تمضي مملكة البحرين وبخطوات ثابتة نحو تحقيق أهداف المسيرة التنموية الشاملة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدّى حفظه الله ورعاه، والمتابعة المستمرة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وبما يسهم في تحقيق تطلعات المواطنين واحتياجاتهم، ويعود على الوطن بالخير والنماء والازدهار.

ورغم جسامة التحدّيات والتي يأتي في مقدمتها الانتشار العالمي لجائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، إلا أن مملكة البحرين تمكّنت من خلال التعاون المثمر والبنّاء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من تطوير واستحداث جملة من منظومة القوانين والتشريعات لتواكب متطلّبات التنمية المُستدامة في إطار خطّة التعافي الاقتصادي والتي بُنيت على خمس أولويات رئيسية هي خلق فرص عمل واعدة وجعل المواطن الخيار الأول في سوق العمل، وتسهيل الإجراءات التجارية وزيادة فعاليتها لاستقطاب الاستثمارات، وتنفيذ المشاريع التنموية الكبرى، وتنمية القطاعات الواعدة بما يهدف إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وتعزيز مساعي الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي من خلال تحقيق التوازن المالي بحلول عام 2024.

وتنفيذًا للتوجيه الملكي السامي بتطوير التشريعات وفق متطلبات التنمية، والتكليف الصادر عن صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله بتشكيل لجنة لمتابعة ذلك، قامت الحكومة بمباشرة دراسة عدد من الأدوات التشريعية نتج عنها تعديل 16 تشريع ذو أولوية ضمن ثلاث من دفعات لتطوير عدد من القطاعات، تهدف لتعزيز صيانة الحقوق وسيادة القانون ومواكبة متطلبات التنمية إلى جانب تحديث وتطوير عدد من الإجراءات.

فعلى صعيد القطاع التجاري، تم تعديل قانون الشركات التجارية بهدف تطبيق أفضل الممارسات في تنفيذ قواعد الإفصاح والشفافية، وتعزيز مبادئ الحوكمة والرقابة، وحماية حقوق أقليّة المساهمين، إضافة لخلق بيئة تنافسية شفافة في إطار الشركات المساهمة، ومن أبرز بنود هذا القانون وضع نظام تحديد مكافآت رئيس وأعضاء مجلس الإدارة بالشركات والإفصاح عنها، وتنظيم الإفصاحات عن الميزانية وحساب الأرباح والخسائر والتقارير السنوية.

وبهدف إضفاء مرونة أكثر فإنّ التعديل الجديد لقانون الشركات التجارية، وفّر خياراً أمام الشركات بأن يكون عقد التأسيس إمّا باللغة العربية أو باللغة الإنجليزية، في مؤشر آخر على مدى تكيّف القوانين والأنظمة مع المتطلّبات والتطورات التي يشهدها قطاع الشركات التجارية.

كذلك تم تعديل قانون غرفة البحرين لتسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، ومن أبرز مزاياه أنّه يوسع من نطاق اختصاص الغرفة ليمتد إلى النزاعات بين الشركات التي تزيد قيمة المطالبة فيها على خمسمائة ألف دينار، ويعطي صلاحيات تزيد من فعالية دور القاضي المنتدب لغرفة البحرين لتسوية النزاع في المرحلة ما بين رفع الدعوى وتشكيل هيئة تسوية النزاع.

وفي إطار الجهود الكبيرة التي تبذلها مملكة البحرين لتطوير قطاعي التعليم والتدريب والارتقاء بمخرجاتهما، ونظراً لما يشكّله التعليم من أولوية فقد شهد عام 2021 تعديل قانون إنشاء وتنظيم جامعة البحرين، وقانون الطفل، حيث جاء تعديلها في إطار الخطط الاستراتيجية التي يشرف على تنفيذها المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب.

وفي هذا الشأن يهدف التعديل على بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1986 بإنشاء وتنظيم جامعة البحرين إلى منح المرونة في تشكيل مجلس أمناء جامعة البحرين تماشياً مع أفضل ممارسات الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي التي وافق عليها المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب في فبراير 2020 ضمن إطار الخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم ما بعد المدرسي ومبادرات تطوير التعليم والتدريب المدرجة على الإطار الموحد للأولويات الحكومية في نسخته الثالثة المحدثة.

إضافة لذلك فقد جاء التعديل على قانون الطفل بهدف تنفيذ أهداف مشروع إعادة هيكلة وزارة التربية والتعليم وتطوير قطاع التعليم المبكر إلى نقل مهام التنظيم والإشراف على قطاع الحضانات ليكون تحت مظلة تنظيمية ورقابية واحدة وهي وزارة التربية والتعليم، والتشجيع على الاستثمار في القطاع ورفع جودته، وزيادة عدد الأطفال الملتحقين بالتعليم المبكر ومعالجة أوضاع الحضانات وفق ما يقتضيه القانون من خلال إدراج هذه المؤسسات ضمن خطط التقييم والمراجعة.

وبهدف رفع مستوى المهن الهندسية والتغلّب على المعوقات والتحديات التي تواجهها، تم تعديل قانون مزاولة المهن الهندسية لتعزيز كفاءة المكاتب الهندسية ونموها، وتطوير المهن الهندسية والنهوض بها، وتشجيع المكاتب الهندسية والارتقاء بعمل مهنة الهندسة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتحقيق التكامل والأهداف المنشودة في مختلف القطاعات التنموية، وضمان استدامة القطاع الهندسي.

ولتحقيق أعلى مؤشرات الأداء في سوق العمل، تم تعديل قانون تنظيم سوق العمل بهدف خلق فرص العمل النوعية للمواطنين وجعلهم الخيار الأفضل للتوظيف، إضافة لتعزيز اسهامات القطاع الخاص وجعله المحرك الأساسي للنمو، وتعزيز الرقابة والتنظيم وتطوير الإجراءات وتسهيلها، ومواصلة الجهود في تعزيز الاستدامة والتنافسية في سوق العمل، وذلك تماشياً مع الخطة الوطنية لسوق العمل والتي تشمل الاستراتيجيات والسياسات العامة لسوق العمل وتشغيل العمالة الوطنية وتنظيم استقدام العمالة الأجنبية، وتراعي متطلبات المرحلة والتحديات الاقتصادية والتنموية.

وترسيخاً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من خلال حظر التمييز في الأجور للعمل ذي القيمة المتساوية، تم تعديل قانون العمل في القطاع الأهلي، لتحقيق مبدأ المساواة وحفظ حقوق جميع العمال والعاملات دون تمييز، وتعزيز دور المرأة البحرينية في القطاعات الإنتاجية وتحفيزها على العمل، وتأكيداً على أنّ الفرص الوظيفية ومستويات الإنتاج لا ترتبط بجنس العامل، وبما يعزّز التنافسية بين القوى العاملة بلا قيد أو شرط.

وجاء تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية، لتعزيز ريادة المملكة في مجال إدارة المناقصات والمشتريات الحكومية وفق أفضل الممارسات الدولية، وتضمين أرقى الممارسات والمعايير والأنظمة المتبعة في مجال تنظيم عمليات المناقصات والمشتريات الحكومي، والارتقاء بإجراءات المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية وتبسيطها وتوضيحها، ورفع الثقة بالسوق المحلي كأكثر البيئات الاستثمارية المتسمة بالعدالة والشفافية والأكثر استقطاباً للموردين والمقاولين، ولتوفير مناخ تنظيمي وتشريعي مرن ومشجع للشركات المحلية والدولية.

ولتطوير بيئة عمل مدققي الحسابات، جاء قانون مدققي الحسابات الخارجيين بهدف النهوض بالمهن المحاسبية وتشجيع البحرينيين المؤهلين للالتحاق بهذه المهنة، وتوفير نظام شفاف للترخيص لمكاتب تدقيق الحسابات، ومواكبة أحدث التشريعات التي تطرأ على المهنة، وتشجيع الموظفين المؤهلين للالتحاق بهذه المهنة، ومن أبرز مواد هذا القانون استحداث سجل مدققي الحسابات الخارجيين وشروط القيد، وتحديد صلاحيات الإدارة المختصة، وحقوق والتزامات ومهام مدققي الحسابات، وكذلك تحديد المسؤولية التأديبية لمدققي الحسابات.

وفي إطار تطوير المنظومة القضائية والعدلية، أثمرت الجهود المشتركة عن تعديل قانون العقوبات والتدابير البديلة والذي يعتبر نقلة نوعية في تطوير منظومة العدالة الجنائية وبما يصبّ في حماية النسيج الاجتماعي وتعزيز نهج الإصلاح، وترسيخ العدالة وحقوق الإنسان عبر إدماج المحكومين في المجتمع مع تأهيلهم نفسياً ومعنوياً، تماشياً مع الفكر الجنائي والعقابي الحديث للمواثيق والعهود الدولية في هذا المجال.

كما جاء قانون التنفيذ المتعلّق بنظام التنفيذ المدني والتجاري الجديد، والذي تم بموجبه إلغاء حبس المدين أو القبض عليه واقتصار التنفيذ على أمواله، ووضع حد أدنى للمبالغ التي لا يجوز التنفيذ عليها، وكذلك وضع نظام للإفصاح المالي، وعدم الحجز على الدعم الحكومي والإعانات الاجتماعية، ووضع عقوبات جنائية لتهريب الأموال وإخفائها والإخلال بواجب الإفصاح، وتحديد مسارات خاصة للتنفيذ على الشركات، وإسناد بعض أعمال التنفيذ إلى القطاع الخاص تحت إشراف قضائي، وتحديد مسارات خاصة للتنفيذ على المؤسسات المالية.

ومن أبرز مزايا هذا القانون، تعزيز فعالية إجراءات التنفيذ والاستفادة من إمكانيات القطاع الخاص في تعزيز سرعة التنفيذ، واختصار الإجراءات وتطبيقها المباشر، وضمان سرعة استيفاء الدائن لحقوقه، عبر إجراءات تُراعي الطبيعة القانونية للمنفذ ضده، وحماية المنفذ ضده من زيادة مديونياته، إضافة لحماية الدائنين المحتملين مستقبلاً.

من جهة أخرى يأتي تعديل قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية لمواكبة التطور في مجالات الخبرة والاستشارات الفنية المتخصصة، وأفضل الممارسات الدولية في استخدام الخبرة أمام القضاء، وبما يسهم في تقليل فترة التقاضي أمام المحاكم ورفع كفاءة وجودة التقارير الفنية، ويفسح المجال لاستفادة الخصوم من الخبرات النوعية في حسم النزاعات واختيار أفضل الآراء الفنية المتخصصة المتاحة، ولتمكين الخصوم من اللجوء إلى الخبرة لإثبات الدعوى، وتقديم تقاريرهم عند رفع الدعوى أو أثناء سيرها تبعاً للنظام الإجرائي.

كما جاء تعديل قانون السلطة القضائية لإتاحة استعمال اللغة الإنجليزية في المحاكم حال اتفاق الأطراف كتابة على ذلك قبل رفع الدعوى في إطار شروط قانونية يتم تحديدها خاصة إذا كانت لغة العقد غير اللغة العربية، وبما يقلل من التكلفة على الخصوم في ترجمة الأوراق ويتيح لهم استخدام اللغة الأقرب لموضوع نزاعهم ليقدموا من خلالها مذكراتهم ودفوعهم.

أما على صعيد ممارسة الأعمال التجارية فقد قامت مملكة البحرين بإعادة تنظيم الأنشطة التجارية، والتي كان القصد من ورائها تعزيز حضور المستثمر البحريني على الصعيدين التجاري والاستثماري، وزيادة تمكينه من خلال فتح مجال أوسع لعقد الشراكات التجارية، بحيث يمكّنه ذلك من مزاولة أي نشاط تجاري بحسب رغبته وبالنسبة التي يقررها، كما أن إعادة التنظيم تلك تضع نطاق أوسع لحماية الاقتصاد الوطني وتوفر نظام حمائي عادل بين كافة المستثمرين، بالإضافة إلى توحيد مرجعية كافة الأنشطة التجارية من حيث تنظيم نسب تملك المستثمر الأجنبي ومدى قدرته على مزاولتها في مملكة البحرين.

وفي خضّم ذلك كلّه، تؤكّد مملكة البحرين عبر وضع تلك التشريعات والقوانين أو تعديلها، من خلال التعاون الهادف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على حداثة وتطور مُخرجات مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، في محطّة هامة وعلامة وضّاءة على درب تقدّم مملكة البحرين وازدهارها على كافة الصُعد وفي مختلف المجالات.