أجرت اللقاء - سماح علام
تصوير - سهيل الوزير
طالب التربوي وكيل وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور عبدالله يوسف المطوع بأهمية تنوع أدوات قياس فهم الطالب وتغيير مفهوم التقويم، طارحاً أهمية إعطاء الطالب فرصة "اختيار" أسلوب التقويم الأنسب له حسب قدراته من أجل الوصول إلى الهدف الأساسي من تكوين المعرفة، كما طالب أيضاً بقياس معرفة المعلم كل 4 سنوات معتبراً إياه أمراً مهماً يضمن تطور المعلم وديناميكيته.
ورفض د المطوع طوال فترة عمله في وزارة التربية والتعليم موضوع التعليم عن بعد، إلا أنه اليوم -وهنا تكون المفارقة- يرى أن التعليم عن بعد أصبح أمراً ضرورياً وواقعاً يجب على الجميع التعايش معه في ظل أزمة كورونا (كوفيد19) التي غيرت في حياتنا الكثير، مفرقاً بين فلسفة التعليم والتعلم، مؤكداً على الدور الريادي الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم في إدخال التقنية في المدارس بدءاً بمشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل منذ سنوات.
جاء ذلك في الحوار التفاعلي الأسبوعي مع قروب الأسرة حيث أكد د .عبدالله المطوع أهمية الحفاظ على مكتسبات الدولة، موضحاً أن المدارس ليست سوى جزء من هذه المكتسبات التي يجب الحفاظ عليها، معتبراً أن حب زملائه في القطاع التعليمي وتواصل الطلاب معه بعد تخرجهم، ومحبة الناس له وساماً يحمله على صدره.. وفيما يلي نص الحوار:
- قروب الأسرة: كيف ترى واقع التعليم عن بعد، وهل توافق عليه؟
* د المطوع: السؤال المهم إلى أين نذهب؟ هذا ما تحدده استراتيجيات وضعتها وزارة التربية والتعليم تدرسها وتقيمها، بل وتتابع أهدافها، فعلى سبيل المثال كانت مدارس المستقبل من المشاريع الرائدة على مستوى دول الخليج وأيضاً الدول العربية، وهو ما ساهم في إنجاح التعليم خلال أزمة كورونا، وهو أيضاً ما جعلنا نصل إلى بر الأمان في ضمان سير العام الدراسي الماضي في ظل الجائحة.
كنت في السابق وتحديداً في بداية 2000 معارضاً جدا للتعليم عن بعد، لأن الشهادات تأتي غير منضبطة، وكان هناك عدم وضوح لقياس التعليم وأثره، وهذا ما كان يجعلني معارضاً للتعليم عن بعد في ذاك الوقت، ولكن اليوم في ظل التطور والتغيير في الظروف أصبح لزاما المضي قدماً في موضوع التعليم عن بعد مع وضع الضمانات لتأدية الرسالة التعليمية على أكمل وجه.
- قروب الأسرة: ما الذي تغير في التعليم بين الأمس واليوم؟
* د المطوع: "كل معلم في وقته زين"، فالمعلمين في بدايات التعليم كانوا يشربون من "الزير" أما اليوم نتحدث عن مدارس متطورة عملاقة بها "مختبرات ولفتات"، فسابقاً كنا نتحدث عن شرح ورسوم على السبورة أما اليوم تطورنا إلى شاشات وكمبيوترات وأجهزة وتقنيات وألوان، ولكن في كل الحالات هناك دروس وهناك هدف تعليمي يتحقق. إن كنا نتحدث عن عصر السبورة والطبشور فقد خرج ذاك الزمن الأطباء والوزراء والمهندسين وغيرهم، إذا نحن نتحدث عن تطور طبيعي أصاب قطاع التعليم ولا يزال يظل بظلاله على مفاصله الآخذه في التطور.. ولكن ما أود أن ألفت النظر إليه هو ما نتميز به في البحرين من بنية تحتية قوية للتعليم، فالمباني عملاقة، ومدارسنا متقدمة على الصعيد العالمي، وهناك حداثة وإمكانيات موجودة في مدارسنا لا توجد في مدارس أخرى في شتى بقاع العالم، وحق علينا ذكر هذا التطور والإشادة به.
التعليم والذاكرة الجميلة
- قروب الأسرة: ماذا يعني لك التعليم عن بعد، وكيف ترى تجربتك في التعليم من داخل الصفوف قبل الانتقال إلى الإدارة العليا في الوزارة ؟
* د المطوع: أتمنى أن يعود بي الزمان وأقوم بتدريس مادة الرياضيات من جديد، فقد كانت فترة جميلة في حياتي أستذكرها بكل تفاصيلها.. ولكن نتحدث اليوم عن واقع جديد يفرض علينا أسلوباً مغايراً في التعامل من أجل السير قدماً في حياتنا، فلا نريد للاقتصاد أن يقف أو التعليم أن يقف، أو أي خدمة أو قطاع آخر.. فالاستمرارية هي سر الحياة.. والحقيقة تقال إنه في ظل وجود اجتماعات رسمية للدولة على أعلى مستوى تتم عن بعد، وظل وجود الكثير من القطاعات التي غيرت عملها وفق فلسفة عمل جديدة تتم عن بعد، فإن التعليم لا يجب أن يقل شأناً عن ما يمارس في المملكة.
أذكر أن في مدرسة الشيخ عبدالله بن عيسى الثانوية للبنين كان هناك تعليم عن بعد في المختبرات الافتراضية، وكان يمثل نقطة نجاح تحسب لقطاع التعليم، وإن كنا لم نصل إلى الهدف الأسمى إلا أننا تقدمنا كثيراً عن الكثير من الدول.. والملفت أن وزارة التربية والتعليم كانت سباقة في التعليم عن بعد لجهة المختبرات الافتراضية، وأدخلته كجزء من التعليم منذ سنوات ماضية جعلتنا أكثر قدرة على السير قدماً في ظل الأزمة، وهي نقطة تميز في حد ذاتها.
صناعة المعلم
- قروب الوطن: كيف ترى وضع المعلم اليوم مقارنة بمعلم الأمس، وما الذي تغير؟
* د المطوع: صناعة المعلم سابقاً كانت تقوم على الجانب النظري فقط، ولكن اليوم نتحدث عن ثورة تقنية، تستوجب إيجاد منظومة جديدة لصناعة المعلم، وأن يكون لديه من القدرات والمهارات التقنية لكي يتماشى مع متطلبات العصر، فالطفل اليوم متطور جداً وعلاقته مع التقنية عالية ومتقدمة، لذلك يجب أن يكون المعلم متقدماً جداً في هذا الجانب، من هنا نتحدث عن تغيير جذري في التكوين ومن ثم في أسلوب تقديم المعلومات وشرحها، فزمن التسميع قد ولى.
- قروب الأسرة: برأيك.. هل هناك فرق بين التعليم العام والخاص؟
* د المطوع: كله تعليم.. فالعملية التعليمية موجودة، ولكن يجب أن نتوقف عند المنتج، فهناك أساسيات موجودة في الجانبين، ولا يمكن إعطاء صك أو ضمانة للتعليم هنا جيد أو هناك، ولكننا نتحدث عن عملية تعليمية ناجحة تحدث الأثر المطلوب وتصقل قدرات الطالب، من هنا نجد المتميز موجود في القطاع الحكومي وأيضاً موجود في الخاص، وبالمثل نجد الضعيف في المدارس الحكومية والضعيف موجود في المدارس الخاصة.
ولكن لنوضح أن الطالب اليوم طالب شبه مرفه، وهذه الرفاهية الموجودة عند طلابنا اليوم يحتاجون مقابلها لمعلمين أكثر جدية فلم تعد القوة والقسوة جزءاً من شخصية المعلم المطلوبة، وهذا جزء من التغيير الذي حدث على أرض الواقع.
محطات وتجارب
- قروب الأسرة: من مدرس في مدارس وزارة التربية والتعليم إلى وكيل وزارة.. مشوار يزخر بالتجارب الثرية.. كيف كانت المسيرة؟
* د المطوع: فعلاً تطورت في السلم الوظيفي من معلم إلى معلم أول ثم اختصاصي تربوي ثم اختصاصي مناهج وصولاً إلى مدير إدارة ومن ثم وكيل مساعد ثم وكيل وزارة التربية والتعليم، ولكن هناك عصر ذهبي خلال سنوات عملي، ففترة التعليم كانت هي الفترة الذهبية بالفعل، ولا أزال أتعرف وأجد أشخاصاً من طلابي يتذكرونني في مواقع مختلفة، وهو مصدر سرور بالنسبة لي.
مطبخ المناهج نقطة مهمة في مسيرتي أيضا فالصناعة الصحيحة للمنهج تنتج لدينا صناعة صحيحة لعقول الطلاب، فالأمر صعب جداً ومسؤولية كبيرة، وكان العمل بعد ذلك في إدارة البعثات، واستحدثنا بعثات ولي أمر الطالب للمعلمين في سلك التدريس وكانت حافزاً لهم، وفي كل مرحلة كان هناك عملاً جاداً وإضافة حقيقية .. من هنا أقول إنني مدين للدولة التي صنعتني وشكلتني طوال عمري.
- قروب الأسرة: كيف ترى موضوع التقويم، وهل لديك ملاحظات على أساليب التقويم الموجودة؟
* د المطوع: أطالب هنا بأمرين مهمين أولا بقياس معرفة المعلم كل 4 سنوات، فهو أمر مهم وضروري يضمن لنا مستوى المادة العلمية، وهذه فكرة يمكن استحداثها وقياسها، كما أوكد على تعددية وسائل التقويم، وأن تكون خياراً متاحاً أمام الطالب وليس مفروضاً عليه، فتنوع قياس التقويم وإتاحة فرصة الاختيار أمام الطلاب يتيح فرصة أكبر لتحقيق المعرفة وصولاً إلى الأهداف المطلوبة.
الوزارة بشكل عام لا تهدف إلى ترسيب الطلاب ولا تود استنزاف الموارد، فإذا درس الطالب بجدية سوف يكون قادراً على حل الامتحانات، والامتحانات تكون متنوعة وتناسب الجميع وتضمن تحقيق التمايز بينهم، إذا نتحدث عن أساليب تقويم كثيرة وقدرات مختلفة يجب قياسها.. أيضاً لابد من التفريق بين التعليم والتعلم فهما مفهومان مختلفان، فالتعلم هو تعلم ذاتي يقوم الطالب بتعلم الشيء معتمدا على ذاته، بينما التعليم هو عملية تفاعلية يقوم المدرس فيها بدور مهم وأساسي.
القرية والدولة
- روب الأسرة: حدثنا عن تجربة كتابك "من تربية القرية إلى تربية الدولة"؟
* د المطوع: لهذا الكتاب خطاً زمنياً يوثق محطات حياتي ابتداءً من أجواء القرية حيث بدايات التربية والتعلم وصولاً إلى التدرج الوظيفي، إلى أن أصبحت جزءاً من إدارة التعليم في المملكة، فهذا الكتاب يحوي ذكريات وأحداث كثيرة، تحفظها وتوثق المراحل بتفاصيلها، فتربية القرية كانت البداية وصولاً إلى تربية الدولة التي شكلت تجربة عبدالله المطوع، فالعطاء لم يكن في هذا التدرج بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ وصلت إلى تمثيل البحرين وترأسي المجلس التنفيذي للمنظمة العربي للتربية والثقافة والعلوم "الألسكو" لثلاث سنوات، فضلاً عضويتي للمظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "الأيسسكو" لمدة عام واحد، ورئيس المجلس التنفيذي لمكتب التربية لدول الخليج العربية لمدة عام، وعضو في المكتب العربي للبحوث التربوية لدول الخليج، وعضو مجلس أمناء جامعة الخليج العربي وما زلت، كما وترأست الوفد العربي لزيارة فلسطين وزرنا القدس وصلينا في الأقصى.. كلها محطات هامة من تاريخ التعليم الذي كنت جزءاً منه.. وأعد حالياً كتابا جديدا عن التعليم أيضاً ولكن من منظور مختلف.
- قروب الأسرة: كيف ترى منهج المواطنة وكيف تقيم تجربته؟
* د المطوع: المواطنة ليست درساً، ولا يمكن تجزئة المواطنة، فالمواطنة لا تلقن لأنها إحساس ويشعر بها الطالب منذ الصغر، وللبيت دور كبير فيها، فنحن نتحدث عن نتيجة يشترك بها الجميع، فالارتقاء في المناهج أمر وإعطاء المعرفة في صورة تكاملية أمر مطلوب، إذا أن المعرفة في هذا السياق لا تجزأ فهي كل متكامل.
قصص النجاح
- قروب الأسرة: هل تزخر مدارسنا بقصص النجاح، وكيف ترى التعامل معها؟
* مدارسنا مليئة بقصص النجاح، وعلينا اقتناصها، ومدارسنا ومدرسينا وطلبتنا تميزوا في مسابقات عربية وخليجية، وهناك الكثير من القصص التي تستحق أن نتوقف لديها، والوزير ماجد بن علي النعيمي يستقبل شخصياً كل من يتميز في جانب معين، كما أن الإبداع والتميز أمر موجود في سياسة التعليم في البحرين، وهو أمر يحسب لها.
- قروب الأسرة: كيف ترى واقع الطلاب اليوم وإقبالهم على التعليم وهل هناك شغف متحقق فعلاً؟
* د المطوع: الحياة سابقاً كانت (ناشفة) لا خيارات متاحة ولا أوجه ترفيه، الحياة كانت بسيطة وليس أمام الطالب سوى حل واجباته وفتح الكتاب، أما اليوم نتحدث عن خيارات مفتوحة وعالم مفتوح، فإن التعليم اليوم ليس قراءة المنهج وتقديمه بل هو عصارة خبرة ، وربط وعطاء يجب أن يكون للمعلم دوره وبصمته في ذلك.
- قروب الأسرة: كيف ترى تطور المناهج في البحرين، وإلى أي مدى تأثرنا بالمنهج المصري واللبناني؟
* د المطوع: لقد مرت المناهج بتطورات كثيرة بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي حيث كانت المناهج مصرية، وفي الستينيات من القرن الماضي عندما كان الأستاذ أحمد العمران رحمه الله مديراً للمعارف صار هناك منهج بحريني ولكن بخبرات عربية، وكان كتاب التربية الإسلامية آنذاك من لبنان والإنجليزي من العراق، ثم وصلنا إلى السبعينيات من القرن الماضي فكان هناك تأليف بحريني بخبرات مختلفة، ولكن في الثمانينيات من القرن الماضي دخل العنصر البحريني بقوة في تشكيل المنهج وتطويره وتغييره ببصمة بحرينية، وتوالى التطوير ولا يزال.. وهو جزء من تاريخ تطور التعليم في البحرين.
وصلنا بعدها إلى مرحلة الاتفاق مع شركة "جيو بروجكت"، التي أسند إليها تأليف وطباعة الكتب في لبنان ولكن بمشاركة عناصر بحرينية، وبعد عام 2000 فكر مكتب التربية في الخليج بعمل كتب مشتركة، من هنا تم الاتفاق على طباعة كتب موحدة من سلاسل عالمية، وتمت طباعتها في مطابع العبيكان، ولا تزال المملكة العربية السعودية معنا في هذا الجانب.
- قروب الأسرة: هل من مواقف وذكريات جميلة تشاركنا بها اليوم؟
* د المطوع: المواقف والذكريات كثيرة، فمثلاً أذكر في فترة التدريس أجرينا تجربة عن إعداد الكحول، وكانت تجربة تتمحور حول كيفية تحضيره، وكان مطلوباً في المنهج بل جزء من الدرس، في اليوم الثاني استدعاني المدير وسألني عن سبب قيامي بهذه التجربة مع الطلاب، فكان جوابي أنه موجود في المنهج.
أذكر أيضاً الكثير من المواقف للطلاب في أيام توزيع البعثات، حيث كان أحد الطلبة جاء في يوم تسجيل خاص بالطالبات، فما كان مني إلا أن فتحت له المجال للتسجيل. والمواقف والذكريات كثيرة بطبيعة الحال.
تصوير - سهيل الوزير
طالب التربوي وكيل وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور عبدالله يوسف المطوع بأهمية تنوع أدوات قياس فهم الطالب وتغيير مفهوم التقويم، طارحاً أهمية إعطاء الطالب فرصة "اختيار" أسلوب التقويم الأنسب له حسب قدراته من أجل الوصول إلى الهدف الأساسي من تكوين المعرفة، كما طالب أيضاً بقياس معرفة المعلم كل 4 سنوات معتبراً إياه أمراً مهماً يضمن تطور المعلم وديناميكيته.
ورفض د المطوع طوال فترة عمله في وزارة التربية والتعليم موضوع التعليم عن بعد، إلا أنه اليوم -وهنا تكون المفارقة- يرى أن التعليم عن بعد أصبح أمراً ضرورياً وواقعاً يجب على الجميع التعايش معه في ظل أزمة كورونا (كوفيد19) التي غيرت في حياتنا الكثير، مفرقاً بين فلسفة التعليم والتعلم، مؤكداً على الدور الريادي الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم في إدخال التقنية في المدارس بدءاً بمشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل منذ سنوات.
جاء ذلك في الحوار التفاعلي الأسبوعي مع قروب الأسرة حيث أكد د .عبدالله المطوع أهمية الحفاظ على مكتسبات الدولة، موضحاً أن المدارس ليست سوى جزء من هذه المكتسبات التي يجب الحفاظ عليها، معتبراً أن حب زملائه في القطاع التعليمي وتواصل الطلاب معه بعد تخرجهم، ومحبة الناس له وساماً يحمله على صدره.. وفيما يلي نص الحوار:
- قروب الأسرة: كيف ترى واقع التعليم عن بعد، وهل توافق عليه؟
* د المطوع: السؤال المهم إلى أين نذهب؟ هذا ما تحدده استراتيجيات وضعتها وزارة التربية والتعليم تدرسها وتقيمها، بل وتتابع أهدافها، فعلى سبيل المثال كانت مدارس المستقبل من المشاريع الرائدة على مستوى دول الخليج وأيضاً الدول العربية، وهو ما ساهم في إنجاح التعليم خلال أزمة كورونا، وهو أيضاً ما جعلنا نصل إلى بر الأمان في ضمان سير العام الدراسي الماضي في ظل الجائحة.
كنت في السابق وتحديداً في بداية 2000 معارضاً جدا للتعليم عن بعد، لأن الشهادات تأتي غير منضبطة، وكان هناك عدم وضوح لقياس التعليم وأثره، وهذا ما كان يجعلني معارضاً للتعليم عن بعد في ذاك الوقت، ولكن اليوم في ظل التطور والتغيير في الظروف أصبح لزاما المضي قدماً في موضوع التعليم عن بعد مع وضع الضمانات لتأدية الرسالة التعليمية على أكمل وجه.
- قروب الأسرة: ما الذي تغير في التعليم بين الأمس واليوم؟
* د المطوع: "كل معلم في وقته زين"، فالمعلمين في بدايات التعليم كانوا يشربون من "الزير" أما اليوم نتحدث عن مدارس متطورة عملاقة بها "مختبرات ولفتات"، فسابقاً كنا نتحدث عن شرح ورسوم على السبورة أما اليوم تطورنا إلى شاشات وكمبيوترات وأجهزة وتقنيات وألوان، ولكن في كل الحالات هناك دروس وهناك هدف تعليمي يتحقق. إن كنا نتحدث عن عصر السبورة والطبشور فقد خرج ذاك الزمن الأطباء والوزراء والمهندسين وغيرهم، إذا نحن نتحدث عن تطور طبيعي أصاب قطاع التعليم ولا يزال يظل بظلاله على مفاصله الآخذه في التطور.. ولكن ما أود أن ألفت النظر إليه هو ما نتميز به في البحرين من بنية تحتية قوية للتعليم، فالمباني عملاقة، ومدارسنا متقدمة على الصعيد العالمي، وهناك حداثة وإمكانيات موجودة في مدارسنا لا توجد في مدارس أخرى في شتى بقاع العالم، وحق علينا ذكر هذا التطور والإشادة به.
التعليم والذاكرة الجميلة
- قروب الأسرة: ماذا يعني لك التعليم عن بعد، وكيف ترى تجربتك في التعليم من داخل الصفوف قبل الانتقال إلى الإدارة العليا في الوزارة ؟
* د المطوع: أتمنى أن يعود بي الزمان وأقوم بتدريس مادة الرياضيات من جديد، فقد كانت فترة جميلة في حياتي أستذكرها بكل تفاصيلها.. ولكن نتحدث اليوم عن واقع جديد يفرض علينا أسلوباً مغايراً في التعامل من أجل السير قدماً في حياتنا، فلا نريد للاقتصاد أن يقف أو التعليم أن يقف، أو أي خدمة أو قطاع آخر.. فالاستمرارية هي سر الحياة.. والحقيقة تقال إنه في ظل وجود اجتماعات رسمية للدولة على أعلى مستوى تتم عن بعد، وظل وجود الكثير من القطاعات التي غيرت عملها وفق فلسفة عمل جديدة تتم عن بعد، فإن التعليم لا يجب أن يقل شأناً عن ما يمارس في المملكة.
أذكر أن في مدرسة الشيخ عبدالله بن عيسى الثانوية للبنين كان هناك تعليم عن بعد في المختبرات الافتراضية، وكان يمثل نقطة نجاح تحسب لقطاع التعليم، وإن كنا لم نصل إلى الهدف الأسمى إلا أننا تقدمنا كثيراً عن الكثير من الدول.. والملفت أن وزارة التربية والتعليم كانت سباقة في التعليم عن بعد لجهة المختبرات الافتراضية، وأدخلته كجزء من التعليم منذ سنوات ماضية جعلتنا أكثر قدرة على السير قدماً في ظل الأزمة، وهي نقطة تميز في حد ذاتها.
صناعة المعلم
- قروب الوطن: كيف ترى وضع المعلم اليوم مقارنة بمعلم الأمس، وما الذي تغير؟
* د المطوع: صناعة المعلم سابقاً كانت تقوم على الجانب النظري فقط، ولكن اليوم نتحدث عن ثورة تقنية، تستوجب إيجاد منظومة جديدة لصناعة المعلم، وأن يكون لديه من القدرات والمهارات التقنية لكي يتماشى مع متطلبات العصر، فالطفل اليوم متطور جداً وعلاقته مع التقنية عالية ومتقدمة، لذلك يجب أن يكون المعلم متقدماً جداً في هذا الجانب، من هنا نتحدث عن تغيير جذري في التكوين ومن ثم في أسلوب تقديم المعلومات وشرحها، فزمن التسميع قد ولى.
- قروب الأسرة: برأيك.. هل هناك فرق بين التعليم العام والخاص؟
* د المطوع: كله تعليم.. فالعملية التعليمية موجودة، ولكن يجب أن نتوقف عند المنتج، فهناك أساسيات موجودة في الجانبين، ولا يمكن إعطاء صك أو ضمانة للتعليم هنا جيد أو هناك، ولكننا نتحدث عن عملية تعليمية ناجحة تحدث الأثر المطلوب وتصقل قدرات الطالب، من هنا نجد المتميز موجود في القطاع الحكومي وأيضاً موجود في الخاص، وبالمثل نجد الضعيف في المدارس الحكومية والضعيف موجود في المدارس الخاصة.
ولكن لنوضح أن الطالب اليوم طالب شبه مرفه، وهذه الرفاهية الموجودة عند طلابنا اليوم يحتاجون مقابلها لمعلمين أكثر جدية فلم تعد القوة والقسوة جزءاً من شخصية المعلم المطلوبة، وهذا جزء من التغيير الذي حدث على أرض الواقع.
محطات وتجارب
- قروب الأسرة: من مدرس في مدارس وزارة التربية والتعليم إلى وكيل وزارة.. مشوار يزخر بالتجارب الثرية.. كيف كانت المسيرة؟
* د المطوع: فعلاً تطورت في السلم الوظيفي من معلم إلى معلم أول ثم اختصاصي تربوي ثم اختصاصي مناهج وصولاً إلى مدير إدارة ومن ثم وكيل مساعد ثم وكيل وزارة التربية والتعليم، ولكن هناك عصر ذهبي خلال سنوات عملي، ففترة التعليم كانت هي الفترة الذهبية بالفعل، ولا أزال أتعرف وأجد أشخاصاً من طلابي يتذكرونني في مواقع مختلفة، وهو مصدر سرور بالنسبة لي.
مطبخ المناهج نقطة مهمة في مسيرتي أيضا فالصناعة الصحيحة للمنهج تنتج لدينا صناعة صحيحة لعقول الطلاب، فالأمر صعب جداً ومسؤولية كبيرة، وكان العمل بعد ذلك في إدارة البعثات، واستحدثنا بعثات ولي أمر الطالب للمعلمين في سلك التدريس وكانت حافزاً لهم، وفي كل مرحلة كان هناك عملاً جاداً وإضافة حقيقية .. من هنا أقول إنني مدين للدولة التي صنعتني وشكلتني طوال عمري.
- قروب الأسرة: كيف ترى موضوع التقويم، وهل لديك ملاحظات على أساليب التقويم الموجودة؟
* د المطوع: أطالب هنا بأمرين مهمين أولا بقياس معرفة المعلم كل 4 سنوات، فهو أمر مهم وضروري يضمن لنا مستوى المادة العلمية، وهذه فكرة يمكن استحداثها وقياسها، كما أوكد على تعددية وسائل التقويم، وأن تكون خياراً متاحاً أمام الطالب وليس مفروضاً عليه، فتنوع قياس التقويم وإتاحة فرصة الاختيار أمام الطلاب يتيح فرصة أكبر لتحقيق المعرفة وصولاً إلى الأهداف المطلوبة.
الوزارة بشكل عام لا تهدف إلى ترسيب الطلاب ولا تود استنزاف الموارد، فإذا درس الطالب بجدية سوف يكون قادراً على حل الامتحانات، والامتحانات تكون متنوعة وتناسب الجميع وتضمن تحقيق التمايز بينهم، إذا نتحدث عن أساليب تقويم كثيرة وقدرات مختلفة يجب قياسها.. أيضاً لابد من التفريق بين التعليم والتعلم فهما مفهومان مختلفان، فالتعلم هو تعلم ذاتي يقوم الطالب بتعلم الشيء معتمدا على ذاته، بينما التعليم هو عملية تفاعلية يقوم المدرس فيها بدور مهم وأساسي.
القرية والدولة
- روب الأسرة: حدثنا عن تجربة كتابك "من تربية القرية إلى تربية الدولة"؟
* د المطوع: لهذا الكتاب خطاً زمنياً يوثق محطات حياتي ابتداءً من أجواء القرية حيث بدايات التربية والتعلم وصولاً إلى التدرج الوظيفي، إلى أن أصبحت جزءاً من إدارة التعليم في المملكة، فهذا الكتاب يحوي ذكريات وأحداث كثيرة، تحفظها وتوثق المراحل بتفاصيلها، فتربية القرية كانت البداية وصولاً إلى تربية الدولة التي شكلت تجربة عبدالله المطوع، فالعطاء لم يكن في هذا التدرج بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ وصلت إلى تمثيل البحرين وترأسي المجلس التنفيذي للمنظمة العربي للتربية والثقافة والعلوم "الألسكو" لثلاث سنوات، فضلاً عضويتي للمظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "الأيسسكو" لمدة عام واحد، ورئيس المجلس التنفيذي لمكتب التربية لدول الخليج العربية لمدة عام، وعضو في المكتب العربي للبحوث التربوية لدول الخليج، وعضو مجلس أمناء جامعة الخليج العربي وما زلت، كما وترأست الوفد العربي لزيارة فلسطين وزرنا القدس وصلينا في الأقصى.. كلها محطات هامة من تاريخ التعليم الذي كنت جزءاً منه.. وأعد حالياً كتابا جديدا عن التعليم أيضاً ولكن من منظور مختلف.
- قروب الأسرة: كيف ترى منهج المواطنة وكيف تقيم تجربته؟
* د المطوع: المواطنة ليست درساً، ولا يمكن تجزئة المواطنة، فالمواطنة لا تلقن لأنها إحساس ويشعر بها الطالب منذ الصغر، وللبيت دور كبير فيها، فنحن نتحدث عن نتيجة يشترك بها الجميع، فالارتقاء في المناهج أمر وإعطاء المعرفة في صورة تكاملية أمر مطلوب، إذا أن المعرفة في هذا السياق لا تجزأ فهي كل متكامل.
قصص النجاح
- قروب الأسرة: هل تزخر مدارسنا بقصص النجاح، وكيف ترى التعامل معها؟
* مدارسنا مليئة بقصص النجاح، وعلينا اقتناصها، ومدارسنا ومدرسينا وطلبتنا تميزوا في مسابقات عربية وخليجية، وهناك الكثير من القصص التي تستحق أن نتوقف لديها، والوزير ماجد بن علي النعيمي يستقبل شخصياً كل من يتميز في جانب معين، كما أن الإبداع والتميز أمر موجود في سياسة التعليم في البحرين، وهو أمر يحسب لها.
- قروب الأسرة: كيف ترى واقع الطلاب اليوم وإقبالهم على التعليم وهل هناك شغف متحقق فعلاً؟
* د المطوع: الحياة سابقاً كانت (ناشفة) لا خيارات متاحة ولا أوجه ترفيه، الحياة كانت بسيطة وليس أمام الطالب سوى حل واجباته وفتح الكتاب، أما اليوم نتحدث عن خيارات مفتوحة وعالم مفتوح، فإن التعليم اليوم ليس قراءة المنهج وتقديمه بل هو عصارة خبرة ، وربط وعطاء يجب أن يكون للمعلم دوره وبصمته في ذلك.
- قروب الأسرة: كيف ترى تطور المناهج في البحرين، وإلى أي مدى تأثرنا بالمنهج المصري واللبناني؟
* د المطوع: لقد مرت المناهج بتطورات كثيرة بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي حيث كانت المناهج مصرية، وفي الستينيات من القرن الماضي عندما كان الأستاذ أحمد العمران رحمه الله مديراً للمعارف صار هناك منهج بحريني ولكن بخبرات عربية، وكان كتاب التربية الإسلامية آنذاك من لبنان والإنجليزي من العراق، ثم وصلنا إلى السبعينيات من القرن الماضي فكان هناك تأليف بحريني بخبرات مختلفة، ولكن في الثمانينيات من القرن الماضي دخل العنصر البحريني بقوة في تشكيل المنهج وتطويره وتغييره ببصمة بحرينية، وتوالى التطوير ولا يزال.. وهو جزء من تاريخ تطور التعليم في البحرين.
وصلنا بعدها إلى مرحلة الاتفاق مع شركة "جيو بروجكت"، التي أسند إليها تأليف وطباعة الكتب في لبنان ولكن بمشاركة عناصر بحرينية، وبعد عام 2000 فكر مكتب التربية في الخليج بعمل كتب مشتركة، من هنا تم الاتفاق على طباعة كتب موحدة من سلاسل عالمية، وتمت طباعتها في مطابع العبيكان، ولا تزال المملكة العربية السعودية معنا في هذا الجانب.
- قروب الأسرة: هل من مواقف وذكريات جميلة تشاركنا بها اليوم؟
* د المطوع: المواقف والذكريات كثيرة، فمثلاً أذكر في فترة التدريس أجرينا تجربة عن إعداد الكحول، وكانت تجربة تتمحور حول كيفية تحضيره، وكان مطلوباً في المنهج بل جزء من الدرس، في اليوم الثاني استدعاني المدير وسألني عن سبب قيامي بهذه التجربة مع الطلاب، فكان جوابي أنه موجود في المنهج.
أذكر أيضاً الكثير من المواقف للطلاب في أيام توزيع البعثات، حيث كان أحد الطلبة جاء في يوم تسجيل خاص بالطالبات، فما كان مني إلا أن فتحت له المجال للتسجيل. والمواقف والذكريات كثيرة بطبيعة الحال.