لقد فرضت الرؤية الاستباقية لسمو ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، واستشرافه المبكر لطبيعة الخطر القادم، الذي تم الاستنفار لمواجهته بديناميكية عالية وبرتم سريع، يخطط وينفذ في آن واحد، وذلك لحماية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هجوم «غير منظور» لعدو يستشري في العافية. . كالنار في الهشيم، أقول فرضت تلك الرؤية، نموذجاً قيادياً وأسلوباً تنظيمياً جديداً يرفع من لياقة العمل الوطني الجمعي، بل يقود عملياته بشكل لم نعتاده من قبل! وتشير الدلائل الأولية لتجربة البحرين في تعاملها المنظم مع الحدث بإجراءاتها المتنوعة والمؤثرة، بأن هناك نموذجاً يرتقي لمستوى «قصة نجاح عالمية» يحاك في الأفق، ولكن تحت شرط واحد . . هو المحافظة على لياقة العمل الجماعي المنسجم والمتكامل الذي يجعل من المصلحة الوطنية العليا وجهة له، وأن تعكف الأطراف المختصة، من مؤسسات عمل ونظم تعليم وصحة ومجتمع وإعلام حر، برصد دروسها المستفادة خلال إدارة هذه الأزمة الطارئة والبناء عليها متى ما سنحت الظروف. وبحسب ما يشير إليه المراقبين، فإن هذه المحنة ستأتي بعالم جديد لم نعرفه من قبل، عالم ينفض غبار الروتين والبيروقراطية والتسويف والتعقيد الذي تفرضه . . إما ثقافات أو تنظيمات عفا عليها الزمن وآن أوان إعادة برمجتها، كأمر واقع ستتعامل معه شعوب العالم أجمع.

ومع هذا الرتم المتسارع لرفع لياقة العمل الوطني، جاءت فكرة حملة «متكاتفين . . لأجل سلامة البحرين» التي تعد امتداداً للحملة الوطنية الأم التي يقود عملياتها الفريق الوطني لمواجهة فيروس (كوفيد-19) والتي استقطبت إلى اليوم، عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات ممن لديهم الاستعداد الفوري للمشاركة الميدانية على الصفوف الأمامية، وتساند العمليات التي يتولاها الفريق الوطني المكلف بمكافحة الفيروس.

ووجهت صاحبة السمو الملكي رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله منذ أن استشعرت الحاجة لمساندة ودعم جهود الفريق الوطني، بوضع «برنامج استباقي» يأخذ في الحسبان الاحتياجات الملحة والطارئة للمرأة البحرينية المعيلة والعاملة، ويراعي استمرار «كفاءة» منظومة الحماية الاجتماعية والاقتصادية والخدمات القضائية والاستشارات الأسرية، كل ذلك في إطار الحزمة المالية المحفزة للاقتصاد الوطني وما يصدر من قرارات حكومية مدروسة ومتواصلة تلتزم بالتوجهات الملكية السامية، بما تحمله من رؤى رحبة تعمل على رسم مسارات العمل الوطني، وتحيطه بالتوجيه والدعم والتشجيع . . سواء في سراء البحرين أو في ضرائها.

ومن تلك المنطلقات، قام المجلس بمباشرة العمل لتنفيذ محاور الحملة النابعة من صلب اختصاصات المجلس الأعلى للمرأة، التي نود التذكير بها لأهميتها، كمسؤول عن متابعة تنفيذ السياسة العامة في مجال المرأة وتقديم المقترحات والملاحظات للجهات المختصة في هذا الشأن، وحل المشكلات التي تواجه المرأة في كافة المجالات. كما تأتي برامج حملة «متكاتفين» في سياق ما تنص عليه استراتيجية عمل المجلس القائمة على حفظ الاستقرار والترابط الأسري، وتجسير أية فجوات تتعلق بحصول المرأة على الخيارات والفرص المناسبة في مجالات الحياة المختلفة، وضمان استثمارها استثماراً صحيحاً للارتقاء بمساهماتها وبما ينعكس إيجاباً على جودة حياة الأسرة والمجتمع.

وقد قام المجلس بناءً على التوجيهات الكريمة لرئيسته، حفظها الله، بمباشرة التنفيذ والعمل مع مختلف القطاعات في إطار خطة سريعة للتحول الإلكتروني الشامل، وما تطلبه ذلك من إعادة لهندسة العمليات وإجراءات العمل لتطويع التحديات، ومن بين أصعبها، الغموض المحيط بالجائحة بتداعياتها الخطيرة على العالم، آخذين في الاعتبار جميع الاحتياطات والخطوات الاحترازية في كل مرحلة من مراحل التنفيذ.

وتتجه برامج الحملة إلى وضع تدابير عملية للتأهب والوقاية لرفع جاهزية الأسرة للتأقلم والتكيف مع تداعيات الأزمة الصحية، مع ضمان تسهيل وصول الأسر لخدمات أنظمة الرعاية والحماية الاجتماعية والحلول المالية والاقتصادية بأيسر الوسائل وأسرعها.

كما تراعي برامج الحملة التحولات الرقمية المتسارعة للعديد من الخدمات، وتأخذ في الاعتبار المستويات المتفاوتة لمتلقي الخدمات وما يستدعيه ذلك من عمل موازي لرفع القدرة الذاتية على الاستفادة من الخدمات من جهة، والتأكد من إتاحتها واستمرارها بكل وسيلة ممكنة، من جهة أخرى، لتفادي واحتواء أي أضرار، لن تحمد عقباها، من جراء إيقاف تلك الخدمات لسبب أو لآخر.

وبإيجاز شديد أعرج على أهم ما قامت به الحملة منذ انطلاقتها في 22 مارس المنصرم وحتى تاريخ كتابة هذا المقال:

• متابعة سلامة إنفاذ السياسات والنظم الإدارية المرنة التي قررتها الدولة، بناء على توصيات المجلس الأعلى للمرأة، لمساندة الأسرة البحرينية العاملة للتوفيق بين مسؤولياتهم الأسرية والوطنية مع مراعاة الوضع الصحي للمرأة الحامل والمرضعة والمصابين بأمراض مختلفة، «وقد تم تطبيق تلك الأنظمة المرنة في كافة مؤسسات القطاع العام ويستهدى بمثلها في بعض مؤسسات القطاع الخاص».

• متابعة صدور وتنفيذ قرارات داعمة لرائدات الأعمال اللواتي تأثرت مشاريعهن بسبب توقفها عن العمل وضمان الاستفادة من التدابير المالية المتعددة التي تقدمها الدولة والبحث عن بدائل مبتكرة لتوفير مصادر دخل إضافية للمشاريع لتقليل الأعباء والالتزامات المالية بما يمهد للتعافي السريع بعد انجلاء الأزمة، «حيث تم استلام 140 طلباً ويباشر عدد من المتطوعين من أصحاب الاختصاص بتقديم النصح والإرشاد اللازم».

• التعامل الميداني مع الحالات المدرجة على قوائم مركز دعم المرأة البحرينية بالمجلس للأسر المعوزة التي تعيلها المرأة، على وجه التحديد، للاطمئنان على سلامتهم والوقوف على احتياجاتهم، ومساندة أسر الكوادر الطبية والتمريضية العاملة في الصفوف الأمامية، «وقامت الفرق التطوعية مشكورة بخدمة ما يقارب 1100 أسرة على مدى أسبوعين وبتلبية مختلف أنواع الاحتياجات ومن مساهمات للعديد من أيادي الخير التي تحظى وتفخر بها البحرين».

ويتضمن هذا المحور من عمل الحملة جانب مهم للغاية، وهو تنويع مجالات وأوجه الدعم بحسب الحاجة والمتمثلة في توفير المستلزمات الاستهلاكية، والأجهزة الصحية والتقنية، وصولاً إلى متابعة احتياجاتهم للخدمات الحكومية المختلفة، كالسكن، والمساعدات الاجتماعية، والعلاوات المعيشية، والمخصصات للفئات من ذوي الإعاقة، والنفقة الزوجية والحضانة ورؤية الأبناء.

• تأطير كل ما تقدم تحت مظلة برنامج «مستشارك عن بعد» الذي يعمل على تقديم كافة خدمات المجلس الأعلى للمرأة بشكل افتراضي، كخدمات الدعم والإرشاد الأسري والنفسي والقانوني والاقتصادي، التي تقدم على يد فريق مختص من الاستشاريين المتطوعين من خلال جلسات مرئية واستشارات هاتفية ومحادثات فورية عبر الموقع الالكتروني للمجلس، «وتلقى النظام حتى اليوم حوالي 2600 طلب باحتياجات متفاوتة».

ومن المؤمل هنا، وبالتعاون مع وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، أن يتم تحويل خدمات مكتب التوفيق الأسري لتقدم عن بعد، لتمكين الأسر من الوصول للخدمة في إطار يراعي الخصوصية والسرية.

• وتراعي الحملة كذلك، ضرورة رصد الاحتياجات التعليمية للأسر، وعلى وجه التحديد أسر الكوادر الطبية العاملة في الصفوف الأمامية لتوفير الدعم المطلوب الذي يساند أولياء الأمور ويسهل عليهم عملية متابعة التحصيل الدراسي لأبنائهم في ظل انشغالهم المتواصل، «وتقدمت عدد من الأسر الطبية والصحية البالغ عددها 30 للحصول على هذه الخدمة، وتعمل نقابة المعلمين بالتعاون مع المجلس بمباشرة احتياجات أبنائهن التعليمية».

• ولم تغفل الحملة عن إحياء جانب البحث والتقصي، وسيتم في هذا السياق، تنفيذ دراسة علمية توثق تجربة مملكة البحرين في التعامل مع تأثيرات وتبعات فايروس (كوفيد19) على الأسرة البحرينية بهدف تسليط الضوء على الإجراءات والتدابير التي تميزت بها البلاد في الاستجابة أمام متغيرات الحدث الصحي، ولتوثيق أفضل الممارسات فيما يتعلق بإدارة الأزمات والاستجابة لها مع مراعاة احتياجات الأسرة والمرأة.

وستساهم الدراسة بوضع تصورات مستقبلية تسمح لأصحاب القرار بوضع المفيد من البرامج والأليات التي تدعم نظم الحماية الاجتماعية واستدامة تقدم المرأة، «وستنفذ الدراسة بالتعاون مع الجامعة الملكية للبنات التي بادرت مشكورة بتمويل تكاليف الدراسة».

• ولإلقاء الضوء على الجهود الوطنية الكبيرة التي يبذلها الفريق الوطني المسؤول عن مكافحة المرض ومن أجل الإسهام في تنمية الوعي المجتمعي بكافة احتياجاته، يساند الحملة مسار إعلامي بمحتوى متنوع وبأساليب مبتكرة لضمان أكبر استفادة ممكنة لكافة أفراد الأسرة البحرينية.

ولا يبقى أمامنا في سياق ما تقدم، إلا أن نؤكد بأن المجلس الأعلى للمرأة سيستمر بمتابعة تنفيذ التوجيهات الكريمة لرئيسته الموقرة، صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة عاهل البلاد المفدى، التي تنطلق أولاً وأخيراً من اختصاصات عمله. وستكون هذه الحملة بمثابة «القلب النابض» لاحتياجات المرأة البحرينية في ظل هذه الظروف الحرجة التي تستدعي كل أنواع الدعم والمساندة الميدانية، مع مراعاة مرونة التعاطي في اتخاذ ما يلزم من تدابير قد تفرضها تداعيات مواجهة الوباء للتخلص منه، الذي ندعو الله أن تنجلي غمته عن البحرين و«تعود الحياة لسابق عهدها».

*الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة