برز قطاع الرعاية الصحية كإحدى القطاعات الحيوية التي قد يكون لها شأن كبير في المرحلة المقبلة وبالأخص في ما بعد احتواء جائحة "الكورونا" سواء على نطاق محلي أو إقليمي أو عالمي، خصوصاً وأن هذا القطاع يمس بشكل صميم أولى الاحتياجات البشرية الأساسية للمواطنين والمقيمين في بلد محدد كما أنه يعتبر أحد أبرز أعمدة مفهوم "التنمية البشرية" الذي يقيس مستويات التنمية البشرية في بلد ما إلى جانب الخدمات التعليمية والأمن والخدمات السكنية وغيرها، وبالتالي سيكون هذا القطاع ضمن أولويات الحكومات والدول بتنوع رؤاها وخططها الاستراتيجية مستقبلاً لربما يكون خياراً استثمارياً يشمل تعزيز البنى التحتية والمرافق القائمة بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الإقليمية والدولية في ذلك وهو ما سينعكس حتماً على مستوى رفاهية المجتمع ونموه وتطوره.

كما أن هنالك العديد من المجالات والقطاعات الفرعية ضمن الرعاية الصحية التي قد تعزز من دور هذا القطاع في تحقيق التنمية الاقتصادية والمساهمة في جهود التنويع الاقتصادي التي كانت البحرين من ضمن الدول الرائدة خليجياً في إطلاقها، وبالأخص مجال السياحة العلاجية الذي يشهد إقليمياً وعالمياً إقبالاً واهتماماً كبيراً، وربما جاء اختيار منظمة الصحة العالمية من البحرين مقراً لإحدى مكاتبها في المنطقة بمثابة تكليل لمسيرة البحرين في التصدي للجائحة وانعكاس للثقة بمستوى التطور الحاصل في قطاع الرعاية الصحية لدى المملكة.

رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية: قطاع السياحة العلاجية والبيئة الداعمة يساهم في زيادة التنويع الاقتصادي..

وحول المردود الاقتصادي المتوقع من تطوير قطاع الرعاية الصحية وبالأخص السياحة العلاجية يشير الدكتور عمر العبيدلي رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية إلى أن قطاع الرعاية الصحية شهد نمواً كبيراً في جميع أنحاء العالم بسبب التطور التكنولوجي المستمر في هذا المجال، وأيضاً بسبب الارتفاع في الطلب على الخدمات الصحية من قبل كبار السن على وجه التحديد، والذي ساهم في تحفيز الابتكار في هذا الميدان.

ويرى العبيدلي بأن السياحة الصحية تقدم فرصاً متعددة لمملكة البحرين تساهم في تعزيز صادراتها وتنويع أنشطتها الاقتصادية، وبالتالي يمكن لها أن تكون رافداً لجهود التنويع الاقتصادي في المملكة، كما ويؤكد رئيس جمعية الاقتصاديين على أنه كان الأداء الجيد الذي قدمه فريق البحرين في مواجهة جائحة كورونا قد ساهم بصورة كبيرة في نشر عدد ملحوظ من الدراسات العلمية في مجال الطب، حيث أشارت مثل هذه الدراسات إلى تحقيق الارتفاع الكبير في كفاءة مملكة البحرين في مجالات البحث والتطوير والابتكار، وبالتالي بات من الممكن أن يساعد الاستثمار في القطاع الصحي على تحقيق نمو إضافي في مجالات البحث والتطوير والابتكار في هذا القطاع وهو الأمر سيعود بالفائدة على البحرين.

وحتى يتم تطوير قطاع الرعاية الصحية والسياحة العلاجية ليساهم في تعزيز التنافسية الاقتصادية للمملكة فإن الدكتور عمر العبيدلي يشدد على ضرورة المباشرة في إطلاق حملة تسويقية في الدول المستهدفة للترويج للخدمات الصحية في مملكة البحرين، ولتوعية السياح المحتملين عن مزايا البحرين في هذا الإطار، كما أنه يؤكد ضرورة أن يتم إجراء دراسات سوقية لاستيعاب طبيعة الطلب للخدمات الصحية، ومن ثم لبناء القدرات المحلية في البحرين في تلك المجالات ويؤكد رئيس جمعية الاقتصاديين البحرين على أنه لابد وأن يتم التركيز على إنشاء شراكات فاعلة مع المراكز الصحية الدولية للاستفادة من سمعتها لأجل استقطاب السواح إلى المملكة وبالتالي البدء في تعزيز قطاع السياحة العلاجية والبيئة الداعمة له ما من شأنه يساهم في زيادة التنويع الاقتصادي للمملكة وينعكس بالفائدة على جودة الخدمات الصحية والخيارات المتاحة للمواطنين والمقيمين في المملكة وينمي تنافسية البحرين إقليمياً وعالمياً.

وفي ما يتعلق بمساهمة الجائحة في تعزيز خيارات التوجه نحو الاستثمار في قطاع الرعاية الصحية فيوضح العبيدلي بأنه وبلا شك يعتبر تميز فريق البحرين نقطة إيجابية يمكن بناء حملة تسويقية عليها، لاسيما إذا واصل أداء المملكة في تحسنه الراهن إلى فصل الخريف وما بعد ذلك، وتمت مواصلة فتح المدارس، ومواصلة الحياة التجارية عودتها إلى حالة شبه طبيعية.

د.محمد القصاب: البحرين قادرة على التنافس في مجال السياحة العلاجية بكوادرها المتخصصة..

ويتحدث الدكتور محمد القصاب مدير العمليات في شركة "كيورا"، عن خبرته العملية في مجال الرعاية الصحية منذ أكثر من 16 عاما، إلى جانب انطلاقته في الاستثمار في القطاع الصحي الخاص منذ 11 عاما والتي أتاحت له فرصة العمل في جميع دول الخليج العربية والاطلاع على واقع الخدمات الصحية و البيئة الداعمة لها في المنطقة.

ويشير القصاب إلى أن البيئة الداعمة لخدمات الرعاية الصحية في البحرين شهدت تطوراً سريعاً، وذلك عن طريق تضافر جهود المجلس الأعلى للصحة والهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية إلى جانب أدوار مجلس التنمية الاقتصادية وصندوق العمل "تمكين".

ويؤكد الدكتور محمد القصاب أن البحرين تمتلك مسيرة عريقة في تطوير خدمات الرعاية الصحية حيث برز هذا القطاع منذ مطلع القرن الماضي، وشهد تطورات سريعة وتحولات نوعية تم من خلالها تلبية معظم حاجات المواطنين والمقيمين من الخدمات الصحية، بل استقطبت المملكة الكثير من الزوار ‏من مختلف دول الخليج للحصول على الرعاية المميزة، حيث اتسمت الخدمات الصحية في المملكة بالريادة وبالأخص في مجالات متنوعة تشمل تخصصات القلب، والعيون، والخصوبة، والعظام، والتجميل، ومصحات التأهيل الجسدي والنفسي.

ويرى أن ما تنعم به المملكة من وجود مؤسسات رعاية صحية ‏رائدة ‏مثل مستشفى السلمانية والمستشفى العسكري ومستشفى الملك حمد الجامعي والرعاية الأولية في المراكز الصحية بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية مثل جامعة الخليج العربي مركز ولي العهد للتدريب والبحث الطبي ومركز الجوهرة للبحوث والكلية الملكية الأيرلندية ‏وكلية العلوم التطبيقية يصب جميعه في تطوير مجال الدراسات البحثية والتجارب السريرية التي نتج عنها احتضان العديد من الممارسات الحديثة والمبادرات التطبيقية وتم تنفيذها مما ساعد ‏في تطوير نظام علاج واكتشاف طرق حديثة وممارسات ساعدت في تطوير الوقاية ورعاية صحة المواطنين والمقيمين في المملكة.

وتطرق القصاب إلى أبرز المجالات الواعدة في قطاع الرعاية الصحية وهي الطب الشخصي‏ الذي يندرج تحته تخصص الصيدلة الجيني (Pharmacogenomics ) والتشخيص الجيني (Genomics Diagnostics )والعلاج الجيني(Gene Therapy) وعلاجات النانو (Nano-Medicine) ‏وعلاج الخلايا الجذعية (Stem-cell Therapy).

وحول واقع الخدمات الصحية في البحرين ينبه الدكتور محمد القصاب إلى أن المؤسسات الصحية في مملكة البحرين بجميع أنواعها من القطاع الخاص وحتى القطاع العام تستقبل ما يعادل 7,000,000 زيارة سنوية للعيادات الخارجية مما يشكل عبء كبير على المؤسسات الصحية.

ويتوقع بأن يستحوذ الطب الاتصالي في الثلاث سنوات القادمة على ما نسبته 30% من نسبة زيارة العيادات الخارجية ويزداد نموه إلى 70% في العشر سنوات المقبلة من زيارات العيادات الخارجية مما سوف يخفف العبء على المنشآت الصحية ‏ويمهد لتقديم رعاية صحية أفضل إلى المرضى، إذ كانت منظومة الرعاية الصحية في الماضي تباشر معالجة الأمراض عند حدوث الأعراض وهي في الغالب تكون مرحلة متأخرة وتصاحبها مضاعفات، ولعل من بين أهم الدروس التي تعلّمها المجتمع الطبي أثناء جائحة كورونا وكان لها مقدار من النجاح الكبير هو التحرك المبكر للفريق الوطني الطبي في البحرين والتصدي للمرض قبل حدوثه، كما هو ممكن في كثير من الأمراض.

وحول افتتاح مقر منظمة الصحة العالمية في مملكة البحرين يرى الدكتور القصاب أنه سيكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي في المنطقة، وبالأخص دول الخليج العربي مع الامتداد العالمي، حيث تضطلع المنظمة بدور مهم في محاربة الأمراض المعدية والأمراض المزمنة في القلب والسكر والصحة النفسية والصحة الغذائية كما تهتم بمعايير الجودة والموضوعات الشائكة مثل أخلاقيات المهنة والبحث في الكثير من المواضيع القانونية والممارسة التطبيقية من خلال تشجيع التعاون الدولي وتبادل المعلومات و الخبرات، وبالتالي يساعد حضور المنظمة في البحرين على تطبيق ممارسات الرعاية الصحية وفقاً لأفضل المناهج والأسس العلمية بل سيكون نموذجاً لتدريب الكثير من المؤسسات الصحية في المنطقة.

وحول أبرز المجالات المحتملة للسياحة العلاجية يستشهد القصاب بملحمة جلجامش والتي أشارت إلى البحرين قديما ببلاد دلمون وعرفت معها سر "زهرة الخلود" وسعي جلجامش للبحث عنها لكي تمنحه الصحة والشباب الأبدي، وهو يؤكد أن هذه الملحمة قد لا تكون أسطورة بل وتقارب الحقيقة فمن بين أبرز مجالات الطب التجديدي (regenerative medicine) هنالك مجال يركز على محاربة تأخير الشيخوخة (Anti-Aging medicine ) ويرى أن هذا المجال قد يساعد البحرين لأن تكون وجهة ومقصداً للسياحة العلاجية مستقبلاً.

ويجد أن هنالك العديد من الإمكانات والعوامل المتاحة التي تعزز من نجاح الاستثمار في السياحة العلاجية بالمملكة وعلى رأسها تطوير مراكز التميز الطبي، إذ تم بالفعل البدء في مركز محمد بن خليفة للقلب، ومركز البحرين للسرطان، ومراكز التأهيل النفسية "الإدمان والجسدية، ومراكز الإقامة الطويلة لكبار السن ومراكز الطب الرقمي" التقني.

وأردف أنه يتوفر في البحرين كادر متميز من الممارسين الصحيين الذين حظوا بتدريب متميز في التخصصات الدقيقة والذين باتوا قطباً جاذباً للكثير من المرضى على مستوى المنطقة، إلى جانب توافر المرافق والبنية المكملة للسياحة العلاجية مثل الفنادق وخدمات الضيافة بأرقى المواصفات العالمية.