سوف نتناول في هذه السلسلة من المقالات الصحفية الدعوى الإدارية وأساسها القانوني وتصنيفها وخصائص المرافعات الإدارية.

لم يتفق فقهاء القانون على تعريف موحد للدعوى الإدارية فقد عرفها البعض بأنها سلطة منحها القانون لأي شخص له مصلحة في أن يلجأ إلى قضاء خاص بقصد إلغاء قرار إداري معين أو تحديد مركز قانوني أو حماية حق له، وعرفها البعض بأنها الإجراءات القضائية التي تتخذ أمام القضاء الإداري للمطالبة بأثر من الآثار المترتبة على العلاقة الإدارية.

ومن خلال هذه التعريفات المتعددة يمكننا تلخيص تعريف الدعوى الإدارية بأنها السلطة القانونية التي يتمتع بها المظلوم ويتمكن بمقتضاها من اللجوء للقضاء الإداري طالباً حماية حقوقه المعتدى عليها بسبب مباشرة الإدارة لأعمالها القانونية أو المادية أو لتقرير هذه الحقوق أو التعويض عن الأضرار التي تلحق بها، وبالتالي فإن الدعوى الإدارية قد تقام لحماية الحق أو تقريره أو التعويض عن الأضرار التي لحقت بهذا الحق.

وللدعوى الإدارية خصائص تميزها عن غيرها من الدعاوى الأخرى سواء أكانت مدنية أو جنائية، ومن أهم هذه الخصائص أن أحد أطراف الدعوى الإدارية شخص من أشخاص القانون العام وهو في الغالب يكون المدعى عليه وهذا الشخص يكون الدولة كسلطة عامة ممثلة في أحد فروعها المركزية أو المحلية أو أحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة، فالدعوى الإدارية في الأصل لا ترفع إلا من أو ضد جهة حكومية، وبهذا المفهوم إذا لم تكن إحدى الجهات الإدارية طرفاً في الدعوى انتفت عنها صفة الدعوى الإدارية ، كما أن من خصائصها أن موضوع الدعوى يجب أن يكون حقاً من الحقوق الإدارية الناشئة عن علاقة بين أطراف الدعوى أياً كان سبب هذه العلاقة، فقد يكون الحق منشأه القوانين كموظفي الخدمة المدنية والمنزوع ملكيتهم وطالبي التراخيص الإدارية وقد يكون منشأه العقود الحكومية كالمتعاقدين مع جهات الإدارة.

ومن خصائها أنها تنظرها جهة قضائية متخصصة، ففي الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج تنظرها جهة قضائية مستقلة عن القضاء العام، فمثلاً في بعض الدول تنظرها محاكم القضاء الإداري مثل فرنسا وكثير من الدول العربية وفي الدول التي تأخذ بنظام القضاء الموحد تنظرها دوائر خاصة.

ومن الخصائص أنها تخضع لقواعد القانون العام وبخاصة قواعد القانون الإداري وهي قواعد متميزة عن قواعد القانون العادي الذي يحكم العلاقات بين الأفراد، إذ إن قواعد القانون الإداري قضائية النشأة مستمدة من القواعد والمبادئ القانونية التي يطبقها القاضي الإداري ومن هذه القواعد العلاقة القانونية بين الموظف والجهة الإدارية وفكرة النظام العام وسلطات الجهات المتعاقدة في مواجهة المتعاقدين ونظرية المخاطر في العقود الإدارية وغيرها من القواعد، كما تتسم الدعوى الإدارية بأنها دعوى استفهامية فالمتعامل مع الجهات الحكومية يحيطه الغموض بصدد الأعمال التي قامت بها ودوافعها والمستندات التي تستند إليها إلا إذا ألزم القانون الجهة بالإفصاح عن ذلك، ومن هنا ظهرت السلطة التقديرية للقاضي الإداري والطبيعة الاستيفائية للدعوى الإدارية عكس الدعوى العادية التي يسعى فيها كل طرف إلى تقديم ما يؤكد دعواه من مستندات وأدلة إثبات، كما تتميز بأنها دعاوى محددة ومعلومة ولا مجال للاجتهاد لاستحداث دعاوى جديدة.

إن الحق في الدعوى الإدارية يتولد بمجرد الاعتداء على الحق، أما المطالبة القضائية فلا تتولد إلا بمباشرة الإجراءات القضائية، فالدعوى تمثل الحق في مرحلة السكون والمطالبة القضائية هي التصرف الذي يجريه صاحب الدعوى، أي أنها العمل الذي بموجبه يباشر الشخص حقه في اللجوء للقضاء، فالدعوى حق يكفله القانون والمطالبة عمل إجرائي يباشر به ذلك الحق.

المحامي بندر بن شمال الدوسري