جعفر الديري
صدرت مؤخراً عن دار الفارابي، في 336 صفحة من القطع المتوسط، النسخة العربية من كتاب "غرق الحضارات" للروائي اللبناني أمين معلوف، بترجمة نهلة بيضون.
يتناول معلوف في كتابه، الأوضاع الراهنة في العالمين الغربي والعربي، معتبرا أن المجتمعات العربية لم تتمكن من الاستجابة الفعلية لدعوات الإصلاح والتحديث، بل ظلت مشدودة إلى الماضي، رافضة اللحاق بركب الحضارة الغربية.
ويدرس معلوف المخاطر المهددة للبشرية، من النواحي الاقتصادية، والسياسية، والثقافية والحضارية، ويقول في ذلك: إننا أمام أزمة أخلاقية واجتماعية وفكرية، قبل أن تكون سياسية، وبالتالي فإن العالم مهدد بدخول منطقة محفوفة بالمخاطر والمجازفات، مع انتشار اللامبالاة، ومن الوهم والعبث علاج عدم الاستقرار الراهن بإجراءات وإصلاحات فردية داخل كل بلد على حدة، من دون النظر إلى الإطار العام الشامل للمشكلة، مثلما تفعل بعض الدول ذات النزعة القومية، بالسعي نحو الخروج من منطقة اليورو، وهو قرار فردي لن يصلح من وضع الدولة ولا منطقة اليورو، لأنه قرار يتسم بالفردية، كما أن حل الإشكاليات الراهنة التي يعانيها المجتمع الدولي لا يجب أن يتم في إطار معالجات سياسية فقط، ولكن يجب حل المشكلة من خلال جوانبها الاجتماعية والأخلاقية والفكرية والاقتصادية والسياسية، أي في إطار جمعي، مع ضرورة مراجعة القوانين الاجتماعية للشركات والدول، لإحداث حالة من العدل والهدوء النفسي للمواطن، وخصوصاً أننا نمر بوضع حرج للغاية، فالحضارة الإنسانية مهددة بالتراجع.
ويقرر أن كل دولة تقدم نموذجاً مغايراً للتفسخ الاجتماعي، فنجد مناطق تشهد بعض الرخاء، مثل النرويج وأستراليا، في مقابل مناطق أخرى تسلطية قمعية، وحتى لو نظرنا بدقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا، فسنجد هناك أماكن يسيطر عليها الفقر، الأمر الذي يترتب عليه ظهور حالة من التفسخ الاجتماعي، تؤدي إلى ظهور مناطق خارجة عن القانون، فنجد مثلاً اليونانيون يقطعون الأشجار عامة بالشوارع للتدفئة من البرد القارص بسبب تراجع متوسط دخلهم من 1000 يورو إلى 800 يورو، بل وصل الأمر إلى ما هو أصعب من ذلك، بلجوء بعض المواطنين في اليونان وإيطاليا والبرتغال لاقتسام المسكن جراء شح وتراجع الميزانية، مع غياب أي أفق لتحسن الوضع، وخصوصاً أن تراجع البطالة لم يكن سوى تراجع جزئي بعيد من الواقع إلى حد كبير.
ويرى أن حل النزاعات الخطيرة، على اختلافها، لا يجب أن يتم بفصل المجموعات المتنازعة وعزلها عن بعضها، لكي لا تتحول كيانات مغلقة، لأن هذا سيؤدي إلى مزيد من العنف والمواجهات، مضيفاً "نخطئ حين نضع آليا وبانتظام، المصالحَ مقابل المبادئ، فهي أحياناً تلتقي، فالشهامة تكون في بعض الأحيان مهارة، والخسة رعونة. عالمنا المتهكم يرفض الاعتراف بذلك، لكن التاريخ مليء بأمثلة مقنعة. ففي أغلب الأوقات، حين يخون بلد قيمَه، يخون أيضاً مصالحَه".
يشار إلى ان النسخة الفرنسية صدرت عن "دار غراسي" في باريس، وقد وصف مقدمي الكتاب بطبعته الفرنسية، معلوف بأنه "دارس بدقة وواقعية بل إنه الملاحظ المتشبث بعقلانيته في زمن الجنون، والعنف، والإرهاب الأعمى، والمخاطر الجسيمة التي تهدد البشرية، سواء كانت اقتصادية، أم سياسية، أو ثقافية وحضارية".