عندما تأسست أسرة الأدباء والكتاب في العام 1969م، تبنت عدداً من الأهداف المناسبة للمرحلة التاريخية ولقضايا المجتمع والمبدعين آنذاك. وبعد مضي نصف قرن على هذه النشأة ما تزال الأسرة -رغم تغير الأحوال وضخامة التحديات التي تواجهها- قادرة على الاستمرار في رعاية المبدعين جيلاً بعد جيل. وهي تشهد اليوم تحولاً إيجابياً في تقديري، وهو التحرر من عقدة الصراع والاستقطاب التي كانت سائدة في مرحلة معينة، حيث أصبحت فضاءً مفتوحاً أمام جميع المبدعين بمختلف تياراتهم، وتلعب دوراً في رعاية الإبداع، تتعايش فيها التيارات والاتجاهات الفكرية والثقافية تعايشاً مثمراً، وأصبحت إطاراً للحوار، وتطرح حيويتها من خلال التنوع والإيمان بحق الاختلاف. وهي تحيا اليوم مرحلة جديدة، هادئة، فيها تجاور فكري، وتعايش بين التيارات، وأظن أن هذا وجه من وجوه قوتها في هذه المرحلة الجديدة.
فإذا كان المثقف في المراحل السابقة قد عمل على تغيير العالم من حوله، فإنه مطالب اليوم بتكريس جهده في فهم العالم وتحليله والتقرب من أسراره، قبل أن يعمل على تغييره نحو الأفضل.
لقد حدث تغير في موضوع الثقافة وفي آليات إنتاج الثقافة ولم تعد هناك مؤسسة واحدة لإنتاج الثقافة، يتحدث من خلالها المثقفون. فهناك العديد من المؤسسات العاملة في تسويق الثقافة، ولم تعد الأسرة الجهة الوحيدة التي توفر لمرتاديها فرصة لتحقيق ذواتهم الثقافية. ولذلك أرى أن الأسرة – وهي تحتفل بنصف قرن على نشأتها- في حاجة إلى طرح تصور جديد وطموح يتم تفعيلة بالتعاون مع الجهات الثقافية المعنية بالهم الإبداعي، انطلاقاً من أن المبدعين في أي بلد هم الوجه الحضاري والثقافي الحقيقي الذي ينبئ عن مسار أية إصلاحات حقيقية، إذ لا يمكن تجاهل الثقافة أو تجاوزها في أي مشروع مجتمعي متكامل يروم النهوض بهذا الوطن.