كريم رضي

في مقال له بتاريخ 11 يناير بعنوان (ظاهرة لا تسر الخاطر) ينعى الكاتب محمد عبد الملك واقع القراءة في العالم العربي، ويشير إلى إحصائيات تذكر أن معدل القراءة في العالم العربي هو 6 دقائق في السنة يقابله معدل القراءة في أوروبا ب 200 ساعة في السنة، وبالنسبة لأعداد الكتب المقروءة يبلغ في أوروبا معدل 35 كتاباً في السنة يقابله في العالم العربي معدل أقل من كتاب واحد في السنة.

ويخلص محمد عبد الملك إلى سؤال خطير هو.. كيف إذن يمكننا تجاوز الفجوة المعرفية والتي هي سبب مهم للفجوة الحضارية؟ مع ذلك من المثير أن يقول محمد عبد الملك إن الكتاب يكتبون ويواصلون التأليف والنشر.

هل نحن أمام ظاهرة لا ينطبق عليها علم الاقتصاد في العلاقة بين العرض والطلب؟ نلاحظ أنه في عالم الكتاب، الطلب في تناقص لكن العرض يكبر ويكبر بلا توقف وكأن المنتج هنا غير معني أصلاً بحجم الطلب.

بل إن الغريب ومع أن الكتاب سلعة كاسدة كما يقول عبد الملك وكما ينقل له باعة الكتب من أصحاب المكتبات فإن استعداد الكتاب للتأليف بغض النظر عن رواج إنتاجهم هو استعداد ملحمي حقاً ودائم وحماسهم شديد ولا يتراجع.

إن إنتاج الكتب في تزايد ويقول منصور سرحان مثلاً البحرين تصدر نحو 100 كتاب في السنة. هذا يعني إذاً دورنا صفرياً عدد سكان البحرين إلى مليون فهناك كتاب لكل 10 آلاف شخص سنويا، وإذا أخذنا البحرينيين فقط وهم تقريبا أكثر من نصف مليون فهناك تقريبا كتاب لكل 5 آلاف شخص.

إذن فالقراءة ليست بخير والكتابة لا تزال بخير وهي ظاهرة تتحدى علم الاقتصاد وحساباته.

صحيح أن هناك سؤال مهم ليس هنا محل بحثه حول ماهية هذه الكتب ومضمونها وجدواها العلمية والثقافية والفنية، لكن هذا بحث آخر، وما يهمني الآن هو هذا الولع بإنتاج سلعة لا يرغب فيها أحد، فقط لمجرد جنون الكتابة.

هذا الحب من طرف واحد والمليء بالمناقبية والتفاني الذي يجعل الكاتب ينتج على حسابه ويسوق عمله مجانا في أغلب الأحيان، ويكون سعيدا لمجرد أنه يكتب ويطبع وينشر. ولع يذكرنا بالجاحظ وبورخيس وإلبرتو مانغويل وغيرهم من عشاق الورق والحبر الذين أفنوا أعمارهم في هذا الحب الأحادي الذي لا غاية له سوى الحب ذاته.