لا شكّ في أن جائحة فيروس كورونا المستجد تسرّع وتيرة تحوّل نظم الرعاية الصحية حول العالم، إلا أن وجود بعض العقبات على سبيل استقرار القوى العاملة، وتحفيز مقدّمي الخدمات، وعوائق الابتكار قد تبطئ التقدّم في هذا الإطار، وذلك وفقًا لمئتَي قائد في قطاع الرعاية الصحية حول العالم.
تمّ في إطار تقرير Healthcare CEO Future Pulse العالمي الأول من كي بي إم جي، إجراء مقابلة مع رؤساء تنفيذيين من أهم شركات تقديم خدمات الرعاية الصحية حول العالم من القطاعين العام والخاص، ومن ثمان مناطق جغرافية مختلفة للاطلاع على آرائهم. يُعدّ هذا التقرير واسع النطاق ويقدّم معطيات قيّمة حول كيفية استعداد قادة قطاع الرعاية الصحية الذين يشرفون على المستشفيات، ونظم الصحة، وشبكات مقدّمي الرعاية، للمستقبل.
إنّ مقدّمو خدمات الرعاية الصحية كانوا وما يزالون في الصفوف الأمامية للجهود الدولية للتعامل مع الجائحة والحدّ من وطأتها. وأمّا الآن فيما تخطط العديد من المناطق والدول المختلفة لمرحلة التعافي ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد، يستعد قطاع الرعاية الصحية أيضًا لعملية تحوّل طويلة المدى. إن الكثير من الرؤساء التنفيذيين (62%) كانوا قد باشروا بإحداث تغييرات كبيرة على أعمالهم قبل الجائحة، إلا أن كوفيد-19 أسهم لا شكّ في إسراع وتيرة أجندات التغيير لدى 97% من المشاركين.
ويعتقد غالبية الرؤساء التنفيذيين (79%) الذي تمّت مقابلتهم، أن نماذج تقديم الرعاية ستشهد خلال الأعوام الثلاثة المقبلة عملية تحوّل، إلا أن القطاع يواجه تحديات وعقبات كبيرة في هذا المسار. كما شكّلت القدرة على تلبية الطلب، وأثر النماذج التشغيلية الجديدة في طاقم العمل، ودعم سلامة العاملين، وتوظيف مواهب جديدة أبرز مساور القلق لدى قادة القطاع فيما يعدّ القطاع نفسه لإصلاحات وتغييرات كبيرة مستقبلًا.
هذا وأشار 65% من الرؤساء التنفيذيين إلى أن المخاطر المرتبطة بالتغيير التكنولوجي تشكّل العائق الأكبر بوجه الابتكار، فيما أقرّ ثلثا الرؤساء التنفيذيين تقريبًا (67%) بالحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على المواهب والموارد. إلى ذلك، يعتقد 84%من الرؤساء التنفيذيين أن التحوّل لن يحدث من دون المزيد من التغييرات النظامية على سبيل تغيير طريقة تحفيز مقدّمي الرعاية. يوافق الرؤساء التنفيذيون بمعظمهم على أن منظومة تقديم الرعاية التقليدية تشهد تطورًا، ويتوقّع 70% منهم أن تتطوّر المستشفيات بحدّ ذاتها لتصبح "مراكز رعاية صحية" تركّز على الرعاية المتخصصة. كما يعتقد 63% من الرؤساء التنفيذيين أنّه من المهم تحويل تقديم الرعاية إلى نموذج يعتمد بشكل أكبر على المرافق الاجتماعية لتقديم مختلف أنواع الرعاية حيث أمكن.
في تعليق على مخرجات التقرير، قالت آنا فان باوكي الرئيسة العالمية لقسم الرعاية الصحية في شركة كي بي إم جي: "إن فترة السنة والنصف الماضية شكّلت تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى قطاع الرعاية الصحية حول العالم، إلا أن جائحة فيروس كورونا المستجد أوضحت الدور الحيوي الذي يضطلع به هذا القطاع في سلامة المجتمع ونجاحه. إن فكرة التحوّل كانت تراود الكثير من قادة قطاع الرعاية الصحية قبل الجائحة، إلا أنها غالبًا ما كانت تواجه عراقيل على صعيد البيروقراطية، وحشد دعم أصحاب المصلحة، والتخطيط المطوّل. في هذا الصدد، شكّلت الأزمة التي تعصف بعالمنا، مسرّعًا بالنسبة إلى الرؤساء التنفيذيين الذين يستعدون للتغيير الضروري والحتمي. والجدير بالذكر أن 80% يعتقدون أن القطاع بحاجة إلى تغييرات جذرية. وبالنسبة إلى كي بي إم جي، فإن هذه الفترة هي انتقال "من الحلم إلى الحقيقة" إذ إن الوقت الآن فائق الأهمية بحيث تدرك القيادات التحوّل الهائل الذي يقبل عليه القطاع، ولكنها تدرك في الوقت عينه وجود بعض التحديات التي قد تبطئ وتيرة هذا التحول، بدءًا من العوائق التقنية وصولًا إلى المسائل المرتبطة بالواهب والموارد".
وأضافت: "أظهر القطاع مرونةً وقدرة على الصمود والتكيّف خلال الجائحة. وتستوجب التحديات المعقدة التي تواجهها منظمات الرعاية الصحية في يومنا هذا، قيادة شاملة ومرنة، تأخذ المستقبل واحتياجاته بالاعتبار. كما يتعيّن على قادة قطاع الرعاية الصحية التفكير بسنوات التحوّل المقبلة، وإلى مدى ملاءمة خططهم الفردية معها. وفي هذا السياق، يعتبر إشراك وتحفيز وتمكين فرق العمل، أمرًا أساسيًا للعبور نحو مستقبل واعد".
من ناحيته، قال ماناف براكاش الشريك في قسم الاستشارات في شركة كي بي إم جي في البحرين: "إن النقاشات التي خضناها مع قادة القطاع في البحرين وحول العالم، تشير إلى تغيير كبير في النماذج التشغيلية ونماذج تقديم خدمات الرعاية الصحية. ومن غير المفاجئ أن يكون التحوّل الرقمي قد برز كأحد العوامل الأساسية في تقرير Future Pulse، إذ إن الرؤساء التنفيذيين بأن نماذج تقديم الخدمة سيتعيّن عليها أن تكون رقمية وأن الأماكن الفعلية ستُبنى بما يتلاءم مع النماذج الرقمية الناشئة". وأضاف: "من شأن ذلك أن يخلق الحاجة إلى الاستثمار في نموذج رعاية رقمي يستشرف المستقبل، وفي المزيج الملائم ما بين واجهات المستخدم الرقمية والفعلية، وتوظيف المواهب وصقل المهارات، وفي إقامة الشراكات مع الجهات الفاعلة في مجال التقنيات الصحية".