الثالث من الشمس.. قصة للأديب الأمريكي ريتشارد ماثيسون
ترجمة - هشام النهام
فتح عينيه لثوان معدودة، قبل أن يحين وقت رنين المنبه. لمست زوجته ذراعه. كان يعلم ما يجول بخاطرها:
"هل ما زلنا ذاهبين؟!" سألته.
"نعم". قال ذلك وشعر بأصابعها تقبض على كتفه.
"وهل أنت واثق أننا سنصل إلى المركبة الفضائية دون أية مشكلة؟"
"سيظنون أنه مجرد اختبار تحليق آخر، لن يشك أحد".
"أتمنى ذلك" تنهدت زوجته.
"أتمنى ذلك أيضاً، سنكون في مأمن، اطمئني".
"هل أنت متأكد أننا لن نحتاج شيئاً آخر؟"، سألته..
"لا، لقد وضعت كل المستلزمات التي نحتاجها في المركبة. على كل حال، لن نستطيع أن نأخذ شيئاً آخراً الآن عبر نقطة التفتيش. المفترض أن يعتقد موظفو الأمن أننا نأخذ الأطفال في نزهة لمشاهدتي وأنا أقوم بالإقلاع".
"ولكن! ، ألن يشعر الحراس بالغرابة لرؤية الجيران معنا قادمين لرؤيتك تقلع أيضاً؟"
"سيتحتم علينا أخذ هذه المجازفة"، أجاب بحزم.
سمع صوت الأطفال من الغرفة الأخرى. على الأقل هم لا يفقهون شيئاً عن ما يجري - فكر في نفسه - يعتقدون أنهم ذاهبون إلى الحقول، لا يعلمون أنهم لن يعودوا أبداً.
لم يكن هناك حل آخر، فخلال بضع سنين قادمة، ستحدث حرب رهيبة أخرى بلا شك، ولسوف تدمر هذه المجزرة الكوكب عن بكرة أبيه، إذا استطاعوا الهرب الآن، قد يمكنهم هذا من البدء على سطح كوكب آخر جديد. تنهد مفكراً ثم نزل ليتناول الإفطار مع عائلته:
" سريعاً يا أبي؟!"، سأله طفله.
" نعم"، أجاب بهدوء، "سريعاً".
سقط أحد الأطباق مهشماً على القاع، انحنت زوجته لتلملم أجزاء الطبق.
"ماذا حدث يا أمي ؟"، قالت الطفلة.
"لا شيء يا صغيرتي ، سيأتي أصدقاؤنا خلال لحظات".
رن جرس المنزل بعد لحظات، ثم نظر الجميع عبر النافذة للأسرة الأخرى وهي في انتظارهم بجانب السيارة.
التفت الرجل إلى زوجته:
"هل يجدر بنا إغلاق قفل المنزل؟"
"وهل يهم ذلك ؟" ، أجابت وهي تشيح بنظرها عنه.
انحشرت العائلتان بصمت في السيارة الكبيرة التي جابت الطرق بانسيابية، وحين وصولهم إلى الحقل، قال الرجل:
"تذكروا..! لا أريد أن تبدر منكم أية كلمة!"
تعرف إليه حارس الأمن ، كونه رئيس الطيارين للمركبة الفضائية الجديدة.
"عائلتي.. وبعض الأصدقاء، جاؤوا اليوم لرؤية إقلاعي"، قال للحارس.
"لا بأس!"، قال الحارس ولوح لهم.
وبينما هرع الجميع لدخول المركبة الفضائية، وقف الرجل قليلاً ونظر خلفه، ثم التفت متجهاً إلى المركبة وهمس لنفسه "وداعاً".
ارتفع بهم المصعد الآلي.. ثم توقف.. انفتح الباب ودلف الجميع إلى المركبة الفضائية. شهق الأطفال عندما شاهدوا - عبر النوافذ الزجاجية – مدى ارتفاعهم.
- "ألا يجدر بنا أن نخبرهم الآن؟" قالت زوجته، "ألا يستحقون معرفة أن هذه هي النظرة الأخيرة لموطنهم؟"
"بلى"، أخبريهم، " قال بهدوء.
وعند قيامه بضغط زر التشغيل، سمعوا هدير محركات المركبة الفضائية، وتقلد الرجل مقعد القيادة محكماً يديه على مقود التحكم، وأثناء تحديق الجميع به، دفع المقود بصلابة. اهتزت المركبة لثوان ثم شعر الجميع باندفاع المركبة بسرعة خارقة في عنان السماء، لمح الأطفال يلتصقون في النوافذ.
"وداعاً" ، قال الأطفال، "وداعاً".
استرخى في مقعد القيادة ، واضعاً يديه براحه على أجهزة الضبط.
"أنت تعلم إلى أين نحن ماضون؟ "، سأله صديقه.
نظر إلى خريطة البيانات بحنكة، وهو يشير بإصبعه إلى كوكب بعيد في فضاء المجرة. "نعم"، أجاب بثقة ، "هذا الكوكب الصغير هناك بجانب ذاك القمر".
"الكوكب الثالث من تلك الشمس"؟
"نعم، هذا صحيح "، قال الرجل. "الثالث من الشمس، وأسميه أنا الأرض".
******
"ريتشارد ماثيسون هو مؤلف وكاتب سيناريو أمريكي مشهور ولد في عام 1926. تتركز أعماله في أجناس أدبية من قبيل الفنتازيا والرعب والخيال العلمي. نال شهرة واسعة على خلفية رواياته أهمها "أي أحلام قد تأتي"، "مبارزة"، "أنا أسطورة" والتي تحولت إلى أفلام سينمائية ناجحة، فضلاً عن أعماله التي تحولت لحلقات من مسلسل "منطقة الشفق". توفي في عام 2013.