د. إيمان إبراهيم الدوسري

ملف البطالة وأسبابها من الملفات التي يتداولها الشارع البحريني لمافيه من أهمية كبيرة حيث الكثير من أولياء الأمور يشاهدون أبناءهم وبناتهم يصارعون في إيجاد عمل لهم بعد التخرج سواء من الجامعة أو الثانوية العامة للأبناء الذين لم يحالفهم الحظ الدخول إلى الجامعة أو لعدم إمكانية العائلة تحمل مصاريف الدراسة أو لعدم رغبة الأبناء مواصلة الدراسة. وتتفاوت نسبة البطالة من عام إلى عام فمثلاً وفقاً إلى موقع Trading Economics نسبة البطالة في البحرين قد ارتفعت من 4% عام 2019 إلى 4.90% عام 2020 (مصدر الجهاز المركزي للمعلومات لمملكة البحرين) علماً أن هذه الزيادة متوقعة في ظل جائحة كورونا ليس فقط في البحرين بل في مختلف الدول وذلك بسبب تقليص عدد الموظفين في الكثير من الأعمال وإغلاق وإفلاس بعض الشركات والمؤسسات الخاصة.

وحتى بعيداً عن هذا الظرف تعتبر البطالة من المشاكل العالمية التي تعاني منها معظم الدول ولكن بنسب ولأسباب مختلفة منها الاقتصادي والسياسي وغيرهما ولكني في هذا المقال سأقوم بتسليط الضوء على مجال التعليم ودوره في ارتفاع أو خفض نسبة البطالة في البحرين وأترك المجالات الأخرى للخبراء في باقي المجالات.

كل سنة يتخرج أعداد كبيرة من الطلبة من الجامعات الحكومية والخاصة ولكن ليس جميع الخريجين يجدون أعمالاً تناسب تخصصاتهم مما يؤدي إلى جلوس العديد من هؤلاء الخريجين في المنزل وهذا في معظم الأحوال يؤدي إلى إطفاء الشرارة والحماس في أنفس هؤلاء الشباب وله مردود سلبي ليس فقط على هؤلاء الشباب ولكن على أولياء الأمور والأهم الوطن الذي يحرم من الاستفادة من هذا الحماس الشبابي ومن إدخال دماء جديدة في مجال العمل.

وعندما نتساءل عن سبب حدوث هذا، ندرك أن هناك أسباباً كثيرة تؤدي إلى هذا ومنها عدم حسن اختيار الشباب لتخصصاتهم في الجامعات الحكومية والخاصة حيث الملاحظ أن أعداداً كبيرة من الشباب يتجهون إلى التخصصات التي يوجد فيها اكتفاء في سوق العمل ! فمثلاً الكثير من الشباب البحريني يختار التخصصات المتعلقة في مجال الأعمال business ولذلك بعد نهاية كل سنة أكاديمية نلاحظ تخرج المئات من الشباب في هذا المجال وفي نهاية الأمرالبعض منهم ينصدم بواقع عدم وجود أماكن لهم في سوق العمل مما يؤدي إلى جلوسهم أشهر إذا لم يكن سنيناً بدون عمل. في اعتقادي أن المسؤولية في هذا الأمر تقع على المدارس والجامعات وأولياء الأمور والأبناء أنفسهم حيث يجب أن يكون هناك تثقيف للطلبة في المدارس وفي المنزل عن مجالات العمل المتوفرة للأبناء بعد التخرج وحاجة سوق العمل في البلاد لبعض التخصصات واكتفائها من الآخر. كما يجب أن يكون هناك تعاون واتصالات بين الجامعات وبين مختلف الوزارات والشركات والأعمال الخاصة لمعرفة التخصصات التي يحتاج لها كل قطاع لكي تقوم الجامعات بتقديم تخصصات تلبي حاجة هذه القطاعات وتثقيف وتوجيه الطلبة لدراستها. كما يجب أن يدرك طلبة خريجي الثانويه بأنهم يجب أن يكونوا مرنين في اختياراتهم حتى يتسنى لهم إيجاد أعمال بعد التخرج وأن يكونوا مستعدين لبذل كل الجهد والتفوق في الدراسة فكلما طال وجودهم في الجامعات طالت فترة إيجادهم الوظيفة بسبب عامل السن حيث من المعروف أن بعض الشركات والأعمال الخاصة تفضل توظيف الخريجين الأصغر سناً.

التعاون والتشاور والتحادث بين الجامعات الحكومية والخاصة مع الوزارات والشركات و المؤسسات الخاصة يساعد يضاً في عدم تكرار التخصصات، فلو ننظر اليوم إلى التخصصات في جميع الجامعات نلاحظ أن معظم التخصصات في جميع الجامعات تصب في مجال إدارة الأعمال والصيرفة والبنوك متناسين أن البحرين مملكة صغيرة لاتستوعب هذا الكم من الخريجين في هذه المجالات خصوصاً أن خلال السنوات السابقة وبسبب الاضطرابات في البحرين الكثير من الشركات والبنوك الخاصة انتقلت إلى دبي فكما يقال في مجال الأعمال «راس المال جبان».

لذلك يجب علينا كمجتمع أن ننظر إلى سوق العمل ونتكيف مع حاجاته من ناحية التعليم وتوجيه أبنائنا. من المعروف أن هناك حاجة في المجتمع وسوق العمل إلى خريجي التعليم الفني والصناعي حيث مازالت الكثير من الوظائف الفنية والصناعية يشغلها أجانب. والغريب أن البحرين متمثلة في وزارة التربية والتعليم لطالما أولت اهتماماً كبيراً لقطاعي التعليم الفني والصناعي فالتعليم الصناعي انطلق بإنشاء مدرسة الصناعة بالمنامة سنة(1936) واليوم يوجد الكثير من هذه المدارس التي تحظى بشعبية كبيرة عند الشباب الذين يتمكنون من اختيار التخصصات التي تناسب ميولهم وقدراتهم فهناك تخصص ميكانيكا السيارات و كهرباء وإلكترونيات السيارات وتخصص اللحام والفبركة والتبريد وتكييف الهواء ومحركات الديزل والكهرباء والإلكترونيات وصيانة الحاسوب وغيرها من التخصصات.

وقد قامت الوزارة مشكورة بهيكلة النظام الدراسي للتعليم الثانوي ليضم ثلاثة مستويات يكون المستوى الأول السنة التأسيسية وفي المستوى الثاني يتم توجيه الطلاب إلى مستويين نظري وعملي حيث يقوم الطالب بالاختيار حسب ميوله أما في المستوى الثالث فيلتحق الطلاب فيه بأحد التخصصات الدقيقة المتفرعة من التخصص العريض الذي درسوه في المستوى الثاني بمساريه الفني والتطبيقي بهدف اكتساب المهارات الدقيقة للتخصص ليتمكنوا من إنجاز الأعمال التي يتطلبها سوق العمل كما يتم تدريبهم بإحدى الشركات الصناعية في مجال التخصص لمدة خمسة أسابيع لاكتساب الخبرة الميدانية والتطور. إلا أن من المحزن أن بعض هؤلاء الخريجين الذين قاموا بدراسة تخصص ميكانيكا السيارات وكهرباء وإلكترونيات السيارات لايجدون تخصصات كهذه في جامعة البحرين والبوليتكنك والجامعات الخاصة فهناك فقط تخصص قسم الهندسة الميكانيكية والمركبات في معهد البحرين للتدريب حيث يحصل الطلاب على دبلوم وليس بكالوريوس مما قد يبعد بعض خريجي الثانوية من الالتحاق بهذا البرنامج والتوجه إلى دراسة تخصصات مختلفة أو المحاولة في إيجاد العمل كميكانيكي سيارات في إحدى شركات السيارات التي في معظم الأحيان تفضل العامل الأجنبي. السؤال هنا لماذا لايتم طرح هذه التخصصات في كلية البوليتكنك لتسد الفجوة الموجودة في التعليم الجامعي في مملكة البحرين وتلبي رغبة الطلاب في الحصول على درجة البكالوريوس في تخصص السيارات وميكانيكا السيارات؟ ومن المحزن أن معهد ناصر للتأهيل والتدريب المهني الذي افتتح بسنة 2014 لايعرف الكثير من الطلبة وأولياء الأمور بوجود هذا المعهد أو التخصصات المهمة والبيئة الممتعة الذي يقدمها للطلاب. من يقول الشباب البحريني كسول خاطئى فالشباب البحريني من الجنسين شباب واعٍ وذو عزم والدليل التحاقهم في العمل في محطات البترول و مطاعم الوجبات السريعة والفنادق فهدفهم إيجاد عمل يوفر لهم حياة مريحة وبراتب يلبي حاجات الحياة وهذا يكون بدراستهم لتخصصات مطلوبة وهذا يحدث فقط عندما يكون هناك تواصل بين الجامعات والوزارات والمؤسسات والشركات الخاصة وطرح تخصصات جديدة يفتقدها سوق العمل بالبحرين والخليج وعندما تقوم حكومات التعاون الخليجي بالتنسيق فيما بينها لتوظيف الشباب الخليجي ومعاملة كل عامل أوموظف خليجي معاملة المواطن كما هو الحاصل في الاتحاد الأوروبي.

* أستاذ مساعد بجامعة البحرين