إن حب فؤاد لابنته مريم جعله يتجاوز صدمة تشخيص حالتها بمشاكل في السمع في قترة قصيرة جداً لا تتعدى الدقائق وهذه المعجزة لا يصنعها إلا الحب وبدأ رحلة البحث عن المجهول.

وفي أحد الأيام اتصل الدكتور حسن فخرو صديق الأب ليخبره أنه أثناء حديثه مع محمد الفايد عن مشكلة مريم نصحه بأن يعرض مريم على دكتور بريطاني اسمه فرانكتون بمنانشستر حيث كان يعاني ابن محمد الفايد من نفس المشكلة وبالفعل قام مكتبه بكل الترتيبات للذهاب إلى مانشستر.

ذهبت الأسرة وكلها أمل بأنهم سيجدون حلاً لمشكلة مريم إيماناً منهم بأن الغرب لديهم الحلول لكل المشكلات آملين في العودة بأخبار جيدة للأهل بأن مريم قد شفيت كانت شجاعة فؤاد ونادية وراء رحلة لندن وقد فتحت آفاقاً بددت كل أفكار الجهل المجتمعي فبعد فحوصات دقيقة طلب الدكتور أن يجري امتحان ذكاء لمريم وهنا بدأ والدها طرح أسئلة كثيرة لماذا هذا الامتحان؟ مريم لا تتكلم فكيف ستكون طبيعة أسئلة الذكاء؟ وهؤلاء إنجليز فكيف سيقيمون ذكاءها؟ ويؤكد الأب أن هذا الاختبار هو من رسم خارطة الطريق؟

وبعد انتهاء الفحوصات دعا الدكتور عائلة فؤاد للمنزل وأخبرهم بالتالي «ابنتكم مريم تعاني من ضعف شديد في السمع إلا أنها تتميز بذكاء كبير فلو عملتم معها بجد واجتهاد ستنقلونها من عالم الصمت إلى عالم الكلام» وهكذا سقطت النظرية الموروثة التي تتشبث بتأويل خاطئ لبعض آيات القرآن الكريم التي تربط نقص حاسة السمع أو الصمم بالتخلف العقلي وكانت رحلة لندن سعيدة لأنها كانت فسحة من الوقت بعيداً عن الضغط المجتمعي المثبط للعزائم.

ورجعت الأسرة إلى البحرين ولكن استقبال الأهل كان يغلفه الحزن الكبير وكانت نظراتهم تحمل الكثير من الحسرة والحزن كأنهم يقولون لنا ماتت كل آمالكم وطموحاتكم في ابنتكم وربما أصابتهم الدهشة من أننا لا نشاطرهم حسرتهم بل كانت تبدو علينا السعادة المغلفة بالحيرة.

وبدأ الكل يقترح وداخل كل اقتراح كم من اليأس حتى من لهم باع في هذا المجال كانوا محاصرين بالفشل الذي راكموه عبر سنوات من العمل القائم على ترك المعوق سمعياً يعيش على هامش المجتمع، ويثبتون الإعاقة لديه ولدى أسرته بأن يطلقوا ألقاباً مشتقة من نوع إعاقته كي تصاحبه طيلة حياته.

لم تبكِ والدة مريم بكاء مثل يوم بكائها لزيارة مركز التأهيل بناء على نصائح من أطباء مختصين «إذا أرتم الاطمئنان على مستقبل مريم فحاولوا تسجيلها من الآن في هذا المركز لأن المقاعد محدودة» يا لسخرية فالمقاعد نحو المستقبل المظلم لابنتنا محدودة، وتصور الوالدان كيف سيكون مصير مريم بعد عشر سنوات أن النماذج المتميزة التي كان المركز يفتخر بها تبعث على اليأس والإحباط والحزن فأي عيش هذا والفم مكمم بأذن لا تسمع لا تحمل اللسان أصوات الحروف.

وقرر والد مريم أن يخرج أو بالأحرى يهرب من هذا العبء المجتمعي لقناعته أن الحياة في هذا الجو لن يمكنه أن ينتشل مريم من عالم الصمت إلى عالم الكلام فقرر العلاج في الخارج وكان لهذا القرار الأثر الإيجابي في أسرته وفي المجتمع بأسره وباتت تجربتهم نوراً يضيء طريق كل معاق سمعياً فنقل الأسرة من منكوبة إلى أسرة ملهمة، فسافروا إلى ... يتبع