محرر الشؤون المحلية
أكد خبراء عقاريون أن الدولة الخليفية وضعت لبنات نظام إداري شامل لتسجيل العقارات مبكراً في المنطقة.
وبينوا أن النهضة الإدارية الحكومية الشاملة في ظل الدولة الخليفية كان باكورة عملها، استحداث دائرة الأراضي في عام 1924م وهو ما جعل عملية بيع وتوثيق العقارات وتحديد الأوقاف تتم عبر أنظمة وآليات.
وقال الخبير العقاري وعضو مجلس جمعية رجال الأعمال البحرينية، ناصر الأهلي: «إن التغيرات والتطورات التي توالت في البحرين وتوابعها استدعت تطويراً إدارياً شاملاً لمواكبة المتغيرات، وهو ما توجهت له إرادة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لمواصلة النهضة الإدارية الحكومية الشاملة، فاستحدث في عام 1924م دائرة الأراضي أو ما يطلق عليه اليوم اسم جهاز المساحة والتسجيل العقاري، ولم يقف الأمرعند استحداث دائرة تتولى عملية التنظيم، بل قام سمو الشيخ حمد بن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ولي العهد نائب الحاكم في عام 1925م بتخصيص ميزانية خاصة لتطوير تسجيل الأراضي في البلاد، وهو ما يعكس الاهتمام والرغبة الحكومية الجادة في وضع نظام إداري يسير بنسق تطويري».
وأضاف الأهلي: «إن عملية نقل تسجيل الأملاك العقارية من قضاة وعلماء الشرع إلى دائرة الأراضي «التسجيل العقاري» في حد ذاتها عملية تنظيمية غير مسبوقة كان الهدف منها وضع أطر واضحة ومنظمة يتم من خلالها تقييد الأملاك والأوقاف في سجلات خاصة، وفق نظام حديث يوفر ضمانة أكبر لحفظ حقوق وأمل الأفراد بالمجتمع».
التنظيم الإداري
ويواصل الأهلي سرد العملية التطويرية التي شهدها القطاع العقاري في تلك الفترة، قائلاً: «بعد إنشاء دائرة الأراضي وتأسيس مقر دائم لها وتخصيص ميزانية لها وتوظيف الموظفين ونقل الاختصاص لها بالكامل، كان لا بد من وضع تنظيم مقنن يوضح صلاحيات وواجبات هذه الإدارة فصدر في عام 1929م قانون شامل ومتقدم لتنظيم عملية التسجيل العقاري في جميع أراضي الدولة بجزر البحرين وملحقاتها كالزبارة ينظم اختصاص الدائرة».
وأضاف: «أن هذه التغييرات التي حدثت، جعلت عملية بيع وتوثيق العقارات وتحديد الأوقاف تتم عبر نظام وآلية منسقة، بعيداً عن العشوائية السائدة في المنطقة والتي كانت تناسب مرحلة زمنية بعيدة عن تعقيد الحياة وتتسم بالبساطة، وكان الناس فيها يعتمدون على الشهادات الشفهية لإثبات ملكية العقارات والتوثيق لدى القضاة أو يعتمدون فيها على إثبات الملكية عند المشايخ المأذونين من الدولة بتسجيل العقارات والأوقاف الذين يختمون على الصكوك كوسيلة لإثبات صدقية الصك».
وبين: «مع تغير نمط الحياة واتساع الرقعة الجغرافية الخاضعة للدولة وازدياد أعداد السكان كان لا بد من أن تأخذ الأنماط الإدارية أشكالاً جديدة تتناسب مع احتياجات المرحلة وتلبي متطلبات أفراد المجتمع، فكانت فكرة وضع نظام مؤسسي يتناسب مع التطورات الإدارية والتنظيمية، مع عدم الإخلال بالضوابط الشرعية في نقل وتسجيل العقارات والهبات والأوقاف، وتمت إضافة بعض التغييرات في الملكية العقارية في عهد المؤسس الحقيقي للعملية الإدارية لأجهزة الدولة المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الذي أحدث تطويراً شاملاً بالأجهزة الحكومية وتوابعها».
قانون تنظيم التسجيل العقاري
وأضاف الأهلي: «إن القانون الذي صدر في يوليو 1929م وطبق على جميع أراضي الدولة سواء في جزر البحرين أو ملحقاتها كالزبارة، كان إجراءً من ضمن إجراءات التطوير التي اتخذها الحكام لتطوير عمل دائرة الأراضي وتوضيح الاختصاصات والضوابط».
ويوضح: «إن قانون 1929م كان شاملاً ومتقدماً بمعنى الكلمة، فقد عالج في مواد عملية الهبات غير المنقولة كما حدد الاختصاصات للدائرة بحسب مكان العين الجغرافي وألزم المالك والواهب بتسجيل العين المملوكة، وهو الأمر الذي يوفر لدى الدولة قاعدة بيانات بالعقارات والأراضي المملوكة من الأفراد، ولا يخفى على أحد أهمية وجود قاعدة بيانات بالأراضي والأملاك للدولة».
ويقول : «إن ما يميز هذا القانون الشمولية، حيث لم ينحصر في عمليات نقل الملكيات عبر البيع والشراء والهبات بل تطرق إلى الوكالة كما تطرق إلى آلية الطعن في إعلانات التسجيلات والهبات كأحد الضمانات للحقوق».
وعاد الأهلي ليبين أن دائرة الأراضي شهدت تطوراً كبيراً في عملها في عهد صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة؛ فقد تم تخصيص مقر لها وزيادة عدد الموظفين المختصين في الأمور الشرعية والقانونية والأمور الخاصة بالمسح العقاري، ثم تلا ذلك نقلة نوعية تطويرية أخرى في عهود الحكام اللاحقة.
وأكد الأهلي أن هذه النقلة النوعية التي شهدتها عملية التسجيل العقاري في البحرين، كانت ثمرة جهود المؤسسين الذي وضعوا لبنة العمل الإداري المنظم لكافة شؤون الأفراد في الدولة الخليفية لتسجيل كافة حقوق المواطنين في البحرين وتوابعها.
وقال:«إن حكام الدولة الخليفية كان لديهم بعد نظر في العملية التنظيمية وهم يعملون على تأسيس الدولة العصرية، ما جعلهم يسمحون للعرب في الزبارة بتسجيل ملكياتهم للأراضي بدائرة الأراضي لدى حكومة البحرين بحسب ما بينه التقرير الحكومي لعام 1937م، ولا يخفى ما في ذلك من حماية حقوق رعايا الدولة الخليفية».
بناء دولة عصرية
من جانبه، أوضح الخبير العقاري سعد هلال السهلي أن حكام الدولة الخليفية كان لهم قصب السبق في عملية تطوير العمل الإداري وبناء دولة عصرية.
ولفت إلى أن حكام الدولة الخليفية عملوا مبكراً على وضع نظام شامل ينظم الحياة العامة، متطرقاً إلى ما ذكره فيلم «الوطن» الوثائقي من تأسيس حكام الدولة نظاماً قضائياً ومنح الصلاحيات لرؤساء القبائل لفض النزاعات ضمن إطار سيادة الدولة الخليفية على البحرين والجزر التابعة لها.
وقال: «على الرغم من أن القضاء السائد في تلك الحقبة التاريخية يعتمد على العرف القبلي، حيث إن كل رئيس قبيلة يتولى الفصل في النزاعات بين أفراد قبيلته، فإن حاكم الدولة كان المرجع الأعلى للسلطة القضائية، وكان الملاذ في حالة عدم القدرة على حسم النزاع، وفي هذا إشارة إلى أنه على الرغم من عدم شيوع التنظيمات الحديثة في تلك الفترة، فإن المفهوم الحديث الذي يطلق عليه الرئيس الأعلى للسلطة القضائية كان معروفاً ومطبقاً وإن اختلفت المسميات».
ولفت إلى أن ما عرضه فيلم «الوطن» الوثائقي من مراسلات بريطانية حول السيادة القضائية للدولة الخليفية في إقليم الزبارة وما بينته المراسلات من ممارسة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة السيادة القضائية في إقليم الزبارة شهادة تاريخية مهمة تدل على بسط الدولة الخليفية سيادتها على الزبارة.
وقال السهلي: «استمر القضاء القبلي لرعايا الدولة الخليفية في إقليم الزبارة حتى عهد صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة وهو ما يعكس العلاقة القائمة بين حاكم الدولة ورؤساء القبائل».
وبين: «بطبيعة أي تجمع بشري لا بد من أن تزيد مساحة النزاعات والخلافات فيه، وبحسب طبيعة تلك الفترة التاريخية فإن غالب النزاعات كانت مرتبطة بخلافات على إثبات وقفيات وهبات ونقل ملكيات، وهو الأمر الذي كان لا بد من معالجته بوضع نظام يحفظ حقوق الأفراد ويضع الضوابط للحد من أي خلافات قد تحدث مستقبلاً مع النمو الطبيعي للمجتمع، ومن هنا كانت إرادة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في مواصلة النهضة الإدارية الحكومية الشاملة في البحرين وتوابعها، فاستحدث في عام 1924م دائرة الأراضي لتتولى شؤون تسجيل الأراضي والعقارات».
وأكد أن سمو الشيخ حمد بن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ولي العهد نائب الحاكم قام وقتئذ بمواصلة الجهود لتأسيس دائرة التسجيل العقاري، حيث قام في 27 أبريل 1925م، برصد ميزانية تتراوح بين 20 ألفاً و50 ألف روبية لمشروع تطوير تسجيل الأراضي في البلاد.
وأضاف السهلي: «تبع مرحلة التأسيس تلك إصدار قانون في عام 1929م، لتنظيم عملية التسجيل العقاري في البلاد وقد سرى القانون على جميع أراضي الدولة سواء في جزر البحرين أو ملحقاتها كالزبارة».
وأشار السهلي إلى أن إنشاء جهاز خاص بالتسجيل العقاري في الدولة الخليفية بشكله العصري يعتبر أحد نتائج فصل القضاء عن التسجيل العقاري في تلك الحقبة.
وقال: «إن سلسلة أفلام الوطن الوثائقية التي تصدرها صحيفة (الوطن) تبين بوضوح سيادة الدولة الخليفية على الزبارة، وكيف نقلت الدولة الخليفية الزبارة إلى مرحلة من التطور والحداثة بالمنطقة لم تكن معهودة.
وأعرب السهلي عن شكره للقائمين على العمل الوثائقي من صحيفة «الوطن» مؤكداً أن تلك الحقبة التاريخية تستحق أن توثق بكافة الوسائل، وقال إن ما قدمته صحيفة «الوطن» يعبر عن تطلعات المواطنين إلى معرفة تاريخهم العريق وتفردهم في المنطقة منذ مطلع القرن الثامن عشر.
استحداث دائرة الأراضي بداية مرحلة جديدة
من جهته، قال الخبير العقاري سيد شرف جعفر: «إن استحداث دائرة الأراضي أو ما يعرف بالتسجيل العقاري عام 1924م كان بداية مرحلة جديدة في تاريخ التسجيل العقاري في الدولة الخليفية، حيث انتقل العمل من الطريقة البسيطة السائدة التي تقوم على أفراد إلى عمل منظم ممنهج بأسلوب مؤسسي موثق يخضع للتدقيق».
وأضاف: «ما قام به الحاكم في تلك الفترة كانت بداية وضع الأسس التي لم تتوقف، وتبعها كثير من الخطوات التنظيمية، فقام سمو الشيخ حمد بن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ولي العهد نائب الحاكم في عام 1925م برصد ميزانية لتطوير تسجيل الأراضي في البلاد لتتمكن دائرة الأراضي من ممارسة عملها بشكل منظم يحقق الهدف من إنشائها، ثم تبع ذلك وضع قانون يحدد مهام دائرة الأراضي ويرسم الأطر التنظيمية والدور المنوط بها».
وأكد شرف أن هذا التطور في التسجيل العقاري هو تراكم لخبرات سابقة وضعها حكام البحرين وتوابعها. وقال: «إن ما أسسته الدولة الخليفية من نظام في دائرة الأراضي يعتبر نقطة الانطلاق في العمل العقاري الموثق قضائياً وإدارياً».
الدولة الخليفية أسست نهضة غير مسبوقة
بينما، قال الخبير العقاري ومدير مؤسسة غرناطة العقارية حسن مشيمع: «إن التطور التاريخي الذي شهده القطاع العقاري بداية من توثيق الملكيات والوقفيات لدى قضاة الشرع مروراً بإنشاء إدارة الأراضي وفصل الاختصاصات، يحمل إرثاً تاريخياً كبيراً يشهد على تطوير حكام الدولة للتسجيل العقاري».
وأضاف: «إن حكم الدولة الخليفية أسس نهضة غير مسبوقة في المنطقة، وقد امتدت هذه النهضة وشملت كل التوابع التي تخضع لسيادتها بعد أن وضعت الأنظمة وسنت القوانين ونظمت الحياة بين أفراد المجتمع».
ويرى مشميع أن مفهوم الإدارة المركزية لم يكن سائداً في تلك الفترة الزمنية بشكله التنظيمي على الرغم من أنه كان ممارساً بصور مختلفة، ومن هذا التنظيم المركزي إنشاء دائرة الأراضي التي تعد شاهداً على تنظيم الدولة الخليفية للعمل الإداري.
وقال مشيمع: «لا شك أن تسجيل العقارات الواقعة في إقليم الزبارة هو جزء من سيادة الدولة الخليفية، ويؤكد أن دائرة التسجيل العقاري في المنامة تعد من أقدم إدارات التسجيل العقاري بمفهومها العصري الحديث في تاريخ شبه جزيرة قطر وجزر البحرين ومازالت وثائق الملكيات العقارية في إقليم الزبارة محفوظة بأرشيف جهاز المساحة والتسجيل العقاري في مملكة البحرين وهو ما يبين عمق العمل التنظيمي للدولة الخليفية في تلك الفترة المهمة من تاريخ المنطقة».
أكد خبراء عقاريون أن الدولة الخليفية وضعت لبنات نظام إداري شامل لتسجيل العقارات مبكراً في المنطقة.
وبينوا أن النهضة الإدارية الحكومية الشاملة في ظل الدولة الخليفية كان باكورة عملها، استحداث دائرة الأراضي في عام 1924م وهو ما جعل عملية بيع وتوثيق العقارات وتحديد الأوقاف تتم عبر أنظمة وآليات.
وقال الخبير العقاري وعضو مجلس جمعية رجال الأعمال البحرينية، ناصر الأهلي: «إن التغيرات والتطورات التي توالت في البحرين وتوابعها استدعت تطويراً إدارياً شاملاً لمواكبة المتغيرات، وهو ما توجهت له إرادة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لمواصلة النهضة الإدارية الحكومية الشاملة، فاستحدث في عام 1924م دائرة الأراضي أو ما يطلق عليه اليوم اسم جهاز المساحة والتسجيل العقاري، ولم يقف الأمرعند استحداث دائرة تتولى عملية التنظيم، بل قام سمو الشيخ حمد بن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ولي العهد نائب الحاكم في عام 1925م بتخصيص ميزانية خاصة لتطوير تسجيل الأراضي في البلاد، وهو ما يعكس الاهتمام والرغبة الحكومية الجادة في وضع نظام إداري يسير بنسق تطويري».
وأضاف الأهلي: «إن عملية نقل تسجيل الأملاك العقارية من قضاة وعلماء الشرع إلى دائرة الأراضي «التسجيل العقاري» في حد ذاتها عملية تنظيمية غير مسبوقة كان الهدف منها وضع أطر واضحة ومنظمة يتم من خلالها تقييد الأملاك والأوقاف في سجلات خاصة، وفق نظام حديث يوفر ضمانة أكبر لحفظ حقوق وأمل الأفراد بالمجتمع».
التنظيم الإداري
ويواصل الأهلي سرد العملية التطويرية التي شهدها القطاع العقاري في تلك الفترة، قائلاً: «بعد إنشاء دائرة الأراضي وتأسيس مقر دائم لها وتخصيص ميزانية لها وتوظيف الموظفين ونقل الاختصاص لها بالكامل، كان لا بد من وضع تنظيم مقنن يوضح صلاحيات وواجبات هذه الإدارة فصدر في عام 1929م قانون شامل ومتقدم لتنظيم عملية التسجيل العقاري في جميع أراضي الدولة بجزر البحرين وملحقاتها كالزبارة ينظم اختصاص الدائرة».
وأضاف: «أن هذه التغييرات التي حدثت، جعلت عملية بيع وتوثيق العقارات وتحديد الأوقاف تتم عبر نظام وآلية منسقة، بعيداً عن العشوائية السائدة في المنطقة والتي كانت تناسب مرحلة زمنية بعيدة عن تعقيد الحياة وتتسم بالبساطة، وكان الناس فيها يعتمدون على الشهادات الشفهية لإثبات ملكية العقارات والتوثيق لدى القضاة أو يعتمدون فيها على إثبات الملكية عند المشايخ المأذونين من الدولة بتسجيل العقارات والأوقاف الذين يختمون على الصكوك كوسيلة لإثبات صدقية الصك».
وبين: «مع تغير نمط الحياة واتساع الرقعة الجغرافية الخاضعة للدولة وازدياد أعداد السكان كان لا بد من أن تأخذ الأنماط الإدارية أشكالاً جديدة تتناسب مع احتياجات المرحلة وتلبي متطلبات أفراد المجتمع، فكانت فكرة وضع نظام مؤسسي يتناسب مع التطورات الإدارية والتنظيمية، مع عدم الإخلال بالضوابط الشرعية في نقل وتسجيل العقارات والهبات والأوقاف، وتمت إضافة بعض التغييرات في الملكية العقارية في عهد المؤسس الحقيقي للعملية الإدارية لأجهزة الدولة المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الذي أحدث تطويراً شاملاً بالأجهزة الحكومية وتوابعها».
قانون تنظيم التسجيل العقاري
وأضاف الأهلي: «إن القانون الذي صدر في يوليو 1929م وطبق على جميع أراضي الدولة سواء في جزر البحرين أو ملحقاتها كالزبارة، كان إجراءً من ضمن إجراءات التطوير التي اتخذها الحكام لتطوير عمل دائرة الأراضي وتوضيح الاختصاصات والضوابط».
ويوضح: «إن قانون 1929م كان شاملاً ومتقدماً بمعنى الكلمة، فقد عالج في مواد عملية الهبات غير المنقولة كما حدد الاختصاصات للدائرة بحسب مكان العين الجغرافي وألزم المالك والواهب بتسجيل العين المملوكة، وهو الأمر الذي يوفر لدى الدولة قاعدة بيانات بالعقارات والأراضي المملوكة من الأفراد، ولا يخفى على أحد أهمية وجود قاعدة بيانات بالأراضي والأملاك للدولة».
ويقول : «إن ما يميز هذا القانون الشمولية، حيث لم ينحصر في عمليات نقل الملكيات عبر البيع والشراء والهبات بل تطرق إلى الوكالة كما تطرق إلى آلية الطعن في إعلانات التسجيلات والهبات كأحد الضمانات للحقوق».
وعاد الأهلي ليبين أن دائرة الأراضي شهدت تطوراً كبيراً في عملها في عهد صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة؛ فقد تم تخصيص مقر لها وزيادة عدد الموظفين المختصين في الأمور الشرعية والقانونية والأمور الخاصة بالمسح العقاري، ثم تلا ذلك نقلة نوعية تطويرية أخرى في عهود الحكام اللاحقة.
وأكد الأهلي أن هذه النقلة النوعية التي شهدتها عملية التسجيل العقاري في البحرين، كانت ثمرة جهود المؤسسين الذي وضعوا لبنة العمل الإداري المنظم لكافة شؤون الأفراد في الدولة الخليفية لتسجيل كافة حقوق المواطنين في البحرين وتوابعها.
وقال:«إن حكام الدولة الخليفية كان لديهم بعد نظر في العملية التنظيمية وهم يعملون على تأسيس الدولة العصرية، ما جعلهم يسمحون للعرب في الزبارة بتسجيل ملكياتهم للأراضي بدائرة الأراضي لدى حكومة البحرين بحسب ما بينه التقرير الحكومي لعام 1937م، ولا يخفى ما في ذلك من حماية حقوق رعايا الدولة الخليفية».
بناء دولة عصرية
من جانبه، أوضح الخبير العقاري سعد هلال السهلي أن حكام الدولة الخليفية كان لهم قصب السبق في عملية تطوير العمل الإداري وبناء دولة عصرية.
ولفت إلى أن حكام الدولة الخليفية عملوا مبكراً على وضع نظام شامل ينظم الحياة العامة، متطرقاً إلى ما ذكره فيلم «الوطن» الوثائقي من تأسيس حكام الدولة نظاماً قضائياً ومنح الصلاحيات لرؤساء القبائل لفض النزاعات ضمن إطار سيادة الدولة الخليفية على البحرين والجزر التابعة لها.
وقال: «على الرغم من أن القضاء السائد في تلك الحقبة التاريخية يعتمد على العرف القبلي، حيث إن كل رئيس قبيلة يتولى الفصل في النزاعات بين أفراد قبيلته، فإن حاكم الدولة كان المرجع الأعلى للسلطة القضائية، وكان الملاذ في حالة عدم القدرة على حسم النزاع، وفي هذا إشارة إلى أنه على الرغم من عدم شيوع التنظيمات الحديثة في تلك الفترة، فإن المفهوم الحديث الذي يطلق عليه الرئيس الأعلى للسلطة القضائية كان معروفاً ومطبقاً وإن اختلفت المسميات».
ولفت إلى أن ما عرضه فيلم «الوطن» الوثائقي من مراسلات بريطانية حول السيادة القضائية للدولة الخليفية في إقليم الزبارة وما بينته المراسلات من ممارسة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة السيادة القضائية في إقليم الزبارة شهادة تاريخية مهمة تدل على بسط الدولة الخليفية سيادتها على الزبارة.
وقال السهلي: «استمر القضاء القبلي لرعايا الدولة الخليفية في إقليم الزبارة حتى عهد صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة وهو ما يعكس العلاقة القائمة بين حاكم الدولة ورؤساء القبائل».
وبين: «بطبيعة أي تجمع بشري لا بد من أن تزيد مساحة النزاعات والخلافات فيه، وبحسب طبيعة تلك الفترة التاريخية فإن غالب النزاعات كانت مرتبطة بخلافات على إثبات وقفيات وهبات ونقل ملكيات، وهو الأمر الذي كان لا بد من معالجته بوضع نظام يحفظ حقوق الأفراد ويضع الضوابط للحد من أي خلافات قد تحدث مستقبلاً مع النمو الطبيعي للمجتمع، ومن هنا كانت إرادة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في مواصلة النهضة الإدارية الحكومية الشاملة في البحرين وتوابعها، فاستحدث في عام 1924م دائرة الأراضي لتتولى شؤون تسجيل الأراضي والعقارات».
وأكد أن سمو الشيخ حمد بن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ولي العهد نائب الحاكم قام وقتئذ بمواصلة الجهود لتأسيس دائرة التسجيل العقاري، حيث قام في 27 أبريل 1925م، برصد ميزانية تتراوح بين 20 ألفاً و50 ألف روبية لمشروع تطوير تسجيل الأراضي في البلاد.
وأضاف السهلي: «تبع مرحلة التأسيس تلك إصدار قانون في عام 1929م، لتنظيم عملية التسجيل العقاري في البلاد وقد سرى القانون على جميع أراضي الدولة سواء في جزر البحرين أو ملحقاتها كالزبارة».
وأشار السهلي إلى أن إنشاء جهاز خاص بالتسجيل العقاري في الدولة الخليفية بشكله العصري يعتبر أحد نتائج فصل القضاء عن التسجيل العقاري في تلك الحقبة.
وقال: «إن سلسلة أفلام الوطن الوثائقية التي تصدرها صحيفة (الوطن) تبين بوضوح سيادة الدولة الخليفية على الزبارة، وكيف نقلت الدولة الخليفية الزبارة إلى مرحلة من التطور والحداثة بالمنطقة لم تكن معهودة.
وأعرب السهلي عن شكره للقائمين على العمل الوثائقي من صحيفة «الوطن» مؤكداً أن تلك الحقبة التاريخية تستحق أن توثق بكافة الوسائل، وقال إن ما قدمته صحيفة «الوطن» يعبر عن تطلعات المواطنين إلى معرفة تاريخهم العريق وتفردهم في المنطقة منذ مطلع القرن الثامن عشر.
استحداث دائرة الأراضي بداية مرحلة جديدة
من جهته، قال الخبير العقاري سيد شرف جعفر: «إن استحداث دائرة الأراضي أو ما يعرف بالتسجيل العقاري عام 1924م كان بداية مرحلة جديدة في تاريخ التسجيل العقاري في الدولة الخليفية، حيث انتقل العمل من الطريقة البسيطة السائدة التي تقوم على أفراد إلى عمل منظم ممنهج بأسلوب مؤسسي موثق يخضع للتدقيق».
وأضاف: «ما قام به الحاكم في تلك الفترة كانت بداية وضع الأسس التي لم تتوقف، وتبعها كثير من الخطوات التنظيمية، فقام سمو الشيخ حمد بن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ولي العهد نائب الحاكم في عام 1925م برصد ميزانية لتطوير تسجيل الأراضي في البلاد لتتمكن دائرة الأراضي من ممارسة عملها بشكل منظم يحقق الهدف من إنشائها، ثم تبع ذلك وضع قانون يحدد مهام دائرة الأراضي ويرسم الأطر التنظيمية والدور المنوط بها».
وأكد شرف أن هذا التطور في التسجيل العقاري هو تراكم لخبرات سابقة وضعها حكام البحرين وتوابعها. وقال: «إن ما أسسته الدولة الخليفية من نظام في دائرة الأراضي يعتبر نقطة الانطلاق في العمل العقاري الموثق قضائياً وإدارياً».
الدولة الخليفية أسست نهضة غير مسبوقة
بينما، قال الخبير العقاري ومدير مؤسسة غرناطة العقارية حسن مشيمع: «إن التطور التاريخي الذي شهده القطاع العقاري بداية من توثيق الملكيات والوقفيات لدى قضاة الشرع مروراً بإنشاء إدارة الأراضي وفصل الاختصاصات، يحمل إرثاً تاريخياً كبيراً يشهد على تطوير حكام الدولة للتسجيل العقاري».
وأضاف: «إن حكم الدولة الخليفية أسس نهضة غير مسبوقة في المنطقة، وقد امتدت هذه النهضة وشملت كل التوابع التي تخضع لسيادتها بعد أن وضعت الأنظمة وسنت القوانين ونظمت الحياة بين أفراد المجتمع».
ويرى مشميع أن مفهوم الإدارة المركزية لم يكن سائداً في تلك الفترة الزمنية بشكله التنظيمي على الرغم من أنه كان ممارساً بصور مختلفة، ومن هذا التنظيم المركزي إنشاء دائرة الأراضي التي تعد شاهداً على تنظيم الدولة الخليفية للعمل الإداري.
وقال مشيمع: «لا شك أن تسجيل العقارات الواقعة في إقليم الزبارة هو جزء من سيادة الدولة الخليفية، ويؤكد أن دائرة التسجيل العقاري في المنامة تعد من أقدم إدارات التسجيل العقاري بمفهومها العصري الحديث في تاريخ شبه جزيرة قطر وجزر البحرين ومازالت وثائق الملكيات العقارية في إقليم الزبارة محفوظة بأرشيف جهاز المساحة والتسجيل العقاري في مملكة البحرين وهو ما يبين عمق العمل التنظيمي للدولة الخليفية في تلك الفترة المهمة من تاريخ المنطقة».