ذريعة لخفض الرواتب وإلغاء الإجازات
العمل عن بعد والمساءلة الجنائية لإفشاء أسرار العمل
بدلات جديدة للأجهزة والإنترنت المنزلي
مسؤولية المؤسسة في تطبيق التفاعل الاجتماعي والتواصل الفعال
دعا محامون إلى البدء في النظر في تعديل قانون العمل بشأن ما فرضته جائحة كورونا من أساليب العمل عن بعد، وقالوا إن التجربة مازالت في بدايتها وتحتاج للنضج، فيما طرح المحامون إشكاليات خاصة بطبيعة العلاقة بين العامل والمؤسسة، والتزامات كل طرف، وكشفوا عن بروز مشاكل في بعض المؤسسات برفض منح إجازات للعاملين عن بعد، واتخاذ العمل عن بعد ذريعة لخفض الرواتب، وفي المقابل الالتزام بسرية المعلومات والوثائق والمستندات، والمساءلة القانونية والجنائية على العامل في حال إفشاء أسرار العمل أو إطلاع الغير عليها، واستحقاق الموظف لكلفة الأجهزة والإنترنت وبدل ساعات العمل الإضافية، لكنهم أكدوا أن فقدان التواصل الفعال هو مسؤولية المؤسسة بإرساء قواعد وتطوير الأنظمة.
وأشار المحامي أحمد الحداد إلى أن الوضع القانوني الخاص بالعمل عن بعد جدير بالدراسة والاهتمام والتطوير، وخاصة فيما يتعلق بمدى الالتزام بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن العمل عن بعد بين طرفي عقده وحفظ حقوق العامل والمؤسسة، مبيناً أن أبرز الإشكاليات التي تواجه المؤسسة والعامل هو فقدان التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، حيث يختلف تأثير العمل عن بعد ذلك لعدم تواصل وتفاعل وتعاون الموظفين عن بعد، وقال إن كثيراً من الأفكار تخرج عندما يجلس الموظفون على طاولة واحدة، بينما يسير العمل عن بعد دون تطوير.
وأوضح الحداد أن العبء يقع على المؤسسة وصاحب العمل بإرساء الثقة وترميمها بين الموظفين حتى لو كانوا يعملون عن بعد، لكنه في الوقت ذاته يواجه قضية عدم انضباط العامل وعدم بدء العمل في ساعة محددة، ما يسبب التأخير في إنجاز العمل فتنخفض الإنتاجية وتتأثر المؤسسة، فضلاً على انخفاض التنافسية بين الموظفين وانعكاس كل ذلك على أداء المؤسسة، وقال: ينبغي وضع الحل لهذه المسألة بفتح قناة للتواصل مع المدير المباشر لإبراز الإنجازات والعمل والجهد الذي قام به العامل.
ونوه المحامي الحداد إلى نص المادة 43 من قانون العمل "إذا حضر العامل إلى مقر عمله في الوقت المحدد لأداء العمل وكان مستعداً لمزاولة عمله في هذه الفترة وحالت دون ذلك أسباب ترجع إلى صاحب العمل اعتبر كأنه أدى عمله فعلاً واستحق أجره كاملاً، أما إذا حضر العامل وحالت بينه وبين أداء عمله أسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل استحق نصف الأجر"، وأكد أن القانون كان منصفاً للطرفين للعامل وصاحب العمل، حيث يرتبط العامل بعقد عمل وذلك للقيام بعمل معين يحدده صاحب العمل مقابل أجر يتحصله العامل.
لكن المحامي محمود ربيع تبنى الرأي الداعم لعدم تعديل القانون، مشيراً إلى أن العمل وقيمته لا تتغير سواء كان العامل في مكتبه أو في المنزل، لكنه أعرب عن القلق من اتخاذ العمل من البيت ذريعة لتخفيض الرواتب من قبل بعض المؤسسات، وقال: ربما سنجد بعض الشركات عند انتهاء جائحة كورونا تبلغ موظفيها بالمكوث في البيت مقابل ثلثي الراتب، وبذلك تكون قد حققت مكسبين الأول هو تخفيض الرواتب والثاني الاستغناء عن المساحات المكتبية الكبيرة وكلفة الإيجارات.
إلغاء الإجازات للعاملين عن بعد
وتوقع ربيع أن تثار مشاكل قانونية أخرى للموظفين من البيت، وقال ربما أيضاً الشركات تبدأ في استغلال هذا الواقع وترفض منح إجازات بأنواعها، متذرعة بأن العامل أصلاً لا يداوم في المكتب، ويستطيع أن ينجز أعماله من أي مكان آخر حتى لو خارج حدود البلاد، مؤكداً أن مشكلات بدأت تطفو على السطح من بعض الشركات برفض منح إجازة سنوية أو مرضية بحجة البقاء في البيت، لكنه أوضح أن القانون لم يفرق بين الأسلوبين، وبالتالي ليس من حق الشركة رفض منح الإجازة، بحكم أن النص العام يؤخد على عموميته ما لم يقيده نص خاص، وقال: "مادام قانون العمل لم يفرق فالعمال في المنازل يستحقون كل الامتيازات التي يأخذها العاملون في المؤسسات، إلا إذا صدر تشريع يفرق بينهما في الامتيازات مثل بدل الانتقال، لكن الوقت مازال مبكراً لتقييم نظرية العمل من المنزل، ونحتاج فترة لكي نرى التجربة تنضج".
الاتفاق على التفاصيل قبل بدء العمل عن بعد
واقترحت المحامية غادة صليبيخ الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على تفاصيل عقد العمل لتدارك أي غموض أو لبس حول عمل الموظفين عن بعد، ومنها على سبيل المثال أن تتمتع الإدارة بالشفافية في تحديد المهام والأهداف، باستخدام نظام يسمح للمديرين والمشرفين الاطلاع على ما ينجزه الموظفون من أعمال، بحيث يسمح لهم بمراقبة ومتابعة تقدم الموظفين في العمل، ومعرفة مدى إنتاجيتهم.
ولفتت صليبيخ إلى أحد أهم المشاكل التي تواجه الموظفين والمديرين فيما يتعلق بالعمل عن بعد، وهو عدم القدرة على التواصل بشكل فعال، حيث يعاني الموظفون من عدم مقدرتهم على تلقي الردود على الأسئلة والاستفسارات في الوقت المناسب، وقالت: "للتغلب على هذا الأمر يجب اعتماد وسيلة تواصل مباشر ووقتي وفعال، كما يمكن استخدام شبكة داخلية للتواصل أو استخدام تطبيق محادثة معين".
كما دعت إلى وضع المديرين لتخطيط مسبق قبل السماح بالعمل عن بعد، من خلال مجموعة من القواعد التي على أساسها تتم إتاحة العمل عن بعد، وتحديد المشكلات التي يمكن أن تواجه العاملين، فعلى سبيل المثال هناك مشكلة انقطاع الإنترنت، أو مشكلة سوء الفهم عن طريق رسائل البريد الإلكتروني، وغيرها من المشاكل التي لا بد من افتراضها ووضع خطط وإستراتيجيات لحلها.
وأوضحت صليبيخ أنه يجوز الاتفاق بين الموظف وصاحب العمل على تعديل عقد العمل بحيث يكون بنظام الساعات أو بنظام الإنتاج، ولكن بشرط أن يراعى في ذلك مصلحة الموظف.
ترقيات العاملين عن بعد
وطرحت المحامية عائشة ثاني سالم بعض الإشكاليات المتوقعة من العمل عن بعد، ومن أبرزها كيفية تقييم العامل واحتساب الترقيات، وهل يتساوى العاملون في المنزل مع الباقين في المكاتب من حيث الترقيات والعلاوات؟ كما أشارت إلى بعض التكلفة الخاصة بالعمل عن بعد مثل توفير جهاز كمبيوتر وإنترنت، وذلك مقابل بدل الانتقال الذي كانت تدفعه المؤسسة لعمالها الحضور، لكنها أكدت أن مثل هذه الأمور تبقى قيد التشاور والتفاوض بين صاحب العمل والموظف.
وأشارت المحامية أميرة عبدالله إلى أن العمل عن بعد هو أحد الخيارات البديلة التي تضمن استمرار تأدية الأعمال وإنجازها بحسب خطة العمل في الظروف الاستثنائية والطارئة، وقد تكون أيضاً ثقافة جديدة داخل سوق العمل لتوفير فرص عمل مرنة تتجاوز حواجز الزمان والمكان، وقد صار واقعاً لا مهرب منه، مؤكدةً وجوب وضع ضوابط ومعايير لسياسة العمل عن بعد في القطاع الخاص أسوة بالقطاع الحكومي، وتعديل بعض مواد قانون العمل في القطاع الأهلي بما يتماشى مع سياسة وآلية العمل عن بعد وتنظيمه؛ لضمان حقوق كل من أصحاب العمل والموظفين العاملين عن بعد.
سرية المعلومات
ودعت عبدالله إلى تضمين قانون العمل مادة تنص على أن يتحمل صاحب العمل التكاليف المتعلقة بشكل مباشر بمزاولة العمل عن بعد، ولا سيما كلفة الأجهزة والبرمجيات والاشتراكات والاتصالات وأدوات العمل ذات الصلة، كما يتحمل تكاليف الصيانة والدعم التقني، ما لم يثبت خطأ أو سوء استعمال من قبل الموظف العامل عن بعد، على أن يستفيد الموظفون العاملون عن بعد من نفس الحقوق الممنوحة للموظفين الذين يزاولون عملهم في مقرات العمل، ولا سيما طلب الإجازات باختلاف أنواعها، ومنها المرضية والتعويض عن تعرضهم لحوادث الشغل والأمراض المهنية بسبب المعدات التي يستعملونها.
وقالت إنه يجب تحديد أوقات العمل وتحديد الفترة التجريبية للموظف في ظل العمل عن بعد، واستحقاق الموظف العامل عن بعد تعويضاً عن ساعات العمل الإضافي، وأن يمنح العلاوات والحصول على الترقيات، مشددةً على أهمية التزام الموظف العامل عن بعد بأخلاقيات العمل المعتمدة في جهة عمله، مع المحافظة على سرية المعلومات والوثائق والمستندات، وتعرضه للمساءلة القانونية والجنائية في حال إفشاء أسرار العمل أو إطلاع الغير عليها.
فيما أكد المحامي أحمد المعيوف أن العمل عن بعد أمر حتمي جاء وفقاً للمتغيرات الحاصلة بسبب الجائحة، إلا أنه شدد على الحاجة للتنظيم بوضع الاشتراطات والالتزامات التي تقع على الطرفين، وقبل ذلك وضع تعريف لماهية العمل عن بعد والشخص المخول العمل عن بعد أو الوظائف، وكذلك أوقات الدوام.