أيمن شكل
سيرة الفنان أحمد الجميري حافلة بالمثل العليا في اعتماد الأسرة عليه عندما كان طالبا إعداديا يعمل في الجمارك صيفا ويأتي لأبويه بـ 300 روبية كل شهر، ثم اتخذ قرارا أغضب والده بأن يدرس الموسيقى بدلا من هندسة البترول، ثم شهرته في الخليج التي أخّرت دراسته 10 سنوات.
أغنية "جبار" مثلت جواز سفره لعالم الفن في الطفولة والأستاذ عتيق سعيد مكتشفه في برنامج ركن الأشبال، وفي مصر شاهده الزعيم جمال عبدالناصر وهو يحييه ضمن الجماهير في الشارع، والتقى عملاقي الفن أم كلثوم وعبدالوهاب، وله من الذكريات الجميلة ما لا تحصرها خلاصة لقاء "الوطن" معه.. فما هي قصة حب السبعينيات وما هي قصة "أحمد الجمبري" وعلاقة عائلته بالفن.. في المسيرة التالية:
- نريد التعرف على نشأتك في العائلة؟
كنت الطفل رقم واحد بين 6 صبيان وبنتين، وكان والدي يعمل في شركة نفط البحرين بابكو، ويخرج من البيت فجرا ليعود بعد المغرب، فيقوم بمساعدتنا في المواد الدراسية وخاصة اللغة الإنجليزية التي كان يتعامل بها مع موظفي الشركة الأجانب.
وأذكر يوم الجمعة كان والدي يعلمنا الأكل مثل الأجانب بالشوكة والسكين ونجلس على كراسي حول طاولة، ويقوم بعمل إفطار مميز من الأجبان والمربى، ولذلك كنا ننتظر يوم الجمعة لنستمتع بهذا النوع من الإفطار المتميز.
وأذكر أنه كان لدينا في البيت نخلة وبقرة وماعز، وكانت جدتي تحلب الماعز وتعطيني حليبها، بينما كنت أطلع فوق النخلة لأجلب التمر أو أجلس فوقها وآكل ما أريد.
- ما هي ذكرياتك مع الطفولة وكيف تم اكتشاف موهبة الغناء؟
عندما بلغت الحادية عشرة من عمري كان لدينا تلفزيون في البيت، كنت أسمع الأغاني في الأفلام وأشعر بنفسي وأنا أغنيها وأرددها وتمكنت من حفظ الأغاني التي تذاع في التلفزيون آنذاك، وكانوا يستعينون بصوتي في المدرسة لغناء بعض الأناشيد، وفي الثالثة عشرة من عمري اكتشفني أستاذ رسم جعلني أغني في حصة الرسم لإعجابه الشديد بصوتي، وفي أحد الأيام قال لي سأعرفك على الأستاذ عتيق سعيد الذي كان يقدم برنامج "ركن الأشبال" للأطفال في نادي البحر، ولا أنسى يوم الأربعاء عندما كانوا سيحتفلون بمرور سنة على البرنامج، وذهبت برفقة الأستاذ وغنيت أغنية مغرور للفنان عبدالحليم حافظ، فأعجب بصوتي ووعدني بأن أكون معهم في الحلقة القادمة بالإذاعة.
- موقف من طفولتك مازال محفوراً في ذاكرتك.
هناك موقف لا أنساه وتعلمت منه التروي والتفكير قبل اتخاذ أي قرار، وذلك حين كنت مع اثنين من أقاربي نسير في الشارع وأتوسطهما، بينما كان أحدهما يتكلم عني بسوء ما جعلني أصل لمرحلة متقدمة من الغضب والذي أعماني عن أي منهما الذي يسيء لي، وبلا شعور، قمت بضرب الشخص الثاني وندمت على ذلك.
- من هو صديق الطفولة الذي مازلت على تواصل معه؟
الصديق الذي استمرت صداقته منذ الطفولة هو الباحث وعازف الكمان محمد جمال، وتواصلت هذه العلاقة إلى أن انضممنا إلى فرقة "الأنوار" ثم ذهبنا لدراسة الموسيقى في مصر معا، وعاد ليتم توظيفه في الإذاعة بوزارة الإعلام وأنا في الثقافة أيضا بنفس الوزارة، ولا بد من أن نجتمع معا كل ليلة تقريبا.
- ماذا كنت تفعل في رمضان زمان؟
كنا في فريج العمامرة نمارس الألعاب التراثية القديمة مع الشلة، وكنا في رمضان نصنع طبلا من سطل الصبغ الكبير ونضع على فوهتها أوراق عبوات الأسمنت ونلصقها بالنشاء لتتحول إلى طبل نغني مع دقاته، وكنا ننتظر منتصف الشهر الكريم لإقامة القرقاعون فنقوم بجولة في الحي ونجمع الحلوى ثم نتقاسم ما جمعناه، وكذلك في نهاية شهر رمضان نتجول في الديرة لنغني أغاني وداع الشهر الكريم.
- عادة ما يكون للفنان آلة هي الأقرب لقلبه.. فما هي الآلة التي تحبها؟
منذ بداياتي رأيت كل المطربين يعزفون آلة العود، فتعلقت بها، وكانت الحفلات تقام في حوش البيت، ويأتي المطرب بالعود وكان أشهرهم في ذاك الوقت الفنان سلطان حمد الذي يسكن قريبا من بيتنا، وكان يمتلك عودا فكنت أذهب لبيته كي أتعلم العزف، وتوطدت العلاقة بيننا فكنت آخذ العود ليبيت معي ليلة أو ليلتين، وأحاول تقليد العزف الذي أشاهده في التلفزيون، وبالفعل تعملت العزف على العود بنفسي، وكذلك اقتنيت آلة بسيطة شبيهة بالأكورديون تسمى "ميلوديكا" وتلك أيضا علمتني كيفية العزف على آلات أخرى مثل الأورج والبيانو.
وفي مرحلة متقدمة بحثت عن قراءة النوتة الموسيقية، والتي لم أكن أعلم عنها شيئا، لكن في المرحلة الإعدادية وجدت فرصة عمل في الصيف بالميناء "فرضة المنامة"، وهناك التقيت بأحد الأشخاص الذي كان يدرس النوتة الموسيقية ويعزف آلة العود، فكنت أذهب إلى بيته وهناك عثرت على بعض الأغاني المكتوبة التي كنت أعرفها، فبدأت رحلة البحث عن فك طلاسم الإشارات بين سطور النوتة بنفسي، ولذلك تثقفت موسيقيا بالشغف، حتى درست الموسيقى.
- كيف عملت في الجمارك أثناء المرحلة الإعدادية؟
في تلك الفترة كانت أحوال الناس بسيطة، وعندما يكون هناك طفل يعرف القراءة والكتابة تصبح لديه فرص عمل كثيرة، ويمكن أن يساعد أهله، ولذلك حصلت على تلك الفرصة في الجمارك لفترة الإجازة الصيفية حيث كانوا يعطوننا 300 روبية، وهي مبلغ ليس بالهين في تلك الفترة، وكان أبواي يفرحان عندما آتيهم بالمال الذي جنيته من هذا العمل.
- اليوم الشباب ينتهز الإجازة الصيفية في اللعب، فكيف ترى الفرق بين الجيلين؟
كنا نتحمل المسؤولية منذ الصغر ولذلك كبرنا وأصبحنا رجالا يعتمد عليهم في وقت قصير، ولم أكن أكتفي حتى بهذا العمل بل إن والدي جلب بنّاء لتشييد البيت، فكنت أتابع عمله لكي أتعلم منه وأسأله عن الأجر اليومي في حال تعلمت المهنة، وأذكر أنه كان يعمل بسبع روبيات في اليوم، وهو مبلغ كبير في تلك الأزمان.
- كيف كان أثر قرارك بالتوجه لتعلم الموسيقى على العائلة؟
كان المتعارف عليه هو أن يرث الابن من أبيه العمل، ولذلك عرض علي والدي بعثة تابعة لشركة بابكو لتخريج مهندسي بترول، وقال لي إنه رشحني لهذه البعثة، وبالفعل دخلت للتهيئة وتعلم اللغة الإنجليزية، وفي ذاك الوقت كنت أغني في الحفلات، وألتقي مع فرق موسيقية قادمة من مصر والذين شجعوني على دراسة الموسيقى، فبادر صديقي محمد جمال بالتوجه إلى مصر بالفعل، وطلب مني الحضور للدراسة فاقتنعت بالفكرة، وأبلغت والدي برغبتي في دراسة الموسيقى، لكنه رفض وقال لي "ايش بتسويلك الموسيقى.. انت بتكون مهندس بترول" لكني أصررت على قراري، وقد كان والدي دائما مشغولا في عمله واضطر للموافقة بعد حين.
- حدثنا عن رحلتك لدراسة الموسيقى في مصر؟
عندما وصلت إلى مصر سكنت في شقة مع أحد الطلبة البحرينيين من آل خليفة لمدة سنتين، ثم انتقلت للسكن مع صديقي محمد جمال.
- موقف لا تنساه أثناء دراستك في مصر؟
لا أنسى هذا اليوم الذي كنت أسير في شارع بوسط المدينة ومر الزعيم جمال عبدالناصر بسيارة مكشوفة بينما نحن نقف على الرصيف قريبا من سيارته، وعندما نادينا عليه قام بالنظر إلينا وحيانا رافعا يده، وتلك كانت أسعد لحظة عشتها في مصر.
وفي أحد الأيام كنت موجودا في أستوديو 46 في ماسبيرو لتسجيل بعض الأغاني، وكان عازف الرق بفرقة أم كلثوم هو قائد الفرقة، فجاء إلي وسألني.. تريد أن تسلم على أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب؟.. فأجبته على الفور.. طبعا، فأخذني إلى أستوديو بطابق آخر كان فيه كل من عبدالوهاب وأم كلثوم يقومون بعمل بروفات على أغنية، وبعد أن انتهيا قمت بالسلام عليهما، وحتى اليوم أتصور تلك الواقعة على أنها حلم وليست حقيقة، حتى أنني من هيبة الموقف لم أتفوه بكلمة.
- كيف كانت دراستك في معهد الموسيقى؟
ذكريات جميلة مرت علي أثناء الدراسة، وأذكر منها كاتب الأغنية الراحل محمد حلاوة الذي كتب معظم أغاني الفنانة شادية، والذي كنت ألتقي معه يوميا في عشة داخل المعهد يجلس فيها ليحل الكلمات المتقاطعة، وفي عام 1976 طلب مني تلفزيون سلطنة عمان تأليف وتلحين أغنية بمناسبة العيد الوطني، فاستعنت بمحمد حلاوة واشترطت عليه ألا تكون باللهجة المصرية، فكتب "عمان يا فخر الزمان يا جنة الإنسان.. على أرضك كفاح شعبك" وبقيت تلك الأغنية تتردد في السلطنة حتى اليوم.
وكنت أرى في المعهد عمالقة الفن في ذاك الوقت ومنهم الفنان أحمد الحفناوي، الذي أتذكر حين كنت صغيرا أمنيتي سماع عزفه على آلة الكمان، لكنه أصبح صديقي في وقت لاحق وكان يزورني في شقتي بعد الانتهاء من التسجيل في الأستوديو، وللأسف لم أفكر في أن ألتقط صورة تذكارية معه.
- وماذا عن الشهرة وتأثيرها على الدراسة؟
مكثت في معهد الموسيقى لمدة 10 سنوات وكان السبب في ذلك هو الشهرة والحفلات وكثرة السفر، ففي عام 1973 كنت مطربا مشهورا في الخليج، وكثيرا ما كنت أسافر لإحياء حفلات في دول الخليج وهو ما أثر على دراستي فاعتذرت لثلاث سنوات عن الامتحانات بسبب انشغالي بالسفر والشهرة.
- من هم أبرز الفنانين الذين زاملتهم في المعهد والمواقف معهم؟
كان من ضمن دفعتي الفنانون محمد الحلو وعماد عبدالحليم وأحمد الحجار ومحمد ثروت، وبعض الفنانين الخليجيين مثل عبدالله بالخير والفنان الكويتي الراحل عبدالحميد السيد، وأذكر أحد قفشات عبدالله بالخير حين كنا في حفلة تضم وردة وعلي عبدالستار، فجاء وناداني قائلا: وين كنت.. قعدوا ينادون عليك.. أحمد الجمبري أحمد الجمبري.. أنت كنت في البحر؟.. فرددتها له بسرعة قائلا: وانت نادوا عليك.. عبدالله بالخبر عبدالله بالخبر.
وأذكر حين أتى الفنان فريد الأطرش لعمل بروفات أغنية الربيع وبرفقته الموزع أندريا رايدر، وكانت أول مرة أشاهده وهو يعزف على العود، حيث كان يتميز عن كل عازفي العود بفيض من الشجن والعاطفة تخرج من عوده.
- من العازف الذي تفضل سماع عزفه على العود حاليا؟
نصير شمة وأحمد فتحي عبادي الجوهر وهناك شاب مصري يدعى إسلام القصبجي يتمتع بحس فائق في العزف على العود ويعزف مع الفنان محمد عبده.
- حدثنا عن العائلة وزواجك.
هي قصة حب بدأت في مصر بداية السبعينيات، وأثناء دراستي في معهد الموسيقى قررت التعرف على اللغة الفرنسية فالتحقت بكورس في الجامعة الأمريكية، لكن مكثت شهرا واحدا فقط، وكانت تدرس في نفس الكورس وتعرفت عليها ثم افترقنا، وبعد فترة التقيت معها بالصدفة بالقرب من معهد الموسيقى برفقة صديقة لها والتي أيضا بالمصادفة كانت تسكن في فيلا بالقرب من شقتي، ولم يكن هناك في ذاك الوقت تلفونات بالمنازل.
فكنت أقف انتظر صديقتها حتى وجدتها وطلبت منها رؤية فاطمة، وبدأت العلاقة وتعرفت على عائلتها وأردت خطبتها لكنني كنت مازلت طالبا في المعهد، وإلى أن اشتهرت وتمكنت من شراء شقة، وبعد 5 سنوات وافقوا على الخطبة والزواج، وحضرت معي إلى البحرين ومكثنا في بيت أبي 6 أشهر، ثم حصلت على أول بيت لي في مدينة عيسى.
- هل في الأبناء من لديهم اللمحة الفنية؟
كلهم تقريبا ولكن بتفاوت، فبنتي الكبيرة رحاب تتمتع بخامة صوت جميلة وشهدت بذلك الفنانة ماجدة الرومي ووصفته بالنادر، إلا أنها فضلت طب الأسنان على الفن، أما خالد فقد درس في أمريكا البيانو ويحب الموسيقى الكلاسيك، وبنتي مي لا علاقة لها بالموسيقى لكن لديها ذائقة السمع، وأخيرا حمد يعزف على بعض الآلات الموسيقية ويؤلف ألحانا على الكمبيوتر لكن تظل هذه الأنشطة فردية.
- لو عاد الزمن إلى يوم اتخاذ قرار اختيار الموسيقى بدلا من هندسة البترول، فماذا سيكون قرارك اليوم؟
سأبقى على نفس القرار لأني أرى في الموسيقى قيمتي العليا، التي أخلقها وأتميز بها عن أي مهنة أخرى.
سيرة الفنان أحمد الجميري حافلة بالمثل العليا في اعتماد الأسرة عليه عندما كان طالبا إعداديا يعمل في الجمارك صيفا ويأتي لأبويه بـ 300 روبية كل شهر، ثم اتخذ قرارا أغضب والده بأن يدرس الموسيقى بدلا من هندسة البترول، ثم شهرته في الخليج التي أخّرت دراسته 10 سنوات.
أغنية "جبار" مثلت جواز سفره لعالم الفن في الطفولة والأستاذ عتيق سعيد مكتشفه في برنامج ركن الأشبال، وفي مصر شاهده الزعيم جمال عبدالناصر وهو يحييه ضمن الجماهير في الشارع، والتقى عملاقي الفن أم كلثوم وعبدالوهاب، وله من الذكريات الجميلة ما لا تحصرها خلاصة لقاء "الوطن" معه.. فما هي قصة حب السبعينيات وما هي قصة "أحمد الجمبري" وعلاقة عائلته بالفن.. في المسيرة التالية:
- نريد التعرف على نشأتك في العائلة؟
كنت الطفل رقم واحد بين 6 صبيان وبنتين، وكان والدي يعمل في شركة نفط البحرين بابكو، ويخرج من البيت فجرا ليعود بعد المغرب، فيقوم بمساعدتنا في المواد الدراسية وخاصة اللغة الإنجليزية التي كان يتعامل بها مع موظفي الشركة الأجانب.
وأذكر يوم الجمعة كان والدي يعلمنا الأكل مثل الأجانب بالشوكة والسكين ونجلس على كراسي حول طاولة، ويقوم بعمل إفطار مميز من الأجبان والمربى، ولذلك كنا ننتظر يوم الجمعة لنستمتع بهذا النوع من الإفطار المتميز.
وأذكر أنه كان لدينا في البيت نخلة وبقرة وماعز، وكانت جدتي تحلب الماعز وتعطيني حليبها، بينما كنت أطلع فوق النخلة لأجلب التمر أو أجلس فوقها وآكل ما أريد.
- ما هي ذكرياتك مع الطفولة وكيف تم اكتشاف موهبة الغناء؟
عندما بلغت الحادية عشرة من عمري كان لدينا تلفزيون في البيت، كنت أسمع الأغاني في الأفلام وأشعر بنفسي وأنا أغنيها وأرددها وتمكنت من حفظ الأغاني التي تذاع في التلفزيون آنذاك، وكانوا يستعينون بصوتي في المدرسة لغناء بعض الأناشيد، وفي الثالثة عشرة من عمري اكتشفني أستاذ رسم جعلني أغني في حصة الرسم لإعجابه الشديد بصوتي، وفي أحد الأيام قال لي سأعرفك على الأستاذ عتيق سعيد الذي كان يقدم برنامج "ركن الأشبال" للأطفال في نادي البحر، ولا أنسى يوم الأربعاء عندما كانوا سيحتفلون بمرور سنة على البرنامج، وذهبت برفقة الأستاذ وغنيت أغنية مغرور للفنان عبدالحليم حافظ، فأعجب بصوتي ووعدني بأن أكون معهم في الحلقة القادمة بالإذاعة.
- موقف من طفولتك مازال محفوراً في ذاكرتك.
هناك موقف لا أنساه وتعلمت منه التروي والتفكير قبل اتخاذ أي قرار، وذلك حين كنت مع اثنين من أقاربي نسير في الشارع وأتوسطهما، بينما كان أحدهما يتكلم عني بسوء ما جعلني أصل لمرحلة متقدمة من الغضب والذي أعماني عن أي منهما الذي يسيء لي، وبلا شعور، قمت بضرب الشخص الثاني وندمت على ذلك.
- من هو صديق الطفولة الذي مازلت على تواصل معه؟
الصديق الذي استمرت صداقته منذ الطفولة هو الباحث وعازف الكمان محمد جمال، وتواصلت هذه العلاقة إلى أن انضممنا إلى فرقة "الأنوار" ثم ذهبنا لدراسة الموسيقى في مصر معا، وعاد ليتم توظيفه في الإذاعة بوزارة الإعلام وأنا في الثقافة أيضا بنفس الوزارة، ولا بد من أن نجتمع معا كل ليلة تقريبا.
- ماذا كنت تفعل في رمضان زمان؟
كنا في فريج العمامرة نمارس الألعاب التراثية القديمة مع الشلة، وكنا في رمضان نصنع طبلا من سطل الصبغ الكبير ونضع على فوهتها أوراق عبوات الأسمنت ونلصقها بالنشاء لتتحول إلى طبل نغني مع دقاته، وكنا ننتظر منتصف الشهر الكريم لإقامة القرقاعون فنقوم بجولة في الحي ونجمع الحلوى ثم نتقاسم ما جمعناه، وكذلك في نهاية شهر رمضان نتجول في الديرة لنغني أغاني وداع الشهر الكريم.
- عادة ما يكون للفنان آلة هي الأقرب لقلبه.. فما هي الآلة التي تحبها؟
منذ بداياتي رأيت كل المطربين يعزفون آلة العود، فتعلقت بها، وكانت الحفلات تقام في حوش البيت، ويأتي المطرب بالعود وكان أشهرهم في ذاك الوقت الفنان سلطان حمد الذي يسكن قريبا من بيتنا، وكان يمتلك عودا فكنت أذهب لبيته كي أتعلم العزف، وتوطدت العلاقة بيننا فكنت آخذ العود ليبيت معي ليلة أو ليلتين، وأحاول تقليد العزف الذي أشاهده في التلفزيون، وبالفعل تعملت العزف على العود بنفسي، وكذلك اقتنيت آلة بسيطة شبيهة بالأكورديون تسمى "ميلوديكا" وتلك أيضا علمتني كيفية العزف على آلات أخرى مثل الأورج والبيانو.
وفي مرحلة متقدمة بحثت عن قراءة النوتة الموسيقية، والتي لم أكن أعلم عنها شيئا، لكن في المرحلة الإعدادية وجدت فرصة عمل في الصيف بالميناء "فرضة المنامة"، وهناك التقيت بأحد الأشخاص الذي كان يدرس النوتة الموسيقية ويعزف آلة العود، فكنت أذهب إلى بيته وهناك عثرت على بعض الأغاني المكتوبة التي كنت أعرفها، فبدأت رحلة البحث عن فك طلاسم الإشارات بين سطور النوتة بنفسي، ولذلك تثقفت موسيقيا بالشغف، حتى درست الموسيقى.
- كيف عملت في الجمارك أثناء المرحلة الإعدادية؟
في تلك الفترة كانت أحوال الناس بسيطة، وعندما يكون هناك طفل يعرف القراءة والكتابة تصبح لديه فرص عمل كثيرة، ويمكن أن يساعد أهله، ولذلك حصلت على تلك الفرصة في الجمارك لفترة الإجازة الصيفية حيث كانوا يعطوننا 300 روبية، وهي مبلغ ليس بالهين في تلك الفترة، وكان أبواي يفرحان عندما آتيهم بالمال الذي جنيته من هذا العمل.
- اليوم الشباب ينتهز الإجازة الصيفية في اللعب، فكيف ترى الفرق بين الجيلين؟
كنا نتحمل المسؤولية منذ الصغر ولذلك كبرنا وأصبحنا رجالا يعتمد عليهم في وقت قصير، ولم أكن أكتفي حتى بهذا العمل بل إن والدي جلب بنّاء لتشييد البيت، فكنت أتابع عمله لكي أتعلم منه وأسأله عن الأجر اليومي في حال تعلمت المهنة، وأذكر أنه كان يعمل بسبع روبيات في اليوم، وهو مبلغ كبير في تلك الأزمان.
- كيف كان أثر قرارك بالتوجه لتعلم الموسيقى على العائلة؟
كان المتعارف عليه هو أن يرث الابن من أبيه العمل، ولذلك عرض علي والدي بعثة تابعة لشركة بابكو لتخريج مهندسي بترول، وقال لي إنه رشحني لهذه البعثة، وبالفعل دخلت للتهيئة وتعلم اللغة الإنجليزية، وفي ذاك الوقت كنت أغني في الحفلات، وألتقي مع فرق موسيقية قادمة من مصر والذين شجعوني على دراسة الموسيقى، فبادر صديقي محمد جمال بالتوجه إلى مصر بالفعل، وطلب مني الحضور للدراسة فاقتنعت بالفكرة، وأبلغت والدي برغبتي في دراسة الموسيقى، لكنه رفض وقال لي "ايش بتسويلك الموسيقى.. انت بتكون مهندس بترول" لكني أصررت على قراري، وقد كان والدي دائما مشغولا في عمله واضطر للموافقة بعد حين.
- حدثنا عن رحلتك لدراسة الموسيقى في مصر؟
عندما وصلت إلى مصر سكنت في شقة مع أحد الطلبة البحرينيين من آل خليفة لمدة سنتين، ثم انتقلت للسكن مع صديقي محمد جمال.
- موقف لا تنساه أثناء دراستك في مصر؟
لا أنسى هذا اليوم الذي كنت أسير في شارع بوسط المدينة ومر الزعيم جمال عبدالناصر بسيارة مكشوفة بينما نحن نقف على الرصيف قريبا من سيارته، وعندما نادينا عليه قام بالنظر إلينا وحيانا رافعا يده، وتلك كانت أسعد لحظة عشتها في مصر.
وفي أحد الأيام كنت موجودا في أستوديو 46 في ماسبيرو لتسجيل بعض الأغاني، وكان عازف الرق بفرقة أم كلثوم هو قائد الفرقة، فجاء إلي وسألني.. تريد أن تسلم على أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب؟.. فأجبته على الفور.. طبعا، فأخذني إلى أستوديو بطابق آخر كان فيه كل من عبدالوهاب وأم كلثوم يقومون بعمل بروفات على أغنية، وبعد أن انتهيا قمت بالسلام عليهما، وحتى اليوم أتصور تلك الواقعة على أنها حلم وليست حقيقة، حتى أنني من هيبة الموقف لم أتفوه بكلمة.
- كيف كانت دراستك في معهد الموسيقى؟
ذكريات جميلة مرت علي أثناء الدراسة، وأذكر منها كاتب الأغنية الراحل محمد حلاوة الذي كتب معظم أغاني الفنانة شادية، والذي كنت ألتقي معه يوميا في عشة داخل المعهد يجلس فيها ليحل الكلمات المتقاطعة، وفي عام 1976 طلب مني تلفزيون سلطنة عمان تأليف وتلحين أغنية بمناسبة العيد الوطني، فاستعنت بمحمد حلاوة واشترطت عليه ألا تكون باللهجة المصرية، فكتب "عمان يا فخر الزمان يا جنة الإنسان.. على أرضك كفاح شعبك" وبقيت تلك الأغنية تتردد في السلطنة حتى اليوم.
وكنت أرى في المعهد عمالقة الفن في ذاك الوقت ومنهم الفنان أحمد الحفناوي، الذي أتذكر حين كنت صغيرا أمنيتي سماع عزفه على آلة الكمان، لكنه أصبح صديقي في وقت لاحق وكان يزورني في شقتي بعد الانتهاء من التسجيل في الأستوديو، وللأسف لم أفكر في أن ألتقط صورة تذكارية معه.
- وماذا عن الشهرة وتأثيرها على الدراسة؟
مكثت في معهد الموسيقى لمدة 10 سنوات وكان السبب في ذلك هو الشهرة والحفلات وكثرة السفر، ففي عام 1973 كنت مطربا مشهورا في الخليج، وكثيرا ما كنت أسافر لإحياء حفلات في دول الخليج وهو ما أثر على دراستي فاعتذرت لثلاث سنوات عن الامتحانات بسبب انشغالي بالسفر والشهرة.
- من هم أبرز الفنانين الذين زاملتهم في المعهد والمواقف معهم؟
كان من ضمن دفعتي الفنانون محمد الحلو وعماد عبدالحليم وأحمد الحجار ومحمد ثروت، وبعض الفنانين الخليجيين مثل عبدالله بالخير والفنان الكويتي الراحل عبدالحميد السيد، وأذكر أحد قفشات عبدالله بالخير حين كنا في حفلة تضم وردة وعلي عبدالستار، فجاء وناداني قائلا: وين كنت.. قعدوا ينادون عليك.. أحمد الجمبري أحمد الجمبري.. أنت كنت في البحر؟.. فرددتها له بسرعة قائلا: وانت نادوا عليك.. عبدالله بالخبر عبدالله بالخبر.
وأذكر حين أتى الفنان فريد الأطرش لعمل بروفات أغنية الربيع وبرفقته الموزع أندريا رايدر، وكانت أول مرة أشاهده وهو يعزف على العود، حيث كان يتميز عن كل عازفي العود بفيض من الشجن والعاطفة تخرج من عوده.
- من العازف الذي تفضل سماع عزفه على العود حاليا؟
نصير شمة وأحمد فتحي عبادي الجوهر وهناك شاب مصري يدعى إسلام القصبجي يتمتع بحس فائق في العزف على العود ويعزف مع الفنان محمد عبده.
- حدثنا عن العائلة وزواجك.
هي قصة حب بدأت في مصر بداية السبعينيات، وأثناء دراستي في معهد الموسيقى قررت التعرف على اللغة الفرنسية فالتحقت بكورس في الجامعة الأمريكية، لكن مكثت شهرا واحدا فقط، وكانت تدرس في نفس الكورس وتعرفت عليها ثم افترقنا، وبعد فترة التقيت معها بالصدفة بالقرب من معهد الموسيقى برفقة صديقة لها والتي أيضا بالمصادفة كانت تسكن في فيلا بالقرب من شقتي، ولم يكن هناك في ذاك الوقت تلفونات بالمنازل.
فكنت أقف انتظر صديقتها حتى وجدتها وطلبت منها رؤية فاطمة، وبدأت العلاقة وتعرفت على عائلتها وأردت خطبتها لكنني كنت مازلت طالبا في المعهد، وإلى أن اشتهرت وتمكنت من شراء شقة، وبعد 5 سنوات وافقوا على الخطبة والزواج، وحضرت معي إلى البحرين ومكثنا في بيت أبي 6 أشهر، ثم حصلت على أول بيت لي في مدينة عيسى.
- هل في الأبناء من لديهم اللمحة الفنية؟
كلهم تقريبا ولكن بتفاوت، فبنتي الكبيرة رحاب تتمتع بخامة صوت جميلة وشهدت بذلك الفنانة ماجدة الرومي ووصفته بالنادر، إلا أنها فضلت طب الأسنان على الفن، أما خالد فقد درس في أمريكا البيانو ويحب الموسيقى الكلاسيك، وبنتي مي لا علاقة لها بالموسيقى لكن لديها ذائقة السمع، وأخيرا حمد يعزف على بعض الآلات الموسيقية ويؤلف ألحانا على الكمبيوتر لكن تظل هذه الأنشطة فردية.
- لو عاد الزمن إلى يوم اتخاذ قرار اختيار الموسيقى بدلا من هندسة البترول، فماذا سيكون قرارك اليوم؟
سأبقى على نفس القرار لأني أرى في الموسيقى قيمتي العليا، التي أخلقها وأتميز بها عن أي مهنة أخرى.