تعيش مملكة البحرين هذه الأيام أجواء روحانية وإيمانية خاصة مع دخول شهر رمضان المبارك، لما يحمله هذا الشهر الكريم من فضائل دينية عديدة وملامح اجتماعية تجذرت عبر السنين، ولا يزال أبناء البحرين محافظين عليها، ويغرسونها في نفوس الأجيال القادمة، باعتبارها جزءً لا يتجزأ من الموروث الوطني.

ولعل ما جعل المواطنين والمقيمين يشعرون بالسعادة ويملأهم السرور، مستبشرين بعودة الحياة الطبيعية التي تعيد للمشهد الرمضاني قيمه ومظاهره ، كمناسبة للتقرب من الله عز وجل بالطاعات والأعمال الصالحة، وزيادة أواصر العلاقات الأسرية والمجتمعية والتكافل بمختلف أبعاده ومنها عودة الجوامع والمساجد إلى استقبال المصلين بكامل طاقتها الاستيعابية ،إلى جانب مصليات النساء.

ويرتبط شهر رمضان في وجدان البحرينيين بالتسابق لأداء الفروض والعبادات وفي مقدمتها الصيام والصلاة والقيام وتقديم الصدقات والزيارات العائلية، بالإضافة إلى حرصهم على ممارسة العادات والتقاليد الرمضانية التقليدية، مثل حضور المجالس، وصناعة المأكولات الشعبية، وتنظيم الاحتفالات التي تعكس الأجواء الروحانية، والتي تعم مختلف أرجاء البلاد ويشارك فيها الكبار والصغار.

والبداية عادة تكون بعد الإعلان عن ثبوت رؤية هلال رمضان، إذ يحرص البحرينيون والمقيمون على تبادل عبارات التهاني والتبريكات بقدوم الشهر الكريم عبر مختلف الوسائط، في مشهد يعكس روح المحبة والمودة التي تجمع بينهم، كما يتفنن العديد في نظم عبارات التهنئة بما يتناسب مع قدسية وقيمة شهر رمضان وفضله بين شهور العام ، إضافة إلى دخول بعض العادات المستحدثة في تبادل الهدايا او ما يطلق عليها هنا / النقصة / والتفنن في تقديمها قبيل شهر رمضان

.

وتحظى الشعائر الدينية باهتمام كبير من شعب البحرين خلال أيام الشهر الفضل، حيث تمتلئ المساجد والجوامع بالمصلين، وتقام حلقات قراءة وتدبر القرآن الكريم والأحاديث النبوية والشريفة، وتنظم المسابقات في حفظ آيات الذكر الحكيم، وتقدم الخطب والدروس والمحاضرات عن فضل الصيام وأخلاقيات شهر رمضان، كذلك تتوافد الجموع لأداء صلاة التراويح على مدى أيام الشهر، وتأدية صلاة القيام في العشر الأواخرـ، وهم تلهج ألسنتهم وقلوبهم بالدعاء والتضرع للعلي القدير بأن يتقبل منهم الصيام والقيام وسائر الأعمال الصالحة، وأن يحفظ مملكة البحرين ويديم عليها نعمة الأمن والاستقرار والسلام.

وحرص أبناء البحرين على الاستعداد مبكرا لهذا الشهر العظيم، وذلك من خلال توافدهم على الأسواق لشراء احتياجاتهم "ماجلة رمضان"، وأي شراء مستلزمات رمضان من مأكولات ومشروبات وملابس وزينة وغيرها، ولقد حرصت العديد من الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص على توفير اللحوم والخضروات والفواكه والمواد الغذائية الأساسية في الأسواق بما يضمن استقرار أسعارها، كما تقوم المتاجر والأسواق بتقديم العروض الترويجية والتخفيضات والهدايا لتشجيع الزبائن على الشراء.

أما بالنسبة للمائدة البحرينية في شهر رمضان، فإن لها رونقَا خاصًا ومتميزًا من خلال العديد من المأكولات والأطباق البحرينية الأصيلة، مثل "الهريس" و"الثريد" و"الجريش" و"اللقيمات" و"الكباب البحريني"، و"الخنفروش"، وغيرها من أطعمة تراثية وتقليدية يجرى اعدادها وتوزيعها بهذه المناسبة، كذلك يحرص أبناء البحرين على تبادل توزيع هذه الأطباق فيما بين البيوت والأسر في مشهد يجسد مدى الترابط المجتمعي بين أبناء الوطن.

ولأن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، فإن الجمعيات الخيرية والاجتماعية تبادر إلى تقديم العديد من برامج التبرعات والصدقات المخصصة لإفطار الصائمين وتوزيع المؤن الغذائية والمستلزمات الأساسية على المحتاجين بما يعينهم على تلبية احتياجات الشهر الفضيل، كما يتسابق البحرينيون إلى الوقوف في الطرقات والشوارع وقت آذان المغرب لتقديم التمور والمشروبات ووجبات الإفطار الخفيفة لرواد السيارات والمارة ممن لم يتمكنوا من العودة لمنازلهم لتناول طعام الإفطار، بما يجسد الأبعاد الحضارية والإنسانية لأبناء شعب البحرين الكريم.

ويرتبط شهر رمضان في الذاكرة المجتمعية البحرينية بالعديد من العادات والتقاليد التي لا تزال حاضرة وبقوة حتى الوقت الراهن، ولعل في صدارتها "المجالس الرمضانية"، والتي تشكل مناسبة لتلاقي الأصدقاء لتبادل الأحاديث في مختلف أمور الحياة وقضاء أوقات من المتعة والسمر تتناسب والطبيعة الروحانية للشهر الكريم، وكذلك إقامة "الغبقة الرمضانية" ، لتناول وجبات خفيفة من الطعام في تجمع يعزز من الأواصر والروابط الاجتماعية.

وهناك أيضا الاحتفال بمناسبة "القرقاعون" في منتصف شهر رمضان، وهي عادة بحرينية لها أهميتها لدى الكبار والأطفال، ويرتدي فيها الصغار الملابس البحرينية التقليدية المعروفة وتقدم في أحيان كثيرة وسط احتفالية كبيرة رقصة "الفريسة"، ويرددون في سعادة الأغاني والأناشيد التراثية المرتبطة بهذه المناسبة، وهناك "المسحر" أو "بوطبيلة" ، الذي يجول في الأحياء بطبله ليذكر الناس بموعد تناول وجبة السحور مرددا بعض من الأدعية والعبارات، كما يعد "مدفع رمضان"، أحد المظاهر التراثية التي تشترك فيها مملكة البحرين مع العديد من الدول العربية، حيث يتم اطلاق صوته إيذانا بدخول موعد الإفطار.

كذلك تقوم وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة والمسموعة والمرئية بتقديم وجبات دينية وثقافية وفكرية دسمة على مدى أيام شهر رمضان، تتناول آداب وأحكام الصيام والقيام والطاعات، كما تهتم بإعداد برامج عن فنون وطرق صناعة الأكلات البحرينية والعالمية، بالإضافة إلى بث مواد درامية وإعلامية وتلفزيونية واذاعية متنوعة تتناسب مع الأبعاد الروحانية والايمانية لشهر رمضان المبارك.

إن الأجواء الروحانية والايمانية المرتبطة بشهر رمضان المبارك في مملكة البحرين لا يمكن حصرها، فهي تعكس تراثا زاخرا وتاريخا ممتدا من ارتباط شعب البحرين بأجياله المتعاقبة بهذا الشهر العظيم . وندعو الله عز وجل أن يجعله شهر خير وبركة ورخاء على مملكة البحرين وشعبها الكريم وعلى الأمتين العربية والإسلامية.