رؤى الحايكي
هذا الدخيل على حياتنا وثقافتنا - «العنف المادي والمعنوي» - دخل على مجتمعنا منذ سنوات من مداخل مختلفة، كان زائراً ثقيل الظل وغليظ اللسان يطل علينا بين فترة وأخرى، من خلال بعض الأخبار أو المواقف النادرة الحدوث. واليوم هو «يعيش بيننا»، أصبح مقيما في الوجدان عند البعض، مغيرا ملامح الوجوه ولغة الحوار والجسد، تاركا بصمته السوداء في كل مكان.
والعنف موجود بوجود الإنسان ولا يعد ظاهرة جديدة من حيث الفكرة، فقصة قابيل وهابيل أكبر دليل على وجود نزعة العنف وما يغذيها في النفس من نزعات أخرى. ولكن الجديد في الموضوع واللافت في مجتمعنا البحريني أن نبرة العنف قد تعالت كثيراً ورقعته توسعت من حولنا في الحوارات والممارسات اليومية، سواء كان ذلك بوعي من البعض مع سابق الإصرار أم كان بغياب الإدراك عند وقوع الفعل من البعض الآخر بسبب التأثر بالمحيط.
وما يهمنا كأولياء أمور بالدرجة الأولى ليس فقط البحث عن أسباب نشوء ظاهرة العنف وكيفية تخفيف آثاره علينا، بل محاولة طرده من حياة أبنائنا. والكل يتفق على أن الموضوع ليس بالأمر اليسير في زمن معقد قست فيه القلوب وانتشرت فيه احتياجات نفسية مستجدة وسلوكيات سلبية تستفز العنف في النفوس وتعزز من وجوده بقوة، كالتفكير المتواصل بالذات والسعي لإرضائها، وحب التملك الصارخ، والبحث الدؤوب عن السلطة، وكذلك التسلط والهوس عند توافرالقوة النفسية والجسدية.
ولزيادة التوضيح، إن ما أعنيه بعبارة «العنف يعيش بيننا» ليس فكرة أن الجميع في معارك جسدية بالأيدي والأرجل، بل ما أعنيه هو ذلك العنف الخفي المتسلل وسط الأحاديث والنبرات وملامح الوجوه وطريقة التعامل. فعندما أناقش بعنف لأثبت وجهة نظري «أنا أنشر العنف»، وعندما يكلمني طفلي وأنا في مزاج عكر وأطلب منه أن يبتعد عني بقسوة «فأنا أنشر العنف»، وعندما أسوق سيارتي في وقت الذروة بطريقة سريعة وعصبية «فأنا أنشر العنف»، وعندما لا أسامح بسهولة ولا أبتسم إلا لمصلحة «فأنا أنشر العنف»، وعندما أقول لنفسي: «مصلحتي ومن بعدي الطوفان» مؤكد «أنا أنشر العنف».
هذه أمثلة بسيطة لنشر العنف الخفي المعنوي والذي يعد عنفا من نوع راقٍ مقارنة بالضرب أو الشتم أو الاعتداء على حقوق الغير، ولا يغيب عن الأذهان أن العنف المتسلل يتحول مع الوقت إلى عنف مادي وتشابك بالأيدي والأرجل وجنح وجنايات.
إن سلوك الوالدين المتأثر بلغة العنف اليومية ينعكس على أبنائهم ويشكل ملامح شخصياتهم، أبنائهم الذين يقضون معظم أوقاتهم بين لعب الألعاب الإلكترونية التي تزرع العنف في التركيبة النفسية وتأججه، وبين مشاهدة أفلام الأكشن بكل أنواعها، أبنائهم الذين يتعاملون مع أقرانهم والذين هم بدورهم قد تأثروا من وراء ألعابهم وأفلامهم وكذلك تعامل آبائهم معهم، آبائهم الذين بدورهم يخوضون الحياة اليومية بكل تفاصيل العنف المعنوي والخفي فيها. هي دائرة تدور وتغذي نفسها بقوة وسرعة كبيرة «بالعنف».
إن محاولة التعامل مع العنف تتطلب وعياً وقلباً كبيراً وصبراً وتسامحاً، والأهم أنها تتطلب وقفة مجتمعية ويدا واحدة تدفع بالعنف خلف القضبان وتنفيه في محاولة لاستعادة السلام والهدوء. وأعود إلى نقطة «مراقبة الذات» وتقييم السلوك ونبذ كل ما هو دخيل على شخصية المجتمع البحريني الذي عاش سنوات يبتسم برغم الصعاب.
المجتمع الذي عاش الأمن النفسي والحب الأبوي في كل ركن من أركانه. عاش صبر الغواصين وتفاؤلهم، وعاش فرحة المزارعين وإخلاصهم، وعاش يفكر كيف يعطي ويضحي من أجل وطنه والآخرين، برغم صعوبة الحياة التي لم تستطع أن تسرق البسمة والتآلف من قلوب الناس.
{{ article.visit_count }}
هذا الدخيل على حياتنا وثقافتنا - «العنف المادي والمعنوي» - دخل على مجتمعنا منذ سنوات من مداخل مختلفة، كان زائراً ثقيل الظل وغليظ اللسان يطل علينا بين فترة وأخرى، من خلال بعض الأخبار أو المواقف النادرة الحدوث. واليوم هو «يعيش بيننا»، أصبح مقيما في الوجدان عند البعض، مغيرا ملامح الوجوه ولغة الحوار والجسد، تاركا بصمته السوداء في كل مكان.
والعنف موجود بوجود الإنسان ولا يعد ظاهرة جديدة من حيث الفكرة، فقصة قابيل وهابيل أكبر دليل على وجود نزعة العنف وما يغذيها في النفس من نزعات أخرى. ولكن الجديد في الموضوع واللافت في مجتمعنا البحريني أن نبرة العنف قد تعالت كثيراً ورقعته توسعت من حولنا في الحوارات والممارسات اليومية، سواء كان ذلك بوعي من البعض مع سابق الإصرار أم كان بغياب الإدراك عند وقوع الفعل من البعض الآخر بسبب التأثر بالمحيط.
وما يهمنا كأولياء أمور بالدرجة الأولى ليس فقط البحث عن أسباب نشوء ظاهرة العنف وكيفية تخفيف آثاره علينا، بل محاولة طرده من حياة أبنائنا. والكل يتفق على أن الموضوع ليس بالأمر اليسير في زمن معقد قست فيه القلوب وانتشرت فيه احتياجات نفسية مستجدة وسلوكيات سلبية تستفز العنف في النفوس وتعزز من وجوده بقوة، كالتفكير المتواصل بالذات والسعي لإرضائها، وحب التملك الصارخ، والبحث الدؤوب عن السلطة، وكذلك التسلط والهوس عند توافرالقوة النفسية والجسدية.
ولزيادة التوضيح، إن ما أعنيه بعبارة «العنف يعيش بيننا» ليس فكرة أن الجميع في معارك جسدية بالأيدي والأرجل، بل ما أعنيه هو ذلك العنف الخفي المتسلل وسط الأحاديث والنبرات وملامح الوجوه وطريقة التعامل. فعندما أناقش بعنف لأثبت وجهة نظري «أنا أنشر العنف»، وعندما يكلمني طفلي وأنا في مزاج عكر وأطلب منه أن يبتعد عني بقسوة «فأنا أنشر العنف»، وعندما أسوق سيارتي في وقت الذروة بطريقة سريعة وعصبية «فأنا أنشر العنف»، وعندما لا أسامح بسهولة ولا أبتسم إلا لمصلحة «فأنا أنشر العنف»، وعندما أقول لنفسي: «مصلحتي ومن بعدي الطوفان» مؤكد «أنا أنشر العنف».
هذه أمثلة بسيطة لنشر العنف الخفي المعنوي والذي يعد عنفا من نوع راقٍ مقارنة بالضرب أو الشتم أو الاعتداء على حقوق الغير، ولا يغيب عن الأذهان أن العنف المتسلل يتحول مع الوقت إلى عنف مادي وتشابك بالأيدي والأرجل وجنح وجنايات.
إن سلوك الوالدين المتأثر بلغة العنف اليومية ينعكس على أبنائهم ويشكل ملامح شخصياتهم، أبنائهم الذين يقضون معظم أوقاتهم بين لعب الألعاب الإلكترونية التي تزرع العنف في التركيبة النفسية وتأججه، وبين مشاهدة أفلام الأكشن بكل أنواعها، أبنائهم الذين يتعاملون مع أقرانهم والذين هم بدورهم قد تأثروا من وراء ألعابهم وأفلامهم وكذلك تعامل آبائهم معهم، آبائهم الذين بدورهم يخوضون الحياة اليومية بكل تفاصيل العنف المعنوي والخفي فيها. هي دائرة تدور وتغذي نفسها بقوة وسرعة كبيرة «بالعنف».
إن محاولة التعامل مع العنف تتطلب وعياً وقلباً كبيراً وصبراً وتسامحاً، والأهم أنها تتطلب وقفة مجتمعية ويدا واحدة تدفع بالعنف خلف القضبان وتنفيه في محاولة لاستعادة السلام والهدوء. وأعود إلى نقطة «مراقبة الذات» وتقييم السلوك ونبذ كل ما هو دخيل على شخصية المجتمع البحريني الذي عاش سنوات يبتسم برغم الصعاب.
المجتمع الذي عاش الأمن النفسي والحب الأبوي في كل ركن من أركانه. عاش صبر الغواصين وتفاؤلهم، وعاش فرحة المزارعين وإخلاصهم، وعاش يفكر كيف يعطي ويضحي من أجل وطنه والآخرين، برغم صعوبة الحياة التي لم تستطع أن تسرق البسمة والتآلف من قلوب الناس.