في خطوة متقدمة لتعزيز الريادة البحرينية إقليميًا ودوليًا في احترام حقوق الإنسان ورعاية الطفولة، أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في 15 فبراير الجاري قانون رقم (4) لسنة 2021 بإصدار قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة بعد إقراره من مجلسي الشورى والنواب.
ويشكل هذا القانون إضافة نوعية إلى المنظومة التشريعية والقضائية العصرية والإجراءات التنفيذية الضامنة لحقوق الأطفال ووقايتهم من سوء المعاملة والاستغلال أو الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، ورعايتهم صحيًا وتعليميًا وتربويًا واجتماعيًا، باعتبارهم أمل الوطن ومستقبله المشرق في ظل المسيرة التنموية الشاملة لجلالة الملك المفدى أيده الله، بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.
ويأتي قانون "العدالة الإصلاحية"، من (89) مادة، في سياق مجموعة من التشريعات الوطنية الداعمة لحقوق الطفل، كقانون الطفل لسنة 2012، وقانون الحماية من العنف الأسري لسنة 2015، وقانون الأسرة لسنة 2017، وغيرها من التشريعات الضامنة للحق في التعليم والصحة، ورعاية وتأهيل وتشغيل ذوي الإعاقة، ومكافحة التسوّل والتشرد، بالتوافق مع انضمام المملكة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1991، وبروتوكوليها الاختياريين عام 2004، ليشكل هذا القانون الجديد تطورًا مهمًا على مستوى تحقيق العدالة الإصلاحية للأطفال، ورعايتهم وحمايتهم من سوء المعاملة، ومنح مصالح الطفل الفضلى الأولوية في جميع الأحكام والقرارات والإجراءات المتعلقة به أيًا كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها.
وينص القانون على إنشاء محكمة خاصة تسمى "محاكم العدالة الإصلاحية للطفل"، وتختص بالفصل في الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم التي يرتكبها الأطفال ممن تجاوزت أعمارهم 15 سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، وإنشاء "اللجنة القضائية للطفولة" بقرار من وزير العدل، وتختص بالنظر في حالات تعرض الطفل للخطر أو سوء المعاملة المحالة إليها من النيابة المختصة للطفل، مع الاستعانة بخبراء أخصائيين في المجالات الاجتماعية والنفسية، منهم نساء، وتوافر الضمانات الحقوقية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية في جميع مراحل الدعوى وأثناء تنفيذ الحكم، فضلاً عن إلغاء قانون الأحداث لسنة 1976.
ويتضمن القانون إلغاء المسؤولية الجنائية عن الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ويجوز لمحكمة العدالة الإصلاحية واللجنة القضائية للطفولة فرض عقوبات بديلة أو تدابير حمائية للطفل كونه "مُعرضًا للخطر" في حالة ارتكابه جناية أو جنحة أو كان متسولاً أو مشردًا أو خالط منحرفين أو قام بأعمال تتعلق بالدعارة أو الفسق أو القمار أو المخدرات أو سوء السلوك أو اعتاد الهروب من المدارس أو شارك في مسيرات وتجمعات مخالفة، وتتراوح العقوبات البديلة بين التوبيخ وتوجيه اللوم أو تسليمه إلى ولي أمره أو الاعتذار علنًا أو الوضع تحت الاختبار القضائي أو إلحاقه في برامج تدريبية وتأهيلية وتربوية وطنية أو إيداعه في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو المستشفيات، مع إمكانية إقران هذه التدابير بالمراقبة الإلكترونية.
ويوقع القانون عقوبات مخففة على الطفل الذي تجاوز خمس عشرة سنة ميلادية كاملة ولم يتجاوز 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، فإذا كانت الجريمة عقوبتها الإعدام نزلت العقوبة إلى السجن المؤقت أو الحبس لمدة سنة على الأقل، وإذا كانت عقوبتها السجن المؤبد أو المؤقت نزلت إلى عقوبة الجنحة، وإذا كانت الجنحة حبسًا وغرامة معًا، حكم القاضي بإحدى العقوبتين أو الغرامة فقط إذا كان الحبس غير مقيد، كما يجوز الحكم بأحد التدابير البديلة إذا توفر في الجنحة ظرف مخفف، وغيرها من البنود المخففة، وفي جميع الأحوال، لا يجوز إيداع الأطفال أو التحفظ عليهم أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين في مكان واحد، مع ضمان حق الطفل في متابعة تعليمه، مع عدم إلزامه بأداء أية رسوم أو مصاريف للتقاضي.
وحدد القانون في الباب الثالث (المواد 33-52) آليات حماية الطفل من سوء المعاملة، من خلال تفعيل دور مركز حماية الطفل، منذ إنشائه كجهة مركزية تابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية في عام 2007، ويضم مكاتب فرعية عن وزارات العدل والداخلية والصحة والتربية والتعليم، ويكون له مجلس إدارة يشكل كل ثلاث سنوات ويضم في عضويته ممثلين عن الوزارات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، ويتولى وضع الخطط والبرامج الكفيلة بوقاية الطفل وحمايته من سوء المعاملة، ومسؤولية تقييم وإيواء ومتابعة شؤون الأطفال المعرضين لسوء المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الإهمال أو الاستغلال الاقتصادي، وتوفير العلاج والتأهيل النفسي والدورات التثقيفية والتعليمية، وتشغيل خط هاتفي ساخن لتلقي الحالات أو الشكاوى المتعلقة بسوء المعاملة، إلى جانب إمكانية تقديم الشكاوى والبلاغات إلى النيابة العامة أو الشرطة أو الجهات الرسمية المختصة.
وبموجب القانون "يحظر استغلال الطفل في مختلف أشكال الإجرام المنظم وغير المنظم، بما في ذلك زرع أفكار التعصب والكراهية فيه، وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع"، أو استدراجه و"استغلاله عبر شبكة الإنترنت أو شبكات المعلومات الأخرى، وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، في أمور منافية للآداب العامة والنظام العام".
ويحدد القانون عقوبات مشددة ضد إساءة معاملة الأطفال أو الإهمال أو الاستغلال جسديًا أو نفسيًا أو جنسيًا، أو تحريضهم وإكراههم على ارتكاب الجرائم، أو محاولة حجب الحماية المقررة لهم بموجب القانون في حالة تعرضهم للخطر أو سوء المعاملة، مع حظر نشر أية معلومات أو بيانات أو صور تتعلق بهوية الطفل دون إذن من المحكمة أو النيابة أو اللجنة القضائية للطفولة.
تدابير حقوقية عصرية عديدة تضمنها "قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة" رقم (4) لسنة 2021، جسدت حرص جلالة الملك المفدى وحكومته الموقرة على توفير ضمانات متكاملة لحماية حقوق الطفل في بيئة آمنة وداعمة للتنمية المستدامة وشاهدة على تقدم المسيرة الديمقراطية في ظل إقرار هذا القانون بالشراكة مع السلطة التشريعية بمجلسيها الشورى والنواب والسلطة القضائية ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة، والاستعانة بالخبرات الدولية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة والمملكة المتحدة الصديقة.
وتشكل المكتسبات القضائية التي كفلها القانون دعامات قوية لتطوير لمنظومة العدالة ودورها في حماية حقوق الطفل والإنسان بموجب قانون السلطة القضائية لسنة 2002 وتعديلاته، وقانون الإجراءات الجنائية رقم (46) لسنة 2002، إلى جانب دور المحكمة الدستورية في ضمان دستورية القوانين واللوائح، وتعزيز دور النيابة العامة، منذ إنشائها في عام 2003 كشعبة أصيلة من السلطة القضائية، في مكافحة الجرائم بجميع أنواعها، بعد إنشاء وحدة التحقيق الخاصة، ونيابة لجرائم الإتجار بالأشخاص والأموال العامة، والتوجه إلى إنشاء نيابة متخصصة في الجرائم الإلكترونية، والتوسع في تطبيق قانون العقوبات البديلة لعام 2017.
إن مملكة البحرين، بهذا الإنجاز التشريعي والمتوافق مع أرقى المعايير الحقوقية العالمية، إنما تؤكد عزمها على مواصلة سجلها الحقوقي المشرف في حماية حقوق الطفل ورعايته صحيًا وتعليميًا واجتماعيًا ونفسيًا في مجتمع يسوده الأمن والاستقرار والعدالة وقيم المواطنة الصالحة، وفقًا للاستراتيجية الوطنية للطفولة وبرنامج عمل الحكومة والرؤية الاقتصادية 2030، معززة من ريادتها العالمية باستحقاقها عضوية مجلس حقوق الإنسان، ولجنة حقوق الطفل الدولية، وتصنيفها ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدًا وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2020، وتوالي الإشادات الدولية على تميزها في توفير التعليم للجميع واستدامة الخدمات الصحية لجميع المواطنين والمقيمين في مواجهة جائحة كورونا.