محرر الشؤون المحلية
أكد مختصون في العلوم الشرعية أن الزبارة تحولت إلى قبلة للعلوم ومقصداً لطلاب العلم في ظل سيادة الدولة الخليفية عليها.
وقالوا: «إن الدولة الخليفية باستقطابها العلماء من شتى البقاع ورعايتهم وبناء المدارس والمساجد جعلت الزبارة منارة تنويرية في المنطقة».
واعتبروا أن رؤية الدولة الخليفية مدروسة وقائمة على استراتيجية بعيدة النظر لتطوير الزبارة وإنشاء نهضة علمية وعمرانية اتسمت بالتوازن وهو ما نتج عنها ازدها علمي وعمراني غير مسبوق، لافتين إلى أن صدور أول تقويم فلكي في شبه جزيرة قطر عرف بـ «روزنامة الزبارة» أحد صور النهضة العلمية التي صنعتها الدولة الخليفية بفضل الحركة التنويرية التي قادها الشيخ محمد بن خليفة الكبير لتحقيق الازدهار العلمي وبناء أرث علمي حضاري وعمراني تستنير به المنطقة.
وتطرقوا إلى أن وقف الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة على مدرسة الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن عبداللطيف الشافعي بالزبارة يحتوي مجموعة من الكتب العلمية وهو أحد مظاهر التقدير للعلماء ودعم للنهضة العلمية في الزبارة.
وقال الشيخ والمؤرخ عبدالناصر الصديقي: «إن الزبارة احتضنت كوكبة كبيرة من العلماء في عصر النهضة العلمية التي شهدتها الزبارة في حكم الدولة الخليفية التي اعتنت بالعلم واشتهرت برعاية العلماء».
وأضاف: «بنظرة سريعة في الوثائق التاريخية نرى كيف تحولت الزبارة لقبلة للعلماء من مختلف الأمصار كالإحساء ونجد والحجاز والزبير والبصرة، حيث حرصت الدولة الخليفية على أن تكون الزبارة منارة علم يسعى إليها العلماء لتبادل المعرفة».
ولفت إلى أن العلماء الذين تطرق لها فيلم الوثائقي للوطن عن النهضة العلمية في الزبارة في ظل الحكم الخليفي كان لهم دور كبير في جعل الزبارة قبلة يقصدها طلاب العلم للتزود والنهل من معارفهم.
وأضاف الصديقي: «احتضنت الزبارة علماء كثر كان لهم دور كبير في النهضة العلمية أمثال الشيخ عثمان بن جامع الأنصاري الخزرجي والشيخ عبدالرحمن بن أحمد الزواوي، وتحولت في ذلك الوقت الزبارة مقصداً لطلبة العلم لوجود نخبة من العلماء الأعلام».
وتطرق الصديقي إلى وقفية الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة المؤرخة بتاريخ 25 رجب 1195 هجرية 1781، والتي أوقف خلالها الشيخ خليفة على مدرسة الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن عبداللطيف الشافعي بالزبارة مجموعة من الكتب العلمية وقال: «إن الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة قد أوقف كتباً كثيرة في الفقه والنحو والأدب على مدرسة الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن عبداللطيف الشافعي وهي كتب متينة لا يعرفها إلا من له باع طويل في العلم والفقه».
وأضاف: «وتدل نوعية وعناوين الكتب التي أوقفها الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة على اهتمامه بالعلم والعلماء وأنه قد بلغ من العلم مبلغ العلماء باختيار هذه التخصصات رغم مسؤوليات الحكم الكبيرة».
كما تطرق إلى ما عرف عن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة من جود وكرم كبير مع العلماء، قائلاً: «كان الشيخ محمد بن خليفة الكبير طيب النفس معروفاً بين الناس بحبه للجميع وسخائه مع ضيوف الزبارة وتقريبه للعلماء ورعايتهم».
وعرج الصديقي في حديثه إلى أول تقويم فلكي في تاريخ شبه جزيرة قطر والذي وضع على يد العلامة السيد عبدالرحمن بن أحمد الزواوي المالكي وعرف باسم «روزنامة الزبارة»، وقال: «إن الروزنامة التي أعدت في الزبارة جمعت كلاً من البحرين والزبارة باعتبارها وحدة سياسية متكاملة».
من جانبه قال الشيخ عبدالله الطهمازي: «إن الاهتمام والعمل على جذب واستقطاب أهل العلم والمعرفة الذي أرسى قواعده الشيخ محمد بن خليفة الكبير، ينم عن بعد نظر وخبرة في التعاطي مع مرتكزات بناء الدولة وقوامها وإدراك عميق لمقاصد الشرعية وأهدافها فإعمار الأرض وإدارة شؤون الدولة لايكون إلا عن علم راسخ في شتى مجالات العلوم والتعليم وهو الأساس الجوهري للتقدم الحضاري للدول فالفارق الوحيد بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتأخرة هي نسبة التعليم فبالعلم يتحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي، في مختلف نواحي الحياة، بل ويزيد من ثقافة أبناء المجتمع في الموروث التاريخي والثقافي».
وأضاف أن الحركة التنويرية التي قادها الشيخ محمد بن خليفة الكبير لتحقيق الازدهار العلمي في الزبارة لم تكن خطوات عشوائية بل كانت مبنية على بعد نظر ومنهجية مرسومة تهدف لبناء أرث علمي وحضاري تستنير به المنطقة فالمتفحص لهذا الإرث الذي أقامته الدولة الخليفية والنهضة العمرانية التي شهدتها الزبارة في ظل سيادة الدولة الخليفية يعرف كيف تحولت الزبارة لقبلة علمية في شبه الجزيرة العربية وأصحبت محط رحال كثير من العلماء الذين لهم ثقل في الوسط العلمي في تلك الحقبة.
وبين الطهمازي أن الاهتمام بالعلم والعلماء ورجال الدين والعمران وبناء المدارس ووقف الكتب العلمية كانت سمة بارزة للدولة الخليفية في تلك الفترة الزمنية وقد أثمرت عن نتاج علمي وفير وخير شاهد على ذلك النتاج أن كتابة أول تقويم فلكي في تاريخ شبه جزيرة قطر تم على يد العلامة عبدالرحمن الزواوي المالكي في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة وهو خير برهان على استمرار هذا النهج المبارك في الاهتمام بالعلم والعلماء واستكمال مسيرة النهضة والتعمير».
من جانبه أكد الشيخ يوسف الريس على الدور الكبير للعلماء في تعزيز الأخوة بين المسلمين، في أي دولة حيث كانت الزبارة أحد الأمثلة الكبيرة على ذلك، فقصدها العامة من العلماء والأفراد للتزود بالعلم من علمائها الذين اتخذوها مقراً وبلداً لنهل العمل وإيصاله للناس بفضل الاهتمام الكبير من الدولة الخليفية بالعلم ورعاية العلماء واستقطابهم للزبارة.
وقال: «إن العلماء هم ورثة الأنبياء في الإصلاح والعدالة وهي ركن أساسي لبناء الدول وهذا ما تفطنت له الدولة الخليفية في شبه جزيرة قطر وجزر البحرين وتوابعها فقامت بتشجيع العلماء على الاستقرار في الزبارة وجعلوا منها وجهة للعلم والعلماء».
كما نوه الريس إلى أن الهداية التي يحمل عبئها رجال الدين تمثل للمجتمعات صمام الأمان الذي كان الناس يسعون إليه، وهو ما توفر في الزبارة وشبه جزيرة قطر، حيث كان العلماء يعملون بجهود حثيثة على بيان العلم والإبلاغ به والنصح والإرشاد والأخذ بيد الناس إلى الصراط المستقيم، وذلك بعد أن تم تمكينهم في عهد الشيخ محمد بن خليفة الكبير فاطمأن المجتمع واستقر وعرف الحق والعدالة والدين».
وأضاف الريس: «إن حكام الدولة الخليفية في شبه جزيرة قطر وجزر البحرين أدركوا أهمية تأمين الأمان الاجتماعي وتوفير السلم الاجتماعي لتهيئة الأجواء لتحقيق نهضة عليمة غير مسبوقة في المنطقة وهو ما بنوا عليه مشروع التنمية والنهضة في شبه جزيرة قطر».
لافتاً إلى أن العلماء وجدوا دعماً كبيراً مادياً ومعنوياً في ظل حكم الدولة الخليفية. واستعرض الريس كيف تحولت الزبارة إلى مقصد لطلاب العلم بعد استقرار كثير من العلماء في الزبارة.
من جانبه قال الشيخ فتحي الموصلي: «إن النهضة الخليفية العلمية في الزبارة تتجلى بوضوح عند سرد تاريخ السرد المنطقة».
وأضاف: «إن من يتابع النهضة الخليفيّة العلميّة ودورها في نشر العلم والمعرفة وترسيخها للقيم والمبادئ ومساهمتها في بناء الحضارة والمعرفة؛ يلحظ أنها نهضة علمية تاريخية قامت على احترام العلماء وإجلال الفقهاء ونشر معالم الخير والعطاء؛ حتى صار الشرع غايتها والإنسان هدفها والعلم وسيلتها والعطاء سجيّتها».
ولفت الموصلي إلى أن النهضة العلمية في الزبارة وشبه جزيرة قطر، اتصفت بالشمولية والوسطية والأصالة التاريخية؛ فهي شاملة في ميادينها ومؤسساتها وأهدافها واتسعت لكافة الآراء والمذاهب، كما أنها اتسمت بالوسطية في فكرها ومناهجها وتعايشها وسماحتها ولذلك وجد العلماء فيها الموئل المناسب للبحث العلمي والتعبير عن الرأي.
كما نوه الموصلي بالدور الكبير للدولة الخليفية التي سعت لتوفير البيئة العليمة واستقطاب العلماء وإتاحة المجال لهم للإبداع والإنتاج العلمي.
من جانبه أوضح د. عبدالستار الهيتي، أن العلم دائماً يعتبر أحد أهم مرتكزات أي دولة معاصرة، وهو ما تنبه إليه الشيخ محمد بن خليفة الكبير فعمل على استقطاب العلماء وتهيئة البيئة العلمية.
وشدد الهيتي على أن الدولة الخليفة كان لديها قناعة راسخة بأهمية تنمية الموارد البشرية في مجتمع الزبارة، حيث عمدت إلى استقطاب العلماء بجميع علومهم في ذاك الوقت، وقدموا لهم الدعم الكافي وأجزلوا العطاء لهم في سبيل توفير بيئة حاضنة للعلم، لتكون فيما بعد الوجهة التي يسعى الناس إلى العيش فيها والانتماء إليها، وهو ما برز بشكل واضح في مبايعة القبائل للدولة الخليفية في شبه جزيرة قطر وجزر البحرين.
وأكد الهيتي أن العدالة المتمثلة في العناية بالعلماء في دولة الزبارة، كانت أكثر عوامل الجذب للعلماء والناس أجمع، ومن خلال هذه المنظومة العدلية التي أرساها آل خليفة، استطاعوا أن يتوسعوا في حكمهم من الزبارة شمال شبه جزيرة قطر وإلى جنوبها، ثم جزر البحرين وتوابعها وانتقال مركز الحكم إلى البحرين بعد اكتمال تأسيس أركان الدولة في الزبارة.
وتطرق الهيتي إلى أهمية فيلم «الوطن» الوثائقي في جزئه الثالث عن الحركة العلمية في الزبارة قائلاً «أثبت الفيلم الوثائقي الذي أنتجته صحيفة الوطن كيف استمرت الحركة العلمية في الزبارة وكيف تجلت هذه الحركة في تقديم أول تقويم الفلكي الموحد بين الزبارة والبحرين باعتبارهما وحدة سياسية متكاملة.
كما تطرق الهيتي إلى النهضة الثقافة إذ استقطبت الزبارة المثقفين والشعراء وكانت الزبارة أحد وجهات نظم الشعر النبطي في تلك الحقبة التاريخية.