د.عبدالقادر المرزوقي
إن جدلية المثقف والعزلة ظاهرة تبدو شاخصة في المشهد الثقافي، فبالرغم من محاولة المؤسسات الأهلية التي تعنى بالحراك الثقافي تحريك الساكن وزلزلة جدران الجمود المتلبس ذهنية المتلقي في تداول المنجز الثقافي، إلا أن ظلال العزلة تتسلل إلى مناطق التفاعل الفكري لتنتج انحساراً في الأفق المعرفي وحلول أنصاف المثقفين في المشهد الثقافي.
ونحن حينما نثير جدلية المثقف والعزلة نشـير إلى طرفي المعادلة المبدع والمتلقي إذ هما يمثلان ضلعي العملية الإبداعية، فالمبدع تستهويه جمالية تلقي النص عند المتلقي، وفي الوقت ذاته تستهوي المتلقي جمالية المنجز الإبداعي، إذن من أين تأتي اشكالية العزلة؟ لتشخيص هـذه الحالة والاجابة عن هذا التساؤل لا بد من النظر في نسيج المكون الثقافي بكل مفاصله، فما نراه اليوم على مستوى المحيط المحلي تصومع الكثير من طرفي المشهد الثقافي، وهذه ظاهرة واضحة في المنتديات الأدبية والثقافية في البحرين، إذ أن جمهور الحضـور يتكرر بأشخاصهم وأعدادهم في معظم الفعاليات الثقافية حتى اتسمـت بالفتور التفاعلي في ما يطرح في تلك المنتديات.
من هنا فإنني أرى – وهذه وجهة نظـر شخصية- أن المثقف الذي يمارس الفعل الإبداعي عليه الاسهام في دفع الحراك الثقافي بتفاعله مع الفعاليات الثقافية من أجل خلق مناخ فكرى وبناء وعي انساني في محيطه المجتمعي، وفي المقابل على جمهور الثقافة المتابعين للشأن الثقافي الاسهام في التفاعل الإبداعي.
ولعل هذا يقود إلى فجوة معرفية في بنية المثقف وبين عالم الفكر ومناهج تطور الفضاءات الإبداعية وما يعتريها من تغيرات متجددة، لتبدو حالة نكوصية متوترة في خضم المقاربات الثقافية، فالفراغ الثقافي فراغ موحش يشكل مع مرور الزمن جداراً يستعصي اختراقه ليتحول إلى سياقات وهمية بعيدة عن السياقات الواقعية.