مساء الخميس الماضي؛ 21 جمادى الأولى من عام 1441هـ، الموافق 16 يناير من عام 2020م.

فقدتُ، كما فقدَ الكثيرون، ممن أعرف ولا أعرف، الوالد الغالي إبراهيم بن سلمان الغتم، رحمه الله رحمةً واسعة.

كان، رحمه الله، من أكبر المعمَّرين في مملكة البحرين الشقيقة، إذ إنّه قد جاوز المائة عامٍ بخمسة أعوام، قضاها مثالاً لأرفع صفات الورع والعفة والكرم والنخوة، ولُطف الشمائل، وبشاشة الوجه والنفس، ولست أنا، وحدي من يشهد له بتقواه وكرم أخلاقه، فقد شهد له بذلك القاصي والداني.

كانت الابتسامة لا تفارق محياه، الذي غضنته السنين. وكان، على الرغم من ضعف بصره، مع تقدّم العمر، يعرف كل زائرٍ يقصد مجلسه العامر بمُجرد دخوله وسماع صوته، فيبِش في وجه، ويحتفي به، ويستقبله استقبال الكريم الحفي بضيفه، ويقدم له القهوة قبله، وكان دائم السؤال عمن يعرف، كبيرهم وصغيرهم، ودائم التفقُّد لأحوالهم في اهتمامٍ صادق لا تُخطئه نفوس من حوله.

ومع امتداد عمره إلى ما ينيف على القرن، وحضوره، بوعيٍ وإدراكٍ تامَّين، أحداثاً جسيمة وتغيُّراتٍ جمة مما شهدته مملكة البحرين وما جاورها، كان، رحمه الله، من جملة أمورٍ كثيرة، مرجع معلوماتٍ للقيادة الرشيدة، في مملكة البحرين، حول تاريخ البحرين عموماً وتاريخ جزر حوار خصوصاً. وقد أكّد مكانته هذه معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة؛ وبسبب هذه الخبرة والمعرفة. وبسبب الحكمة الرصينة التي كان يتحلّى بها، بات، رحمه الله، مقصداً للشيوخ والعلماء والوجهاء والوزراء والسفراء.

ومع ما بلغه الوالد إبراهيم، غفر الله له، من مكانةٍ وطنية واجتماعية مُستحقة، فقد كان مثالاً في التواضع، ولين الجانب، ولطف المعشر مع كل أحد، سواءً أكانوا معارفاً أو أجانب.

وبالنسبة لي شخصياً، ربطتني قرابة النسب مع الوالد إبراهيم الغتم والذي تزوج ابنة عمي محمد بن عبدالله المطوّع العماري، رحمهم الله، وكان صديقًا لوالدي؛ عبدالله العماري الذي أحبه حبَّ الأخ لأخيه، رحمهما الله، وكانا دائميّ التواصل والتفقُّد لأحوال بعضهما، وكان الوالد إبراهيم يُحب والدي، وسائر أهلي، ويعرف تاريخهم، وقد شملني واولادي بحبه واهتمامه ووده الصادق، وبحكم القرابة والعلاقة والصداقة النقية الراقية الراسخة، عرفت الوالد إبراهيم وأُعجبت، أيما إعجابٍ، بشخصه وشخصيته وعرفت أولاده جميعاً وهم مثل اخواني تماماً.

ورغم كوني من أهالي الدمام،ووجودي هناك بحكم عملي، فقد كنت حريصاً على زيارته والتردد على مجلسه العامر في كل مناسبة، إذ لم أكن لأُفوّت فرصة لقائه والاستئناس بالحديث إليه، في دخول شهر رمضان المبارك من كل عام، وكذلك في الأعياد والمناسبات الأخرى.

ومع إعجابي الشديد بما كان يتمتع به الوالد إبراهيم الغتم من ورعٍ صادق وحكمة عميقة، إلا أن ما فتنني في شخصيته هو لمساته الإنسانية التي كانت تمس شغاف القلوب، وتتجاوز الأبناء والأحفاد وأبناء الأقارب والأصدقاء إلى أبنائهم، فمنذ أن منّ الله علي بابنتيّ وابني، وحتى بلغ أكبرهم اثنين وعشرين عاماً من العمر، كان الوالد إبراهيم حريصاً على أن يُحملّني عيديتهم؛ يلُفها في منديلٍ ورقيٍ صغير، ويدسُّها في يدي بحرص، مُشدداً، رحمه الله، على أن تصلهم مع تهنئته لهم بالعيد!! فلقد بكى أولادي على رحيل الفقيد واجمعوا على أن أعيادهم القادمة لن تكون كما كانت بعد غياب والدهم الكبير ابراهيم الغتم، والعيدية الخاصة التي كان يقدمها لهم كل عيد دون استثناء.

لقد كان الوالد إبراهيم بن سلمان الغتم، رحمه الله، ممن لا يجود الزمان بمثلهم إلا قليلاً، وإنني على يقينٍ من أن ذكراه وآثار لطفه وكرمه وحكمته، ستبقى في نفسي ونفوس أبنائي، ونفوس أشخاص كثيرين لا أستطيع أن أُحصيهم، لذلك، فإنني أُناشد القيادة الرشيدة، في مملكة الخير والعطاء، البحرين أعزها الله، وهم خير من يعرف للرجال مكانتهم وأقدارهم، أن يُسعدونا بحفظ ذكرى الفقيد؛ الوالد إبراهيم، بإطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسة في منطقة الزلّاق.

رحل الوالد إبراهيم، ولكن ذكراه وآثاره باقية، فلله ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيءٍ عنده بمقدار، وإنني، مع سؤالي الله، جل وعلا، للفقيد الفردوس الأعلى من الجنة، لأسأل الله أن يُحسن عزاء ذوي الفقيد، وعزاءنا فيه، ويغفر له، ويأجُرنا في مصيبتنا، ويُخلفنا بها خيراً.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.