أكد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام أن جائحة فيروس (كورونا)، أضفت مسارات جديدة غيرت وجه العالم، وأن التحولات في عالم اليوم لم تعد عسكرية أو سياسية بحتة، وإنما باتت هذه التحولات تأخذ طابعاً اقتصادياً، اجتماعياً وإعلامياً بالدرجة الأولى، وهو ما يضع العرب أمام تحديات كبيرة، تتطلب إمعان التفكير في الوضع العربي الراهن.

ورأى الحمر، خلال مشاركته كمتحدث رئيسي في الندوة الثالثة لـ "منتدى أصيلة الـ42" التي عقدت في مدينة اصيلة في المملكة المغربية الشقيقة حول موضوع "العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة: العروبة إلى أين؟"، أنه رغم ما تشهده الساحة العربية اليوم من حروب داخلية واقتتال بين الإخوة، وغزو خارجي وعبث إقليمي ودولي، واعتداءات يومية متكررة على الدول العربية، إلا أن هناك في الوقت ذاته بذور تحولات عربية إيجابية، وبوادر انفراج في الوضع، مستشهدا على ذلك بأن الإنسان العربي أصبح أكثر وعياً وإدراكاً للمؤامرات التي تحاك، وأصبح أكثر تشبثاً بعروبته.

والقى مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام الكلمة الرئيسية في الندوة، حيث استعاد خلالها أبرز المراحل التي مر منها التيار القومي العروبي منذ بداية القرن حتى الوقت الحاضر، مشيراً إلى أنه "تاريخ طويل من التبلور والحلم القومي العربي".

ودعا الحمر إلى ضرورة التمسك بالأمل بالرغم من الصورة القاتمة للأوضاع الراهنة، مشددا على أن جامعة الدول العربية تقع عليها مهمة جسيمة ورئيسية في تقريب وجهات النظر بين الدول العربية، وإيجاد أرضية مشتركة فيما بينها، وقواسم رئيسية يلتقي عليها الفرقاء العرب من أجل المشاركة في جهود البناء من أجل المستقبل لخير المنطقة وشعوبها.

وعبر عن اعتقاده بأن الكيفية التي انسحبت بها أعتى قوة عسكرية في العالم من أفغانستان بعد حرب طويلة، يعد تحولا كبيرا يضع العرب أمام تحديات متزايدة، داعيا إلى إمعان التفكير في الوضع العربي الراهن وضرورة الخروج برؤى استشرافية تعالج جذور المشكلات والأزمات التي تشهدها الساحة العربية.

وتحدث في الندوة كل من السيد محمد بن عيسى، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لـ"مؤسسة منتدى أصيلة"، و الكاتب والباحث العراقي الحسين شعبان، وإلهام كليب رئيسة "جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان" من لبنان، والكاتب والمحلل السياسي اليمني مصطفى نعمان، ومحمد أبو حمور، الأمين العام لـ"منتدى الفكر العربي".

وتطرقت مداخلات المشاركين في الندوة، إلى التحولات التي يعيش العالم العربي تداعياتها حتى اللحظة، وأثرت سلباً على فكرة العروبة وما نجم عنها من ترتيبات وأبنية سياسية.

واشتملت الندوة على 3 محاور، هي تجربة وآفاق فكرة العروبة والبناء الإقليمي العربي، وخلفيات ومآلات الهوية والانتماء القومي في الفكر العربي المعاصر، ومسارات واتجاهات النظام العربي والبيئة الدولية والإقليمية الشرق أوسطية، وأخيرا الدور الذي يتعين على جامعة الدول العربية أن تقوم به، انسجاماً مع الهدف من إنشائها.

من جانبه، اعتبر محمد بن عيسى، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لـ"مؤسسة منتدى أصيلة"، أن هذه الندوة بمثابة جرد لمحاولات التحديث التي ظهرت في العالم العربي منذ نهاية القرن الـ19 واقترنت وامتزجت بالعروبة، حيث تبلورت في ثلاث صياغات متمايزة: صيغة حضارية تمثلت في جهود الأدباء والمفكرين، الذين آمنوا بإمكانية بعث الأمة العربية، مقتدين بالنهضة الأوروبية. فيما اهتمت الصيغة الثانية بالجانب الآيديولوجي، وتمثلت في الانسياقات السياسية الحزبية، والتنظيمات الحركية التي تبنت مسألة الوحدة العربية، انطلاقاً مما اعتبره دعاة الوحدة العربية المقومات المشتركة التي يتم بها تشييد الدولة القومية المكرسة لهوية الأمة. أما الصيغة الثالثة فهي ذات بعد استراتيجي، ممثلة في النظام الإقليمي الاندماجي الذي تبنته جامعة الدول العربية وأجهزتها المختصة في العمل العربي المشترك.

أما الكاتب والباحث العراقي الحسين شعبان فتحدث خلال الجلسة الأولى للندوة، بعنوان "فكرة العروبة والبناء الإقليمي العربي: التجربة والآفاق"، عن التداخلات الإقليمية وتأثيراتها على القرار العربي، ممثلاً بإيران وتركيا، مشيراً إلى تراجع القضية الفلسطينية، وانفجار الهويات الفرعية، وانبعاث رياح الطائفية والإثنية المناوئة لفكرة العروبة.

كما تحدث شعبان عن علاقة العروبة بالحداثة، وقال إن العروبة «متحولة ومتفاعلة، متجددة باستمرار وتتغير بعض عناصرها، فيما صار اختلاف الهويات أمراً واقعياً وليس مفتعلاً، وهناك حق في الهوية للشعوب والجماعات والأشخاص، كما أن هناك علاقة بين العروبة والمواطنة".

وشدد شعبان على أنه "صار من المطلوب اكتشاف العروبة وتحديثها وأنسنتها وتحصينها بالحربة والتنوع وقبول الآخر".

من جهتها، قدمت إلهام كليب، رئيسة "جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان" من لبنان، عرضاً ضمنته إشارات لإسهامات اللبنانيين في تحديث اللغة والثقافة والإصلاح والتنوير، وإسهام النساء اللبنانيات في النهضة العربية.

من ناحيته، رأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني مصطفى نعمان، أن جامعة الدول العربية، "لم تستطع أن تحل مشكلة عربية واحدة، وبالتالي لم تستطع أن تقوم بالمهمة التي تم إنشاؤها من أجلها"، معتبرا أنها "انتهت إلى جهاز إداري لا يقدم شيئاً".

وشدد نعمان على أن "العروبة فكرة جميلة ومثالية، لكن لا علاقة لها بالواقع بسبب المشكلات التي يعيشها العالم العربي".

بدوره؛ تناول محمد أبو حمور، الأمين العام لـ"منتدى الفكر العربي"، في كلمة ألقاها بالنيابة كايد هاشم نائب الأمين العام للشؤون الثقافية، أبرز ملامح المستجدات على صعيد التنمية العربية في سياق التحولات الإقليمية والدولية الجديدة وبعض المؤشرات المهمة المتعلقة بها عربياً، مشيرا إلى أن غياب الرؤية العربية الواحدة، أوجد شيئاً من التفاوت والتباعد بين المجتمعات وجذورها الحضارية المشتركة.

ورأى أبو حمور أن "إعادة الترابط العربي في حقوق التنمية تبدأ من المفاعيل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والمصالح الحقيقية والموضوعية لهذا الترابط، وصولاً إلى بناء كتلة اقتصادية تستطيع أن تشكل وزناً للصوت العربي في المقاييس و النظام العالمي القائم على تكتلات متنافسة".

ودعا المشاركون في ختام الندوة إلى تحديث مفهوم العروبة وتحصينه بالحرية والتنوع وقبول الآخر، والإقرار بالحق في الاختلاف والابتعاد به عن التعصب.