بقلم: الدكتور مصطفى السيد
الأمين العام للمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية
فقدت مملكة البحرين خلال الأسبوع الماضي إحدى الأمهات المثاليات المكافحات التي امتلأت حياتهن بمعاني العطاء والتضحية وحب الخير، إنها السيدة نادية... أم صقر، إحدى السيدات المكفولات في المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، التي انتقلت إلى رحمة الله تعالى بعد حياة مليئة بالدروس و العبر .
لقد رسمت أم صقر أجمل الصور طيلة مسيرتها المليئة بالعطاء والكفاح لتربية أبنائها وخدمة وطنها، فبالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها، إلا أنها استطاعت أن تتخطى الصعاب لتضيء الأمل في طريقها، متوكلة على الله عز وجل في تدبير شؤونها. فقد بدأت حياتها ممرضة في مستشفى السلمانية وحصلت على الدبلوم العالي ثم الامتياز في التمريض وصحة المجتمع واستطاعت الحصول على البكالوريس والعمل في الوقت ذاته كمعلمة في التمريض. ولم تكتفي بذلك فقد حصلت على قبول في إحدى الجامعات الأمريكية لدراسة الماجستير ولها في ذلك قصة جميلة تستحق أن تخلد وتسجل ليعرفها الجيل الجديد فقد كانت تعشق الثقافة و العلم و بعد أن اكملت تعليم أبنائها راسلت إحدى الجامعات في امريكا وأبدت عن رغبتها في دراسة الماجستير وشرحت ظروفها فهي ارملة و ام للأيتام و فقيرة لا تملك تكاليف الرسوم الجامعية و بالمقابل فهي مستعدة أن تعمل كمنظفة للجامعة كل مساء بعد الدراسة وفما كان من الجامعة التي أعجبت بشخصيتها وحرصها على العلم وتفهمت وضعها فمنحتها منحة مجانية دون أي مقابل منها، و كان ذلك تحد بالنسبة لها فأرادات أن تثبت للجامعة جديتها وحرصها على العلم فكافحت وتحدت الظروف الصعبة التي مرت بها من أجل استمرار البعثة الدراسية، واستمرار تحقيق حلمها بالحصول على الماجستير. ومن الأمور الرائعة التي قامت بها في أمريكا أنها تطوعت لمعالجة المرضى في منازلهم ومتابعة حالتهم الصحية وهي بذلك ضربت مثلاً رائعًا في التحصيل العلمي و تحقيق مرادها. وبحمد الله نجحت بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف وتخرجت بالرغم من كل الصعوبات وحصلت على شهادة الماجستير وعادت إلى وطنها مرفوعة الرأس.
شاء القدر أن تتحمل ام صقر نوعًا آخر من الصدمات الحياتية، فقد سبق أن توفي زوجها وتركها وحيدة مع طفليها صقر وهيا . كافحت بعد ذلك سعيًا لتربية فلذات أكبادها و تعويضهم فقد والدهم معيل الأسرة، فكانت تزاول مهنة التدريس بكلية العلوم الصحية في الصباح وفي بعض الأيام تضطر للعمل ظهرًا وعصرًا، فكانت تأخذ أبنائها معها إلى العمل لعدم وجود من يرعاهم وقت غيابها. عانت الكثير حينها حيث كانت تمثل لأبنائها الأم والأب في ذات الوقت، ثم تعمل وتكافح من أجل أن توفر لهم لقمة العيش، كما أنها في نفس الوقت مربية للأجيال وكل من درس على يدها يتذكر شخصيتها المرحة وابتسامتها وقوة شخصيتها بالرغم من كل الظروف التي مرت بها.
أما علاقتها بصقر وهيا كما أخبروني عندما ذهبت لاداء واجب العزاء فهي علاقة المحبة والاحترام فحرصت رحمها الله على غرس معاني محبة عمل الخير وخدمة الآخرين في قلوبهم من خلال الممارسة الفعلية، فكانت تأخذهم معها أثناء قيامها الأعمال التطوعية ، كما أشركتهم في دورات مهارية ليتعلموا حب الخير، كما أشركتهم في برامج وأنشطة المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية ليتعلموا ما يعينهم على ظروف الحياة. كما واصلت مشاركتها في خدمة المجتمع من خلال تطوعها في العديد من الجمعيات واللجان كجمعية التمريض البحرينية، وجمعية التمريض الأمريكية، وتنسيقها في تنفيذ برامج جليس المسن وذوي الاحتياجات الخاصة.
لم تكن أم صقر امرأة عادية فقد سخرت كل حياتها لعمل الخير وطلب العلم وتربية أبنائها وخدمة الوطن، وقد ترجمت حبها واحترامها لجميع العاملين و حبها الشديد للوطن و و تقديرا اجهزدها المميزة رشحتها المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية لتمثل أمهات البحرين وتكرم كأم مثالية في حفل رسمي كبير حضرته شخصيًا معها في المهرجان الخامس للأم المثالية في جامعة القاهرة في العام 2018، كما قدمت تجربتها الجميلة في الكفاح في منتدى المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية الأول في العام 2015، وشاءت الصدف أن تكون إحدى بطلات برنامج "كفو" الذي عرضه تلفزيون البحرين في رمضان الفائت. و كرمتها أيضا الجامعة العربية كام مثالية على مستوى العالم العربي .
و مهما تحدثت عن شخصيتها فلن أستطيع أن أوفيها حقها في الطيبة و الإحسان ، فقد ضربت أروع الأمثلة في العطاء والتضحية والإيجابية وقوة الشخصية وحب الخير والكفاح في طلب العلم وتربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة وتربية الأجيال، فتركت أجمل البصمات في نفوس كل من أحبها، فبالرغم من كل الظروف القاسية التي مرت بها إلا أن ابتسامتها لا تفارقها ودائمًا ما تراها في الصفوف الأولى في عمل الخير. نسأل الله تعالى أن يغفر لها ويرحمها بواسع رحمتها وأن يصبر أهلها وكل محبيها.