تواصل هيئة البحرين للثقافة والآثار استكشاف التاريخ العريق لجزيرة المحرق، ولكن هذه المرة في البحر وبالتحديد في جزيرة الساية التاريخية الواقعة قبالة ساحل البسيتين.

هذه الجزيرة التي كادت أن تندثر بفعل المد العمراني ووصول أعمال الردم إليها، عملت هيئة الثقافة بداية على حمايتها عبر تسجيلها على قائمة التراث الوطني بناء على القرار رقم 1 لسنة 2021، بالتعاون والتنسيق مع وزارة الاشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني وبنك الاسكان.

وكانت أعمال التنقيب والمسح الأثري انطلقت في الجزيرة نهاية شهر يناير الماضي، بتوجيهات من معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة الهيئة، ضمن مشروع "ماريا" للتنقيب بالتعاون مع فريق بريطاني من جامعة إكستر وجامعة ساوث هامبتون برئاسة البروفيسور روبرت كارتر.

وأفاد الدكتور سلمان المحاري مدير إدارة المتاحف والآثار بهيئة الثقافة بأن النتائج الأولية للتنقيبات الأثرية تُشير الى أن الجزيرة من صنع الانسان، رُدمت في وسط البحر حول نبع ماء عذب، على عكس الاعتقاد السائد بأن الجزيرة تكونت بسبب عوامل طبيعية، وهو ما يشير إلى إنجاز هندسي غير عادي، لكونها من الأمثلة المبكرة على ممارسات ردم البحر. كما بيّنت أعمال التنقيب أنه كان لجزيرة الساية أهمية في تاريخ صيد اللؤلؤ في البحرين في العصور القديمة.

هذا واشتهرت البحرين بينابيعها المغمورة بالمياه، والتي كانت توفر مياه الشرب لأهل القرى وسكان المدن وصيادي السمك وصيادي اللؤلؤ. كانت تعرف باسم " كوكب/ چوچب" وجمعها " كواكب". وأحد أمثلتها هو عين الساية التي كانت لها أهمية ومكانة في ذاكرة أهل المحرّق والبسيتين.

فيما أشار البروفيسور روبرت كارتر رئيس الفريق إلى أن النتائج الأولية للتنقيب تظهر أن الجزيرة كانت محطة للتزود بالمياه يعود تاريخهما إلى العصر الإسلامي المبكر، وربما قبل ذلك. كما كان لها دور مهم في مهنة صيد اللؤلؤ في البحرين منذ أكثر من 1200 عام. ويصف البروفيسور كارتر طريقة إنشاء الجزيرة بأن المرحلة الأولى تمت ببناء صهريج (خزان مياه) حول النبع المغمور بالمياه، لاحتواء المياه العذبة الخارجة من قاع البحر الصخري، وتم بناء جدار دائري سميك حول ذلك لإنشاء جزيرة صغيرة، يبلغ عرضها أقل من 20 مترًا. ثم لاحقًا، تم إحاطتها بجدار منحني آخر لتكوين جزيرة أكبر، يبلغ عرضها حوالي 40 مترًا. وأخيرًا، تم بناء جدران مستقيمة ضخمة على الجانب الجنوبي والشرقي من الجزيرة، والتي تتقاطع مع بعضها البعض لإنشاء مقصورات مستطيلة، مليئة بكتل مرجانية كبيرة، لإنشاء منصة أو جزيرة بلغ طولها أكثر من 60 مترًا من طرف إلى آخر.

وأدت أعمال التنقيب إلى اكتشاف مبنى صغير بجوار غرفة النبع يحتوي على آلية لرفع المياه، بحيث يمكن سحب المياه العذبة باستمرار وتوزيعها على القوارب الراسية على طول الرصيف. وتغطي أكوام قديمة من محار اللؤلؤ مختلطة مع فخار من القرن السابع إلى الثامن الميلادي (القرنان الثاني والثالث الهجري) معظم أجزاء الجزيرة، ولهذا السبب يٌعتقد أن الجزيرة كانت تستخدم كمنشأة لها علاقة بصيد اللؤلؤ قديما في البحرين.

كما قام الفريق المشترك خلال هذا الموسم باستكشاف عدد من ينابيع المياه العذبة في البحر مثل الموجودة في بو ماهر وخور فشت باستخدام أدوات المسح تحت الماء ومعدات الغوص، وزار الفريق مصائد اللؤلؤ الشهيرة شمال البحرين. وقال المحاري: ""هذا هو أول استكشاف منهجي للآثار البحرية والمغمورة بالمياه في البحرين، ونأمل أن يؤدي المشروع إلى اكتشافات مهمة في المستقبل بالنسبة للآثار الغارقة في البحرين".