بقلم - نواف محمد المعاودة:يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من شهر ديسمبر من كل عام، وذلك إحياءً لذكرى اليوم الذي اعتمدَت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948م، وبهذه المناسبة أود أن أحدثكم اليوم عن مظهر من مظاهر الريادة والتميز المؤسسي الذي انتهجته مملكة البحرين في سعيها نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان في المجالات كافة، وهو السعي الذي شهد نقلة نوعية كبيرة، منذ تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى، بشكل أصبحت معه البحرين متقدمة في هذا المجال على الأصعدة كافة عربياً وإقليمياً ودولياً، من خلال جملة الخطوات الإجرائية والمؤسساتية التي ترجمت هذا التوجه في صور متعددة، أتناول منها مؤسستيّ الأمانة العامة للتظلمات ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين.فبالنسبة للأمانة العامة للتظلمات فإن إنشائها يُعد حدثاً مهماً ومتميزاً باعتبارها الأولى من نوعها في المنطقة، وشكلت إضافة نوعية في مسيرة تعزيز احترام مبادئ حقوق الإنسان، تلك المسيرة التي تُرجمت على أرض الواقع من خلال خطوات منهجية ومدروسة تستجيب للتفاعلات السياسية والاجتماعية والثقافية داخل المجتمع، وفي الوقت ذاته تواكب أفضل التوجهات المتبعة دولياً في المجالات والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.وتعد الأمانة العامة للتظلمات من الأجهزة المستقلة الرائدة التي تخدم قضايا حقوق الإنسان فهي تضطلع ليس فقط بالقيام باختصاصاتها الرئيسة والأصيلة والمتمثلة في التحقيق في الشكاوى الواردة إليها بشأن تعامل منتسبي وزارة الداخلية مع أفراد الجمهور وكذلك في مراقبة مراكز الإصلاح والتأهيل وأماكن الحبس الاحتياطي والاحتجاز، بل تساهم أيضاً من خلال التعاون والتنسيق مع العديد من الجهات الأخرى في وضع توصيات تعزز من احترام حقوق الإنسان، وذلك مثل العديد من التوصيات التي أصدرتها في تقاريرها الدورية والتفتيشية، والتي قامت وزارة الداخلية بالتعامل معها بجدية وأعلنت عن الأخذ بها ضمن برامج التطوير المستمرة التي تقوم بها في قطاعات الأمن العام، ومراكز الإصلاح والتأهيل، وتدريب الكوادر البشرية، وتطوير آليات التعامل مع النزلاء والمحبوسين والاستجابة لطلبات المساعدة التي ترد من جانب بعضهم، وغيرها من المجالات.لقد عملت الأمانة العامة للتظلمات على "كسب ثقة الجمهور" من خلال آليات متنوعة كان على رأسها إعداد الكادر البشري العامل فيها مهنياً وإدارياً ومعرفياً وتزويده بالخبرات والمهارات اللازمة للتعامل مع الجمهور وخدمته باعتبارها رسالة إنسانية في المقام الأول قبل أن تكون وظيفة أو مهنة، كما انتهجت الأمانة العامة للتظلمات مبدأ الشفافية، وجعلته أحد الأركان الخمسة لشعارها وهي (الاستقلالية، المصداقية، الحيادية، ضمان المساءلة، الشفافية)، وحرصت على تعزيز هذه الشفافية في مراحل عملها كافة، كما حرصت على التواصل الإيجابي مع وسائل الإعلام وتزويدها بالمعلومات التي تطلبها أو بتلك المتعلقة ببعض الادعاءات المثارة إعلامياً وتدخل في نطاق اختصاصها، وكذلك ركزت الأمانة العامة على الاطلاع على التجارب والخبرات الدولية في مجال عمل مكاتب أمناء التظلمات، بالإضافة إلى ذلك عززت الأمانة العامة من طرق ووسائل التواصل مع الجمهور مستفيدة من بنية الاتصالات والمعلومات المتميزة الموجودة في المملكة، بجانب الاهتمام بفعاليات وأنشطة التواصل المجتمعي، وقد كان للدور الذي تقوم به الأمانة العامة للتظلمات في تعزيز جسور الثقة والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع ومنتسبي وزارة الداخلية، بالإضافة إلى اهتمامها بالتواصل مع الهيئات الدولية والدبلوماسية المهتمة بعملها، أثراً كبيراً في المكانة التي تحظى بها محلياً ودولياً.وفي نفس سياق تعزيز العمل المؤسسي في مجالات حقوق الإنسان، وبعد التطوير القانوني الذي أفرز وجود أربع مؤسسات لها صلاحية زيارة مراكز الإصلاح والتأهيل وهي القضاء والنيابة العامة والأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، قامت مملكة البحرين بخطوة غير مسبوقة من خلال إنشاء مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين وهي المؤسسة الخامسة التي أصبح لها هذه الصلاحية وهي تضم ممثلين عن الجهات كافة التي لها صلاحية زيارة مراكز الإصلاح والتأهيل بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني، والمفوضية التي تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم العربي والمنطقة، تمارس مهامها بحرية وحيادية وشفافية واستقلالية، ضمن رؤية متطورة للتعامل مع النزلاء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين، لضمان حصولهم على حقوقهم الإنسانية، ولدعم مفهوم الإصلاح والتأهيل وإعادة الدمج المجتمعي لهم، بما يحقق مصلحتهم ومصلحة المجتمع في الوقت ذاته.ولمفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، اختصاصات محددة، وهي تمثل صلاحياتها في التعامل مع كل ما يتعلق بنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل ومراكز التوقيف، وغيرها من أماكن الإيداع والحبس الاحتياطي، وتنبع هذه الاختصاصات والصلاحيات من فلسفة عامة تقوم على مبدأي الرقابة والتطوير، فعلى الرغم من أنها لا تتلقى الشكاوى الفردية من النزلاء والمحتجزين إلا أنها تمارس دوراً رقابياً من ناحية، ودوراً في تطوير والبيئة التي يعيش فيها النزلاء والمحبوسون والمحتجزون وتقدم المقترحات العملية الهادفة إلى دعم برامج إعادة التأهيل والدمج المجتمعي من ناحية أخرى، معتبرة أن مراكز الإصلاح والتأهيل والحبس الاحتياطي والاحتجاز ليست مؤسسات عقابية، إنما هي مؤسسات قانونية ووقائية تطبق أحكام القضاء، مع احترام حقوق النزيل أو الموقوف، الدستورية والقانونية بصفته إنساناً.وانطلاقاً من مبدأ الشفافية نشرت المفوضية تقارير مهنية مفصلة عن الزيارات التفتيشية التي قامت بها، وقد احتوت هذه التقارير على تعريف بمنهجية وآلية الزيارات، ومعلومات وإحصائيات عن المقار التي تمت زيارتها وأهم الملاحظات حولها مع اقتراح توصيات محددة لتطوير منظومة العمل داخل تلك المقار والاهتمام بتحسين الخدمات المقدمة للنزلاء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين.كما لا يفوتني بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان تسليط الضوء على بعض التطورات الإيجابية العديدة التي حدثت هذا العام فيما يخص فئات النزلاء، على صعد عدة، لعل أهمها التوسع في تطبيق أحكام قانون العقوبات والتدابير البديلة، وغيره من برامج إعادة التأهيل والدمج المجتمعي والتي استفاد منها أكثر من 3500 نزيل ولا يزال يستفيد منها نزلاء آخرون، وفي هذا السياق لابد من الإشادة برؤية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر، في لقاء سموه مع الصحافة المحلية في فبراير الماضي، بشأن "تبني برنامج لمراكز الإصلاح والسجون المفتوحة لحماية النسيج الاجتماعي وفق ضوابط"، وما تبع ذلك من تصريحات لمعالي وزير الداخلية أكد فيها "أن الأخذ بنظام السجون المفتوحة، سيساعد على التوسع بصورة أكبر في تطبيق قانون العقوبات والتدابير البديلة، والذي تعد مملكة البحرين من أوائل الدول العربية في الأخذ به ويستهدف تطوير منظومة العدالة الجنائية، "، كما شهد هذا العام أيضا صدور وتفعيل قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة والذي يعد "خطوة رائدة في منظومة العدالة وحماية حقوق الطفل في مملكة البحرين، وتتويجاً لريادتها وتميزها في احترام الحقوق والحريات العامة".إن الحديث عن منجزات وجهود الأجهزة الوطنية في مجال تعزيز حقوق الإنسان بالبحرين حديث يطول فما تحقق في هذا المجال ليس بالشيء القليل، لكن في الوقت نفسه فإن الطموحات كبيرة والآمال متواصلة، فقضايا حقوق الإنسان بطبيعتها متجددة، طالما تجددت أوجه النشاط الإنساني في العالم وطالما ظهرت التحديات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والبيئية التي تحتم علينا مواكبة التطورات والتغييرات المتلاحقة التي تفرضها هذه التحديات، ورسالتنا في هذه المجال تخدم المجتمع ككل وتعمل على نشر العدالة والإنصاف وهو ما نريده جميعا في عالمنا المعاصر، الذي يموج بالكثير من التحديات التي تواجه قضايا حقوق الإنسان.* الأمين العام للتظلمات ورئيس مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90