أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على أهمية تعزيز التعاون الدولي في مواجهة مختلف التحديات الصحية التي تواجه العالم، عبر تحويل التحديات الحالية إلى فرص مستقبلية نحو خطط أكثر فاعلية لإحداث تغيير حقيقي والاستعداد للتحديات العالمية بنفس العزيمة التي تولى لكافة التحديات على كل صعيد، لافتا إلى ضرورة تضافر جهود دول العالم عبر تعزيز الإسهامات الإنسانية والمبادرات المختلفة على المستوى الدولي بما يحقق الأهداف المنشودة.
وألقى سموه حفظه الله كلمة افتتاحية في الدورة الاستثنائية لمنظمة الصحة العالمية جاء فيها:
"السيدة الرئيسة، ، أعضاء الوفود الموقرون، يسرني أن أنقل لكم تحيات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وأبناء البحرين، وأصدق التمنيات لاجتماعكم بالتوفيق..
لقد تجاهل المجتمع الدولي، ولعقود طويلة، النداءات العاجلة الصادرة من خبراء الصحة العامة، والذين قاموا بتحذيرنا مرارا وتكرارا من التحديات التي تواجه النظام الصحي العالمي والتفاوت الكبير في مستويات الصحة في داخل الدولة الواحدة وما بين الدول المختلفة. واليوم، وفي الوقت الذي نشعر فيه بالحزن على فقدان أكثر من خمسة ملايين من الآباء والأمهات والأبناء والبنات، يجب أن نكون مستعدين اليوم للمهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء حياة أولئك الذين نجوا من هذه الجائحة.
لقد كشف فيروس كورونا عدم جهوزية العالم، وأدى انعدام وجود خطة عمل عالمية إلى توجه البلدان حول العالم إلى الانغلاق، ونتيجة لذلك، شهدنا انهيار أنظمة الكشف والإنذار المبكر، وغياب بروتوكولات الاحتواء الموحدة، وانتشار المعلومات المضللة، والعديد من الصدمات في الأسواق والاضطرابات في سلاسل الإمدادات، والتي لا تزال تترك الكثيرين بدون إمكانية الوصول المباشر إلى السلع الأساسية وأدوات التشخيص والعلاج والتطعيمات.
إنه من الضروري ألا نصل بأنفسنا إلى القناعة بأن هذه الجائحة عبارة عن حالة تظهر مرة في القرن. يجب علينا، عوضا عن ذلك، أن ننتهز هذه الفرصة لإحداث تغيير حقيقي، والاستعداد للجائحات العالمية بنفس العزيمة التي نوليها للتهديدات الجيوسياسية على سلامتنا وأمننا الجماعي. عندها فقط، سنكون قادرين على بناء نظام صحي عالمي، والذي يمكن أن يكون يوما ما، خط دفاعنا الأول والأكثر فاعلية عند ظهور الأمراض المعدية.
لقد أدركت مملكة البحرين، مع بدء انتشار فيروس كورونا عالميا وقبل أن يصل إلى المملكة، أن الاستعداد والتعاون عزز قدرتنا على تجاوز تحد بهذا الحجم بنجاح.
قبل شهر كامل من تسجيل أول حالة لدينا، قمنا بإنشاء غرفة عمليات مركزية، والتي أصبحت عصب عمليات جهود التصدي في المملكة، وركزت على حشد الموارد والأشخاص من المؤسسات العسكرية والمدنية للتنسيق لتحقيق استجابة شاملة على مستوى المملكة.
لقد تبنت البحرين سياسة الشفافية التامة، والتي عززت المسؤولية الجماعية وثقة المجتمع. لقد اجتمع قادة المجتمع والأطباء وصانعو القرار والمواطنون والمقيمون معا بروح الفريق الواحد، فريق البحرين، حول قناعة راسخة بالهدف المشترك. لقد تعمقت روح الوحدة هذه في كل ركن من أركان المجتمع، وقام أكثر من 50000 مواطن، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 1.5 مليون شخص، بالتطوع لتقديم الدعم في شتى المجالات.
بهذه الروح الجماعية تمكنا من زيادة الطاقة الاستيعابية للأسرة الطبية بستة أضعاف، وتأمين مساكن بديلة للأشخاص الذين يعيشون في أماكن مكتظة، وتجهيز المستشفيات بما يكفي من معدات الوقاية الشخصية وأجهزة التنفس الصناعي ومختلف الأدوية.
نتيجة لهذه الجهود تتمتع البحرين بإحدى أعلى معدلات التعافي في العالم، بالإضافة إلى تطعيم ما نسبته 93%من السكان المؤهلين، والتي حصل حوالي 50%منهم على الجرعة المنشطة حتى الآن. لكن، لم تكن الصحة الجسدية أولويتنا الوحيدة؛ فقد تم التركيز على الصحة الاقتصادية والنفسية بشكل بارز في استجابتنا، وبفضل المشاركة المجتمعية، وآلية "الفحص، والتتبع، والعلاج" الرائد عالميا، استطعنا تجنب وطأة التحدي دون الحاجة إلى فرض إغلاق كامل على مستوى المملكة.
إن جهود مملكة البحرين، على الرغم من فاعليتها على المستوى المحلي، إلا أنها ليست بديلا عن نظام صحة عامة عالمي قادر على وقف مسببات الأمراض في مساراتها. لكن تجربتنا مفيدة، حيث تعكس أهمية الاستعداد والتدخل المبكر، وتوضح قيمة الشفافية والتعاون والالتزام الدائم بصنع السياسات القائمة على البراهين العلمية. ونحن على يقين تام بأن هذه المبادئ نفسها هي التي يجب أن توجه مناقشاتنا هنا اليوم.
أيها السيدات والسادة،
لقد أحاط فيروس كورونا العالم بالعديد من التحديات. ومع ذلك، يمكن التغلب عليها جميعا إذا كنا على استعداد للعمل معا. لقد شاهدنا العلماء من جميع أنحاء العالم، على مدى العامين الماضيين، يتخطون سنوات من الأبحاث نحو تطوير تطعيمات عالية الفعالية في وقت قياسي. وبينما تتوفر للجائحة لحظات انطلاق مماثلة، إلا أنه يتعين علينا ضمان قدرة وصول متساوية وجاهزة إلى هذه الابتكارات التي تغير مسارات التعامل مع الفيروس ، لا سيما في سياق التحورات الناشئة الجديدة، وفي الواقع، فإن تغطية التطعيم التي تزيد عن 40% على مستوى العالم تنخفض إلى أقل من 3% في بعض البلدان. ومع وجود حوالي مليار جرعة إضافة في دول أخرى، فمن المحتمل أن تكون هناك الملايين من الوفيات التي يمكن تجنبها. يمكننا حل هذا التحدي وغيره إذا قمنا بحشد الإرادة السياسية الجامعة للنظر بشكل شمولي إلى الخارج.
إن الأمل يراودنا بأن تتضافر جهود دول العالم وأن تستفيد من الدروس المستخلصة من هذه الجائحة، وذلك بهدف السعي وراء جبهة موحدة تخدم الواجب الأخلاقي المتمثل في حماية أجيال اليوم والأجيال القادمة من كوارث الأوبئة."
هذا وتعقد منظمة الصحة العالمية دورة استثنائية في الفترة من 29 نوفمبر الجاري لغاية 1 ديسمبر 2021 لمناقشة آليات تعزيز العمل المشترك ووضع التدابير العالمية اللازمة لمواجهة التحديات الوبائية وطرق الوقاية منها.