى الحياة؛ خاصة التعلم التقني والفني، وإعادة رسم الدور الأهم للجامعات ليس تعليمياً فقط بل تأسيساً لمجتمع المعرفة؛ وفقاً لرؤى واستراتيجيات وخطط الأمم التنموية، ولما تفرضه آليات سوق العمل المتغيرة داخلياً وخارجياً، واشتراطها مهارات خاصة في خريجي وخريجات مؤسسات التعليم العالي؛ لتتوافق مع مهارات القرن الواحد والعشرين، وهو ما نتج عنه تزايد ملحوظ في أعداد الطلبة المنتسبين للتعليم العالي في جميع أنحاء العالم.
فإذا كان عدد الطلبة المنتسبين إلى التعليم العالي يقدر بنحو ١٣ مليون طالب وطالبة في العام ١٩٦٠، فإنه قد قفز إلى ٢١٤ مليون في العام ٢٠١٥، كما أنه من المقدر أن يقفز إلى ٢٥١ مليون خلال العام القادم، مع توقعات بوصول أعدادهم إلى ٥٩٤ مليوناً في العام ٢٠٤٠. (Caldron, 2018).
ومن المؤكد أن لهذا للتضخم تحديات في ميدان التعليم العالي، تؤثر بشكل كبير على انتفاع البشر والمجتمعات من التعليم، ولعل أبرز هذه التحديات؛ عدم التوافق بين المهارات التي يتدرب عليها الطالب واحتياجات سوق العمل، وعدم الربط بين التعليم والبحث العلمي واحتياجات سوق العمل والابتكار، وأخيراً وليس آخراً؛ وجود برامج غير ملائمة لاحتياجات اليوم والاحتياجات المستقبلية.
الرئيس التنفيذي لهيئة جودة التعليم والتدريب