أيمن شكل

أثرت جائحة فيروس كورونا (كوفيدـ19) على العديد من القطاعات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، ولكن أثرها الاقتصادي ظهر بوضوح في تعطل الكثيرين عن العمل والاستغناء عن وظائف في مقابل ظهور وظائف أخرى لم تكن في الحسبان، ولم تكن الجائحة فقط صاحبة السبق في ذلك، ولكن التطور التكنولوجي والتغيرات الاقتصادية استدعت وظائف غير معروفة بالمنطقة.

ومن بين الوظائف التي ظهرت ربما قبل بدء انتشار الجائحة، هي وظيفة المحاسب الضريبي والتي ارتبطت ببدء تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة، حيث أوضح رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب النائب أحمد السلوم ضريبة القيمة المضافة سوف تخلق كادراً وظيفياً جديداً وهو المحاسب الضريبي، وبالفعل بدأت الشركات والمؤسسات الاقتصادية البحث عن محاسب لديه الخبرة في التعامل مع الضرائب، بينما استعانت مؤسسات اقتصادية أخرى بشركات متخصصة في هذا الأمر، لكون الضرائب تخصم في بداية التعامل مع السلعة ومن ثم تسترد من المستهلك أو الوسيط، وهو ما يحتاج لشخص متخصص يعمل بشكل يومي لرصد الحسابات الضريبية واحتسابها.

وقال السلوم إن المؤسسات المتوسطة والصغيرة اليوم باتت أكثر حاجة لوجود محاسب دائم ضمن كوادرها، مشيراً إلى أن الحد الأدنى من موظفي المؤسسة التي تحتوي على 4 موظفين، سيكون الخامس هو المحاسب المتخصص في الشأن الضريبي.

خبير ضرائب لم يجد وظيفة في مجاله

لكن توقعات النائب السلوم تعتبر سابقة لأوانها، فمازالت وظيفة خبير الضرائب تراوح مكانها، ومن أمثلة ذلك المحاسب الضريبي منصور مصطفى وهو شاب بحريني تخرج عام 2010 من قسم مالية ومحاسبة بجامعة البحرين، وعمل بعد التخرج في الحسابات بشركة تأمين ثم قسم موارد بشرية بشركة أخرى لمدة 4 سنوات وبعدها محاسباً بالبنك الفرنسي، ثم قرر السفر للبحث عن فرصة عمل في أمريكا، وهناك استطاع أن يعمل في مجال ضرائب الدخل، بسيليكون فالي بكالفورنيا لمدة 4 سنوات استطاع أن يحصد خلالها خبرة لا بأس بها في مجال ضرائب الدخل بكافة أنواعها.

وقال منصور إن الضرائب في أمريكا تفرض على أي مدخول لحساب المواطن سواء راتبه من الوظيفة أو استثمارات خاصة، أو حتى لو قرر تأجير غرفة في بيته، ولذلك استطاع أن يكتسب خبرة في كافة أنواع ضرائب الدخل، ثم عاد إلى البحرين ليستقر باحثاً عن وظيفة تناسب قدراته، لكنه كان شخصية فريدة في مجتمع الوظائف البحريني، حيث لم يجد تخصصه.

لكن منصور أكد أن المستقبل سيحمل العشرات من وظائف الضرائب، موضحاً أن دول الخليج لا بد لها من تنويع مصادر الدخل، وذلك بعد تذبذب أسعار النفط، وقرب انتهاء هذه الحقبة، وقال إن ذلك سيجبر دول المنطقة على فرض ضرائب دخل على مواطنيها لرفد موارد الدولة، حيث بدأت بالقيمة المضافة، إلا أن ضريبة الدخل ستأتي لا محالة.

الأمر ليس جديداً

ولم يعتبر الاقتصادي د. أكبر جعفري مسألة إحلال وتبديل الوظائف بالأمر الجديد، مؤكداً أنها ظاهرة مستمرة على مر العصور، وعاد إلى حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي واستحضر وظائف مثل هندسة المواد الصلبة والميكانيكية والكهرباء والتي قال إنها إما اختفت أو تغيرت جذرياً لأنها اشتبكت مع الهندسة الرقمية، مثلها مثل وظائف كثيرة لا يتسع المجال لحصرها أو ذكرها.

لكن جعفري أشار إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت تسارعاً كبيراً في تغيير النمط المتعارف عليه من الوظائف بسبب التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم، وظهور مشروعات اقتصادية هائلة تعتمد فقط على تطبيق إلكتروني أو تكنولوجيا حديثة، وأسهمت مثل تلك المشروعات في خلق وظائف بالملايين على مستوى العالم، ومن أبرزها تطبيق أوبر لسيارات الأجرة، والذي غير مفهوم سائق التاكسي ليتداخل معه مالك السيارة العادية ويعمل في تلك الوظيفة ملايين من البشر حول العالم.

كما أوضح الخبير الاقتصادي أن عام 2020 فقط شهد أكبر عملية تسارع وتغيير في نوعية الوظائف، وخاصة بعد ظهور فيروس كورونا (كوفيدـ19)، واكتشاف العالم الحاجة الملحة للدراسات والأبحاث الطبية المتخصصة، وتوظيف التكنولوجيا في مسار لم يكن موجوداً قبل الجائحة، وهو المسار الطبي الذي يشهد اليوم تطور أسرع مما كان متوقعاً بسبب الفيروس.

كادر وظيفي آخر لفت إليه جعفري، مؤكداً أنه سيشهد انتعاشة كبيرة خلال المرحلة القادمة، وهو تخصص الموارد البشرية الذي يتعمق في تفاصيل أكثر حول أمزجة العاملين والمستهلكين، والربط بين كفاءة الإنتاج وحالة الموظف النفسية ومراعاة توفير تخصص دقيق لعلم الموارد البشرية يربط بين علوم الموارد البشرية والعلوم النفسية والاجتماعية، وفق إحصائيات دقيقة ومتطورة تعطي صانع القرار نتائج ومؤشرات لرفع كفاءة العمل عبر التأثير النفسي في العامل لكي ينتج أكثر وبكفاءة أعلى.

وأضاف جعفري موضحاً المجال الثاني وهو الجانب الإنساني في عمليات المبيعات وكيفية إرضاء الزبائن، وقال إن هذا المجال يشهد حالة تصاعدية لكنه يحتاج لدراسة سيكولوجية الزبون وربطها بخبرة الموظف ليكون خبيراً في المبيعات والدراسات السيكولوجية والنفسية، وأشار إلى أن هذا العلم يقف اليوم عند مستوى الأمور الفنية فقط، بينما العلم المتخصص في إرضاء العميل يكمن في دراسة طبيعة تصرفات الإنسان.

وأكد أن بناء الكوادر القيادية يحتاج لمتخصصين في فهم تلك السيكولوجية وسيكون السلاح الأقوى للقيادات الناجحة هو فهم تصرفات البشر، وأضاف: في السابق كانت العلوم تبحث في فهم الموارد المادية، بينما اليوم حدث تغيير من إدارة المادية إلى البشرية.

ولكن هل هناك جامعات تطرح مثل هذه الدراسات؟

فأجاب جعفري منوهاً إلى وجود جامعات تقدم دراسات ولكنها تحتاج لمحتوى مغاير، وأن تعزز هذا المحتوى بجرعات أكبر وأوسع وتطور الدرسات بنفس المسميات وهو ما سيمثل تحدياً كبيراً أمام الجامعات.

مازال الذكاء الاصطناعي يحتاج للبشر

ومن بين التوقعات المستقبلية أوضح الخبير التكنولوجي جاسم حاجي أن شركة جارتنر تتوقع أنه بحلول عام 2025 سيتم التعامل مع أكثر من 85٪ من تفاعلات العملاء دون أن يكون هناك وجود للإنسان، وسيحل برنامج chatbot لمحاكاة المحادثة مع المستخدمين عبر الإنترنت، مكان الإنسان، لكنه أكد أن الذكاء الاصطناعي ليس جاهزاً حتى الآن لإنتاج تجارب رائعة للمستخدمين بمفرده بل على العكس فإنه يتطلب عملاً هائلاً سيقوم به البشر والموظفون.

وحول الوظائف المتوقع اختفاؤها وظهور أخرى بديلة، أشار حاجي إلى توقعات خبراء بإمكانية استبدال ما يصل إلى 800 مليون وظيفة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وقال إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قادرة بالفعل على التعامل مع العديد من الوظائف المحاسبية، مثل إعداد الضرائب، والرواتب، ومراجعة الحسابات، حيث قام العديد من أبرز مقدمي البرامج المحاسبية، بما في ذلك Xero و Intuit و Sage ، بدمج تقنية الذكاء الاصطناعي في برامجهم للتعامل مع المهام المحاسبية الأساسية، مثل التسويات المصرفية وتصنيف الفواتير وتقييم المخاطر وعمليات التدقيق، مثل عمليات تقديم المصاريف ودفع الفواتير.

لكنه أكد أن الذكاء الاصطناعي سوف يقوم بتحويل لا استبدال المحاسبين، مؤكداً أنه ستكون هناك حاجة دائمة للعنصر البشري وسوف يقوم الذكاء الاصطناعي بتوفير وظائف أكثر من تلك التي سوف يحل محلها، تاركاً للعمال، بمن فيهم المحاسبون الخيارات، واختتم قائلاً: ليس هناك داعٍ لكي يقلق المحاسبون بشأن استبدال وظائفهم بالذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. فسوف تحتاج الشركات دائماً إلى محاسبين يمكنهم تحليل وتفسير بيانات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تقديم خدمات استشارية.

إحصائيات بحرينية.. المحاسبات يتجاوزن المحاسبين

وأظهرت الإحصائيات أن عدد البحرينيين الذين يعملون في قطاع المحاسبة يبلغ 1258 موظفاً، بينما تتفوق البحرينيات في هذا القطاع حيث يبلغ عدد المحاسبات 1540 بحرينية.

وبلغ عدد الأجانب العاملين في الوظائف المالية والمحاسبية من الذكور 9400 موظف وبنسبة 2.3% من إجمالي وظائف غير البحرينيين من الذكور، بينما يبلغ عدد الموظفات الأجنبيات في نفس المهنة 4350 موظفة وبنسبة 13.1% من العاملات الأجانب الإناث، كما بينت الإحصائيات أن الأجانب من الذكور العاملين في وظائف تكنولوجيا المعلومات يبلغ عددهم 3829 موظفاً و 904 موظفات وبنسبة أقل من 1% من عدد الأجانب الرجال العاملين، و 2.7% للإناث العاملات في البحرين.

الرئيس التنفيذي على رأس قائمة أعلى الرواتب

كما كشفت إحصائية هيئة التأمين الاجتماعي لأعلى الوظائف أجوراً أن الرئيس التنفيذي يأتي على رأس القائمة براتب شهري 6760 ديناراً، يليه مدير الاستثمار والقروض في البنوك براتب 6 آلاف دينار، ثم رئيس الشؤون المالية ونائب الرئيس التنفيذي برواتب تناهز 5 آلاف دينار، ويليهم وظيفة "سمسار تبادل العملات" براتب 4280 ديناراً، ومدير خزينة بنك بمتوسط 3750 ديناراً، ومدير الرقابة الاقتصادية والتخطيط بمتوسط 3650 ديناراً، ثم كل من المدير الإقليمي والطيار بمتوسط 3500 دينار، ويأتي من بعدهم مدير التدقيق ورئيس العمليات بمتوسط راتب 3300 دينار، ثم مدير ضبط المخاطر ومدير الائتمان والطبيب الجراح بمتوسط فوق 3 آلاف دينار بحوالي 100 دينار، وينخفض معدل الراتب لما بعد 3 آلاف دينار لكل من أخصائي إدارة الأخطار والمدير التنفيذي ومساعد المدير العام ومهندسي النفط، ويتراوح راتب مدير عمليات الطيران ومدير الشؤون المالية ومهندس الطائرات عند 2600 دينار، وتظهر فئة أستاذ جامعي والجيولوجي ومهندس العمليات ومديري التدريب والتطوير والتأمين وشؤون الطيران والعمليات الأرضية والطبيب الاستشاري عند مستوى أقل من 2500 دينار.

ويبلغ عدد البحرينيين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي قرابة 3 آلاف موظف أكثرهم في السعودية والإمارات، في مقابل 551 موظفاً خليجياً يعملون في البحرين أغلبهم من السعودية وسلطنة عمان.

مسؤول الالتزام.. وظيفة لم تكن موجودة من قبل

وكان وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة قد أصدر قراراً رقم (64) لسنة 2017. بشأن الالتزامات المتعلقة بإجراءات حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في مهنة المحاماة ومكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية في مملكة البحرين وضوابط التدقيق والرقابة عليها، وذلك في ضوء معايير مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (MENAFATF)، وتنفيذ معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وألزم القرار مكاتب المحاماة والمكاتب الأجنبية وشركات المحاماة المقيدة في جداول المحاماة بتعيين شخص كمسؤول التزام وذلك بعد أخذ الموافقة الكتابية المسبقة من الوزارة يكون مختصاً بتنفيذ أحكام هذا القرار والكشف عن العمليات المشبوهة أو غير العادية والإبلاغ عنها مباشرة لوحدة المتابعة، والوحدة المنفذة (إدارة التحريات المالية بوزارة الداخلية) وفقاً للنموذج الإلكتروني المعتمد من قبل الوزارة، وهو تخصص لم يكن مطروحاً ضمن وظائف مكاتب المحاماة ويحتاج لمتخصص في التدقيق المحاسبي.

.