عبدالله زهير

سئل د.إحسان عباس في سنة 1996 "وهو من أبرز نقاد الشعر الحديث" عن مستقبل القصيدة العربية الراهنة فقال: "أما مستقبل القصيدة العربية فلا مفر من أن يقود إلى ما نسميه قصيدة النثر. لا بد من مزاولة هذا الشكل، ولا بد أن ينتهي إليه النظم الشعري. فقد يأتيك ملل من الإيقاع المنتظم. والملل عامل مهم جداً في نشوء المدراس الأدبية. ثم إن أكثر شعر مبني على الإيقاع المنتظم هو الشعر العربي. فليس غريباً أن نكتب شعراً يتحرر من هذه القيود. وسيأتي بعدنا من يتحرر من هذا التحرر. فمنذ امرئ القيس وحتى الجواهري ونحن أسرى الإيقاع المنتظم ... كنت أول من كتب في النقد الشعري المعاصر، لكنني مؤمن بالتطور، ولم يزدني العمر والشيخوخة إلا إيماناً بذلك...".

على مستوى النقد بمختلف أشكاله ومستوياته من الممكن تحليل نظام النص الشعري من حيث كونه على شكل نثري أو وزني أو تفعيلي. أما على مستوى التلقي والتذوق فإني اقترح أن يكون التصنيف على النحو الآتي: هناك شعر أو لا شعر، فمضاد الشعر هو اللاشعر وليس النثر. إذ ليس كل كلام موزون مقفى شعراً، وليس كل نثر شعراً.

ولا يكفي أن يكون الشعر قصيدة نثر ليكون تجديداً. ثمة شيء آخر له علاقة بروح النص ونسغه. قد يسميه البعض "الدهشة" أو "الحيوية" أو سواهما، غير أني ما أزال أبحث عن ماهية هذا الشيء وأحاول استكشافه.

ولكن خيار كتابة الشعر بشكل نثري من الممكن أن يتيح لنا طاقة خروج عالية، ويتيح مساحة حرية أكبر للتعبير والتشكيل، خاصة في ظل تطورات كثيرة وكبيرة في الحياة حصلت وتحصل تمس كيان الإنسان قبل أي شيء آخر، ومن هنا قد لا يملك الوزن الخليلي والتفعيلي الطاقة الكافية ولا مساحة الحرية المحدودة فيه تسمح بالتوغل والكشف والحفر والتنقيب والتجريب والمغامرة والثورة في الشكل التعبيري والرؤية.