حقق اليوم الدولي للضمير الذي احتفى به العالم لأول مرة في الخامس من إبريل الجاري بمبادرة من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، في وضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية في مواجهة كل أسباب النزاعات والصراعات التي باتت تهدد حاضر ومستقبل البشرية، ليصبح بذلك يوم الضمير إشراقة أمل جديد في عالم أرهقته الاضطرابات والتوترات.

وجاءت دعوة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بأن يكون هناك يوم دولي للضمير، مناسبة لإلهام الإنسانية بأبعاد فكرية وأخلاقية، من أجل تعزيز السلام والمحبة بين الشعوب، كقيم نبيلة متى ما وجدت فستنعم جميع الأمم والشعوب بالرفاه والرخاء القائم على أوضاع أمنية مستقرة ومستدامة.

وجذبت دعوة سموه انتباه العالم بشكل ملحوظ من أجل إحياء القواسم الإنسانية المشتركة انطلاقاً من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان وترجمتها إلى أفعال وقرارات عبر جهد جماعي منظم يستهدف تطور البشرية وتقدمها.

وكان واضحاً في تصريحات المسؤولين الدوليين بمناسبة اليوم الدولي للضمير مدى الاحترام والتقدير الذي تحظى به مملكة البحرين تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تقديراً لجهودها وإسهاماتها في دعم العمل الدولي الجماعي لتعزيز السلام والتنمية والأمن.

لقد أدرك الجميع أن البحرين رغم محدودية مساحتها ومواردها إلا أنها تمتلك عطاءً إنسانياً كبيراً، وإرثاً حضارياً يحض على الوئام والتضامن والتعايش كأساس لإعمار الأرض وتطورها.

وحظي الاحتفال الأول باليوم الدولي للضمير باهتمام مشهود من الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، إذ استقطبت هذه المناسبة اهتمام نخبة من كبار المسؤولين الدوليين الحاليين والسابقين ورؤساء الدول والحكومات والمفكرين والباحثين وسفراء السلام، الذين تحدثوا عن مغزى قيمة الضمير، ودوره في إرساء قواعد مرحلة جديدة في التاريخ الإنساني من خلال حشد جهود العالم للانتقال بالضمير من رمزيته المعنوية لكي يكون واقعاً حقيقياً تسهم جميع الدول في تفعيل دوره بما يصون أمن وسلام واستقرار العالم.

كما جاءت الندوة التي نظمتها "شبكة حلول التنمية المستدامة" التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا الأمريكية وديوان صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بهذه المناسبة، وشارك فيها شخصيات دولية رفيعة المستوى، لتؤكد على دلالات وأهمية يوم الضمير، وما حملته من دعوات ورؤى من شأنها أن تسهم في تعزيز دور الضمير كقيمة إنسانية تحفظ كرامة البشر وتدعم جهود المجتمع الدولي ومساعيه في تحقيق السلام والأمن والاستقرار العالمي.

وقد جسد التجاوب الكبير الذي ناله الاحتفال بإحياء اليوم الأول للضمير الدولي على المستويين الإقليمي والدولي، بداية جديرة بالاهتمام لالتفاف واتفاق دولي يعكس رغبة صادقة في تفعيل المبادئ السامية التي حملتها دعوة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، لاسيما في ظل اتفاق كبار المسؤولين الأمميين والشخصيات الإقليمية والدولية الرفيعة التي شاركت وتفاعلت مع هذه المبادرة، على أهمية المغزى الإنساني الذي تحمله، والحاجة إلى مثل هذه المبادرات القادرة على استيعاب وتجاوز التحديات الراهنة التي يعيشها العالم والتي باتت تؤرق حاضره ومستقبله.

ويمكن تلمس ملامح هذا الاتفاق الدولي من خلال الصدى الإيجابي الذي لقيته هذه المبادرة منذ إطلاقها عالمياً، وما حملته رسالة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بهذه المناسبة، من أهداف محددة لجعل الضمير محركاً فاعلاً في صنع وصياغة التوجهات العالمية تجاه مختلف التحديات التي تواجهها البشرية من أجل عالم ينعم بالأمن والسلام، وهو ما يمكن استعراضه من خلال النقاط التالية:ـ

أولاً: موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على مبادرة سمو رئيس وزراء البحرين، وما تعكسه من توافق في الأهداف والرؤى بين المنظمة الدولية ومملكة البحرين، والتي طالما كانت داعمة ومؤيدة للجهود الدولية التي تبذلها المنظمة الأممية من أجل تعزيز السلام والاستقرار الدوليين وتحفيز جهود التنمية المستدامة، إذ جاءت مبادرة سموه متضمنة خمسة مبادئ رئيسة هي التمسك بالطرق السلمية في حل النزاعات الدولية، وإرساء أسس السلام، وتحقيق التنمية المستدامة، وجدية التعامل مع الأوضاع المأساوية الناجمة عن الصراعات، ووضع رؤية شاملة لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهي مبادئ تركز جميعها على خدمة القضايا الإنسانية الملحة في التنمية والسلام، والتي تشكل في الوقت ذاته جوهر عمل وجهود الأمم المتحدة.

ثانياً: المشاركة الواسعة في الاحتفاء باليوم الدولي للضمير، عبر التصريحات والبيانات الصادرة عن كبار الشخصيات والدولية مثل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ومدير منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والسفراء ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين والمفكرين والكتاب والصحافة وغيرهم، والتي شكلت استجابة واعية تتماهى مع دعوة الأمم المتحدة للاحتفال بهذا اليوم على نطاق واسع من خلال أنشطة وفعاليات تعزز من ثقافة الضمير بمحبة وسلام، وذلك بالرغم من الظروف الراهنة التي يعيشها العالم، في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا، وانشغال العالم بمواجهة هذه الجائحة، وهو ما يجعله واحداً من الأيام الدولية البارزة، والتي استطاعت أن تجتذب الانتباه وتترك بصمة واضحة نظراً لأهميتها ودورها في تحفيز الجهود الحالية لوضع حد لهذه الازمة.

ثالثاً: إن رسالة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بهذه المناسبة، حملت العديد من الرؤى والمضامين التي تغرس مفهوم الضمير في بؤرة العمل والتعاون الجماعي الموجهة لخدمة الإنسانية، بحيث يكون التعاون والتكاتف الإنساني قائماً على أسس من الضمير الصادق الذي يبث الخير والأمل، ويساند المساعي المشتركة للبشرية في النماء والتقدم.

وذلك إيماناً من سموه بأن غياب الضمير والنظرة الأحادية التي تسعى للهيمنة والسيطرة على المقدرات والموارد تعد سبباً رئيساً فيما يعيشه العالم حالياً من مآسٍ وصراعات.

حيث إن هذه المبادرة أعادت تذكير العالم بالبعد الإنساني والأخلاقي الذي يجب أن يحكم سلوك الدول والمجتمعات بعد أن أثبتت التجربة التاريخية أن العولمة فقدت دورها وأثرها.

رابعاً: لقد نجح سموه في أن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته فيما يخص موضوع "الأمن الصحي العالمي" والذي يعد مطلباً ملحاً في ظل تفشي فيروس كورونا، حيث عكست دعوة سموه في هذا المجال مبادرة متقدمة للإسهام بمساندة جهود منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بمكافحة الأوبئة والأمراض المعدية التي تتجاوز في تداعياتها وخطورتها حدود الدول.

خامساً: إن العالم في ظل الظروف الراهنة، يعيش مرحلة فاصلة في تاريخه، تجعله أكثر استعداداً للرجوع إلى القيم الإنسانية النبيلة في التقارب والتعاون، كبديل عن الصراع والتنافس، والذي تحول في ظل العولمة التي يعيشها العالم إلى عبء ثقيل، لم تعد تحتمله شعوب العالم، لما خلفه من تفاوت كبير نتيجة لسيادة ثقافة الاستئثار والاستحواذ لدى البعض، في الوقت الذي يرزح فيه الملايين تحت وطأة الفقر والتشرد والحروب التي تهدد بضياع المكتسبات الحضارية والإنسانية.

ومن هنا جاءت أهمية المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، لتكون بمثابة "جرس الإنذار" كما وصفتها مؤسسة الأزهر الشريف، ليدق كل عام ويخاطب الإنسانية والمجتمع الدولي بإعادة الحقوق لأهلها وإنقاذ الشعوب، والدول من الحروب والصراعات، ووقف نزيف الدماء، وترسيخ معاني التكاتف والتعاون والأخوة الإنسانية بين الشعوب.

ويبقى القول، إن العالم اليوم يحتاج إلى مثل هذه الدعوات والرؤى غير التقليدية لكي يستنهض ويخاطب الضمير الإنساني للتحرك بشكل فاعل لحماية حق الإنسان في الأمن والعيش بسلام في مناخ من الاستقرار، والرجوع إلى القيم الخيرة والمبادئ النبيلة التي فطرت عليها البشرية، بهدف وقف النزف المستمر للصراعات والحروب والالتفات إلى القضايا المحلية في القضاء على الفقر والأمراض والأوبئة ومحاربة كافة أشكال التطرف والإرهاب لإرساء دعائم الأمن والسلام الدوليين.