هدى عبدالحميد

ودعت البحرين الروائي والسيناريست المبدع فريد رمضان، والذي عمل في العديد من الصحف البحرينية وقد زاملناه كأحد المؤسسين لجريدة "الوطن"، وقد فجع خبر وفاته الجميع، فقد رحل وترك في مخيلتنا وجهه الباسم فكان دائماً ما يقابلنا ببسمته البشوشة التي لم تكن تفارقه، لقد شغف فريد بالكتابة منذ صغره، ولم يكن إنتاجه قاصراً على الصفحات الثقافية في الصحف البحرينية فقط بل عمل في كتابة الأفلام سواء كانت درامية أو وثائقية ففيلمه «الزائر» الذي صدر عام 2004، كان له أثر كبير ولكنه لم يلقَ نفس الزخم الذي صاحب فيلمه «حكاية بحرينية» الذي صدر عام 2006، وحاز فريد على العدد من الجوائز فقد حاز فيلمه «الشجرة النائمة» بالمركز الثاني لمهرجان السينما لدول مجلس التعاون وأيضاً الجائزة الثانية في قسم آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي، وفي العام 2017 فاز بجائزة وزارة الداخلية بدولة الإمارات بأفضل سيناريو مجتمعي في مهرجان دبي السينمائي الدولي الرابع عشر.

كما رشح للعديد من الجوائز، رحل فريد ولم ترحل سيرته، وبقيت أعماله خالدة معنا، فلقد كان يقاوم المرض بالكتابة، وكأن حاله حال كل العظماء أن يصارعوا المرض ويتذوقوا المعاناة فيصبحوا مبدعين.

رحل فريد وبقيت معاناة فقدانه في نفوسنا، وقد نعاه العديد الأصدقاء والكتاب عبر حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، فهكذا عبر المفكر البحريني د. نادر كاظم كاتباً: وكأن الزمان انفصل عن المكان! هذا بالضبط ما يشعر به أهل فريد وأصدقاؤه الذين فجعوا برحيله المباغت للذين لا يعرفون فريد، أو للذين لا يعرفونه عن قرب، دعوني أبسط لكم حجم خسارتنا التي لا تعوض: تخيلوا طيبة أهل البحرين ونبلهم ونقاءهم، وتخيلوا أن كل هذه الطيبة وهذا النبل، وكل هذا النقاء وقد اجتمع في شخص، هذا الشخص النبيل في طيبته البحرينية النقية والاستثنائية هو فريد رمضان.

كانت أول مقالة جدية كتبتها في حياتي عن فريد، نشرت في منتصف تسعينات القرن العشرين، وبعنوان "اثنوغرافيا الرواية البحرينية"، ومن يومها وأنا الاحق باهتمام وتقدير وحب كل كتابات فريد ورواياته التي كانت إضافة نوعية للرواية البحرينية من "التنور" إلى "البرزخ" إلى "السوافح" إلى "المحيط الإنجليزي" آخر أعماله وأعظمها. لكني الآن لا أبكي فريد الكاتب والروائي والسيناريست، لأن كل هذا سيبقى معنا ما بقيت نصوص فريد ورواياته، أنا أبكيه هو، أبكي فريد الذي لا يعوض، أبكي فريد في طيبته ونبله وشهامته وابتسامته ونقائه الذي لا مثيل له. والآن كل منا يبكي خسارته: خسارتكم أنكم لم تعرفوه، وخسارتنا المؤلمة أننا عرفناه وفقدناه.

‫أما باسمة القصاب فكتب: قلتُ سابقاً عن روايته المحيط الإنجليزي "إنها عمل من النوع الذي ينجزه صاحبه مرّة، ثم يحق له أن يعيش على مجده طويلاً، وسوف لن يكون مبالغاً"، لكن المرض الذي ظل يفعل في جسد فريد، ما فعله الطوفان الهادر في المحيط الإنجليزي، لم يشأ له أن يعيش طويلاً ليحتفي بإنجازه كما يستحق، ولم يتركه يُكمل ما يُتقن أن يعاند به مشقّته -المرض- على جسده النحيل. كان ما يزال لدى فريد الكثير ليقوله بكتاباته ذات الاشتغال الثقيل، والكثير مما ننتظر أن نقرأه بمشقّة لذيذة. لم نكتفِ منك بعد أيها الفريد. ما أقسى هذا الرحيل.‬

أما الكاتب د.عقيل الموسوي بدأ كتابته: يسلمك! ليست مجرد كلمة للمجاملة، على لسان فريد_رمضان يسلمك جزءاً من طيبته المتناهية، شيء رائع يهبك إياه من قلبه، ينطقها فترى روحه النقية. أحب أن أسمعك تقول يسلمك. لا أحد يقولها مثلك، تواضع فريد بابتسامة، وعلمني شييئاً من تلك الروح المحبة، روح أهل المحرق، وهو يعلمني فنون الرواية. وها قد رحل فريد وصدى كلماته يضج في رأسي، وحملت نعشه اليوم أغمغم بكلمته "يسلمك". لروحك السلام يا أبا محمود، يا من دعوت لنا دوماً بالسلامة والسلام.

أما د. رفيقة بن رجب في قسم اللغة العربية والدراسات العامة بالجامعة الأهلية كتبت: اختفت العديد من الجماليات عندماغيبك الموت المفاجئ بوجهك الباسم وهدوئك الملفت المميز وابتسامتك الشفافة الصادقه وتواضعك غير المحدود رغم كل ما يحيط بك من ثقافات.

كل مالديك ليس صنعة يافريد وثقافتك مبنية على المفاجآت التي تظللها شحنة من الإمكانات المتنامية والمتماهية مع الظروف الصعبة في زمن صعب، ظللت وفي كل مؤلفاتك الرائعة متحرراً من التكرار بل تسعى دوماً إلى المداخلات الذكية بمفردات تغيب معها كل الأطر الجدلية التي تربط بين الأجيال بإشارات ضمنية تتحكم في الرؤيا الغرائبية لكل التجارب التي مررت بها رغم نحول الجسم والمعاناة المرضيه إلا أن هذا كله لم يمنعك من مواصلة مسيرة الثقافة.

إن تداعيات الخطاب لديك بصدق باتت تتغلغل في كتاباتك التي أثرت وستؤثر على الخطاب الفكري بشكل عام والقراءات التأويليه لفتح آفاق أخرى للجدل النقدي الهادف وليس الجدل العقيم الذي يستعرض فيه صاحبه فقط ما لديه من معلومات من أجل البروز.

فريد أنت الرجل الذي شارك باحترافية شديدة في المشروع الحضاري والإبداع الجمالي والمثاقفة المتجددة والمغايرة عن المألوف لأنها وسيلة ناجحة للترحال الثقافي عبر المحيطات والقارات لالتقاط الصور الحداثية والمستمدة من الفانتازيا النقدية المتعددة الأوجه والمتداخلة مع كل المرايا والمنتظمة في نسق استراتيجي يطرح وبذكاء العديد من البدائل والمناهج الفلسفية بحثاً عن أبعاد ميتافيزيقية شعارها البحث والوعي والتقصي وأستطيع أن أقول إنك أيقونة إبداع ربما لن تتكرر كثيراً ستبقى موجوداً في كل القلوب يا فريد رحمك الله.